20يناير2022م
هيثم كابو.. أظن أن كل التعريفات تتلاشى الآن! لأننا إذا قلنا بأنه صحفي عادي ظلمناه واذا قلنا أنه يكتب بكلاسيكية فهذا ظلم أخر.. فهو تجاوز مربعات الطرح الراجف وتقافز من فوق سور الرهبة والتخفئ وراء الحروف الباردة التي لا تحرك شعرة أو تهز سكون.. أراد لقلمه أن يكون مثيرا ومغموسا في حبر له مقدرة أن لا يتلون برمادية أو ضبابية.. فجّر الكثير من القضايا وترك للآخرين التعليق عليها.. إذن هو صانع للحدث الذي يثير الغبار الكثيف.. لا يتفرج، وربما يصفق أو لا يصفق (للعبة الحلوة).
وبكل تلك الخلفيات والتراكمات والأسئلة الحائرة والاستفهامات أذكر أنني أجلست هيثم كابو في حوار طويل وممتد حاولت أن أكتشف (ظاهرة) هيثم كابو.. حاولت أن أبحث يومها في تفاصيل هذا الشاب الذي أصبح مسار جدل.. أصبح كابو في منزلة بين المنزلتين.. والحقيقة المطلقة التي يجب أن تقال إن هيثم كابو نفسه يعلم تمام العلم بأن هناك من (يحبه) وهناك من يقف علي الضفة الأخرى ..
كابو الذي كان يرأس تحرير صحفة فنون هو عبارة عن (كوم) من التناقضات.. لا يعرفها إلا من إقترب منه.. فهو إنسان مشاغب جداً وفي ذات الوقت مسالم جداً.. لذلك حاولت أن أغوص في دواخله لنكتشف معاً هذا العالم المسمي هيثم كابو.. وأذكر أنني قلت له (صفحتك أنفاس فنيةتعتبر النسخة المقرؤة من برنامج (الأتجاه المعاكس) الذي يقدمه الدكتور فيصل القاسم؟.
بعد ابتسامة عريضة يا عزيزي سراج أنفاس فنية عنوان لملف فني أسبوعي يحرره شخص بجريدة الدار و(الأتجاه المعاكس) برنامج تلفزيوني يقدمه المذيع الدكتور فيصل القاسم.. واذا شبهنا البرنامج بالملف نكون قد ظلمنا البرنامج كثيرا فالاتجاه المعاكس أطول عمرا واوسع انتشارا وأكثر فائدة برغم تحفظات الكثيرين علي كيفية أدارة الحوار فيه وطريقة الطرح ولكنه يظل نهجا صحافيا واسلوبا أعلاميا مطلوبا فهو يجمع بين رؤي متضادة ووجهات نظر مختلفة ويبقي (الفيصل) للمشاهد وليس (لفيصل) القاسم، على حسب الحجج والبراهين والمقدرة على الأقناع.. وأحسب أن(القاسم) المشترك بيننا هو اثارة الجدل ومناقشة القضايا المسكوت عنها والجرأة في التناول.
قلت لهيثم كابو أنت متهم بالبحث عن الفرقعة الإعلامية الفارغة ولا تتجه نحو الموضوعية؟
أعتدل في جلسته قليلا واضعا رجله اليمنى على اليسري: يا عزيزي الفاضل لو كنت من الباحثين عن الفرقعة الإعلامية الفارغة لما قصدتني بمكتبي لإجراء هذا الحوار!! اللهم الاّ اذا كنت تبحث عن أصحاب الفرقعات الاعلامية الفارغة لتسليط الضوء على أفكارهم.. فانا أعتز بأني صريح حد الجراة في تناولي لقضايا الفن لقناعتي (كما ذكرت من قبل) بأن الجرح لا يطهره الاّ الكي والسيف يصقله الكير والخبز ينضجه الوهج.
أنت متهم بالتأسيس لمدرسة الأرهاب الصحافي بكتابة مقالات نارية؟
(أجاب بسرعة): نعم أعترف !! بأنني أرهابي ولكن حتى تكون الجملة مكتملة فساقول لك أرهابي ضد من: أنني أقود جيشا جرارا من الحروف الساخنة لدك حصون أشباح الفنانين وأشباه المطربين الذين سددوا عشرات الطعنات في خاصرة الفن الأصيل بترويجهم للأسفاف والركاكة والكلمات الهابطة والمعاني الساقطة.. أن حروفي لا ترهب الاّ أنصاف المغنيات اللائي مرغن سمعة السودان بالوحل ومثلنا به.. وأنا يا عزيزي أعلن مواصلة حملات الأرهاب الصحافي في وجه الغناء الفاسد والمنتوج الدرامي الضعيف وتقاعس المؤسسات الفنية والرقابية والأعلامية عن لعب الدور المناط بها.. وأعتقد بأن أرهابا كهذا لا يملك المرء سوي ان يقول عنه انه(أرهاب الهنا والسرور).
أنت تبحث عن الشهرة عن طريق (الشتائم)؟
يا رجل ما هذه الأسئلة التجريمية!!! أولا ينبغي ان نقول أن القانون حفظ لكل شخص حقه في رد أعتباره إذا مسته أساءة شخصية أو تم سبه بصورة علنية امام جمع من الناس ناهيك عن كتابة ذلك علي صدر صحيفة..والشهرة يا عزيزي سراج لا تاتي بالسب ولم تكن بالشتائم ذات يوم جسرا يعبر به الناس الي مرافئ الذيوع والأنتشار.. ولكن أن كنت تقصد شتم الأعمال الفنية الرديئة فأنني استبدل مفردة الشتم بالنقد.. وأقول لك قدرنا هو أن نكتب بصدق وجرأة فالقلم أمانة والكلمة مسؤولية والصحافة رسالة وأن كان المنتوج الفني يعتبر (فعلا) فإن نقده هو(ردالفعل) ونحن نأمل ان نرى ونسمع اعمالا فنية تدفعنا للأشادة بها والغزل فيها ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.