آمال عباس تكتب: وقفاتٌ مُهمّةٌ.. نقطة انطلاق
من العمق العاشر
آمال عباس
وقفاتٌ مُهمّةٌ.. نقطة انطلاق
أن يتجمع المبدعون والمُهتمون بشتى ألوان الإبداع هذا في حَد ذاته يمثل ظاهرة صحية ودلالة وعافية في تفكير المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون.. لا نملك إلا أن نحييها ونُباركها ونشارك فيها وإن جاءت متأخرة.. والشيء الآخر وهو الذي يستحق الوقفة العميقة.. هو الغرض من الدعوة للتجمُّع بصورة عريضة.. والكيفية التي تطرح بها مسائل وقضايا وهُموم الأدب في معناها الإيجابي والكبير في مجتمع كالمجتمع السوداني.. ميلاد السودان الجديد في شكله العام والتقدمي.. يحتاج في البداية لإنسان متطور.. لإنسان يؤمن بأن التجربة ومعايشتها هي الزاد الدسم للرحلة الشاقة في دروب البحث عن الحقيقة والعدل والمفاكرة والجدل هي السُّبل المأمون للمعرفة.. الإنسان الذي لا يداخله أدنى شك في أن الإقناع والاقتناع هما أعلى صور للعلم.. الإنسان الذي يؤمن بالحرية ويؤمن بأنها هي حامية هذه القيم جميعها.. هذا الإنسان في الغالب الأعم هو المبدع الخلاق.. هو الرسام والشاعر والموسيقار والقاص والروائي والممثل والنحات والمغني.. والكاتب والمتذوق.. بالقطع في ميداننا الجديد لا نطالب الشعب السوداني ان يتحول كله الى مبدعين ولكن عشمنا كبير في ان تكون دائرتهم واسعة وعريضة والدائرة التي حولهم أوسع وأعرض.. وأعني دائرة القراء والنقاد والذواقة.. وفي لحظة المخاض هذه لنا خصائصنا الموروثة.. نحن أمة ما زالت تحمل تاريخها على ظهرها.. وقد يصبح ذلك التاريخ حملاً ثقيلاً.. يتعسر علينا مع ثقله تحمُّل أعباء الحاضر.. لو لم ندرك الكيفية التي نعالج بها حملنا اليه.. ولا سيما في مجال الأدب والفن.. ومن هنا أردت أن أقف معكم حول القضية المطروحة أمامنا “الأدب السوداني بين التراث والمعاصرة” كل نتاج أدبي أو فني جديد يصدر من أي مبدع صادق وكل اتجاه فني جديد يظهر يكون بالتأكيد كشفاً عن وجود كان مستوراً.. وبالتالي فهو مؤشر ودلالة، والتراث في فهمنا العام له هو ما يخلعه الأسلاف للأجداد وللأحفاد إرثاً في التكوين.. والعادات والتقاليد والقيم.. وبالمعنى الذي يهمنا هنا هو المكتوب والمنقول وبمعنى أكثر دقة هو ما يسجل وينقّب من الأدب والفكر والفن في شتى المجالات، والوجه الأخير من فهمنا للتراث والأدب هو الذي يجب أن يُحظى بعناية خاصّة لأنه هو النواة الأساسية والخصبة لمعرفة الماضي والتفاعل معه، فكل ماضٍ له ثقافة يحمل بذورها انسانٌ جديدٌ.. تنبت وتتفتح بالحوار مع الثقافات الأخرى سابقة كانت ام معاصرة.. والاقتباس عنهما فالرجوع الى الماضي لا يتنافى مع الحوار.. بل يكون الشرط الأساسي لكل حوار جدي، فليس كل ما أتاه الأسلاف والأجداد عظيمٌ ومقدسٌ.. لمجرد أنه أتى من الماضي، فأجدادنا أنفسهم كان فيهم الصالح والطالح.. والموهوب والعاطل من الموهبة.. مثل ما نحن فيه الآن بالضبط، فعظمة الفنان تكون أو لا تكون في تخطيه للواقع الذي انطلق منه والفنان الموهوب هو الذي يضعنا في صميم القديم لينقلنا إلى الحديث لأنه جديد.. بل الى ما هو اكثر فعالية وإنسانية، فمناقشة قضية التراث والموقف منه لا تشغل بالنا نحن وحدنا في السودان، بل شغلت وما زالت تشغل بال جميع الأمم في مُختلف مراحل تطورها، ولا سيما التي استشرفت آفاقا جديدة نحو تغيير أشكالها الاجتماعية الى أشكال جديدة بعد أن رزحت كثيراً تحت نير الاستعمار، وهذا مما جعل الصراع يمتد وتختلف وجهات النظر حول مُعاملة التراث والموقف منه، وبما أننا جُزءٌ من هذه الأمم تعرّضنا للاستعمار وثقافته الواردة ونقوم بعملية إعادة بناء مُجتمعنا بمواصفات يجب أن تنقلنا الى أعتاب مجتمع اشتراكي يؤمن من فيه وجود الذاتية السودانية المتميزة، حيث نجد انماطا من المعلمين وغيرهم تختلف نظرتهم للتراث ولكل ما هو قديم مثلاً نجد:
- الذين يقفون الموقف الغالي من التراث.. ومن الشعب بل يذهبون ابعد من ذلك ويتهمون الجماهير دائماً بالجهل والقصور.. “رجرجة” وفي ذات الوقت نجدهم منبهرين بالغرب يرون في كل ما يأتي منه خلقاً جديداً وإبداعاً مطلقاً.
- والذين يقفون موقف الحياد.. وعندما تُطرح قضية التراث يتعاملون مع مناقشتها كمهنة أكثر من التعامل معه وفعاليته.
- والذين نسميهم بالمُتفلسفين وهم لا يقبلون مُجرّد مناقشة الجديد او الحديث، فهو مرفوضُ لديهم، بل يرغبون في العودة الى الماضي الزاهر على حد تعبيرهم، وتضارب كل هذه الآراء حول التراث، في الوقت الذي لم تكتمل فيه عملية جمعه ورصده وتحقيقه وتحليله.. تزيد من حجم مُعاناتنا، ولكن بالرغم من ذلك نريد أن نجعل من حملنا لتراثنا قوة وطاقة دافعة الى الانطلاق نحو الآفاق الجديدة.. ونؤمن بأن حركتنا الأدبية نفسها لم يصلب لها عود ولا يكون لها شأن.. إلا اذا واجهنا تراثنا الفني والأدبي والاجتماعي.. في مجالات العادات والتقاليد والقيم.. مواجهة شجاعة ننزله من على ظهورنا ونضعه أمامنا.. نتأمّل ونأخذ ما يلائم ويدفع بمسيرتنا، ونترك ما يُعطِّل هذه المسيرة.. ونضعه في احترام بالغ بما في المتحف فقد يكون تعبيراً صادقاً وفعّالاً في زمانه.. والميزان الذي يجب ان تزن به مختلف مظاهر ثورة شاملة.. هو ميزان النقد، نشاطنا الثقافي الذي يتّجه نحو ثورة شاملة هو ميدان النقد والموضوعية لا ميزان الرفض والتعالي.. والتعصب السلفي، في الحقيقة ما اردت ان أناقش هذا الموضوع الكبير والذي يستعد لمناقشة من هم اقدر مني على ذلك بقدر ما أردت أن أعبر عن ارتياحي لطرحه على مائة النقاش، داعية كل الذين يهمهم هذا الأمر الحيوي أن يعاملوه بما يستاهل من اهتمام.
-
من التراث
كسر الخاتر
يحكى أن الشيخ فرح ود تكتوك كان في طريقه من قرية إلى قرية بصحبة بعض من جيرانه.. وفي اثناء الطريق مر على قوم من الأعراب قدموا له لبناً في قرعة فتناوله الشيخ فرح شاكراً وشربه، وهنا استغرب جيرانه وسألوه إن كان ناسياً أنه صائم.. فقال لهم ماني ناسي لكن الصيام بتقضى إلا كسرة خاتر المؤمن ما بتقضى..!
مقطع شعر:
قصيدة مصطفى سند الحلم الأول إليكم هذا المقطع:
نيرودوا ذو الحنجرة الذهبية
شاعر اعباد الشمس الكبرى ومعينها
مشنوق فوق شجرة بارود
يلثم أرواح الموتى ويناجيها
في شيلي يبكي أشلاء القيم الإنسانية
أصفار الرقم العاشر في المليون
الحلم الأول كان جنبنا من أحزان
حانات النفط عروس المال..
الجاز الصاخب والكاوبوي أمريكا..
الوجه الطافح بالأحقاد..
الوجه العائد من هانوي
مهزوماً يبحث عن قربان آخر في الميدان
والحلم الأول كان جنبنا من أحزان
مربع شعر:
قال شاعر الشعبي سليمان أمبدة:
البارح في المنام يا عيني شن أوضحت
ساهرتي بي قبل الحمار شلوحتي
من المجنبق يا نفسي ما استنقعتي
أم لهيجاً مدنكس من بلوده روحتي
من أمثالنا:
البحر فايق والقعوي ضايق