الأزمة السياسية في السودان .. المثلث الثلاثي.. ما هو الضلع الذي يقود المشهد؟
الخرطوم: آثار كامل 19يناير2022م
في ظل تجدُّد الاحتجاجات التي يقودها الشارع, وتمسُّك العسكر بما تم في ليلة الـ(25) من أكتوبر, وتعنُّت القوى السياسية, نجد أنفسنا أمام مثلث مكتمل الزوايا (الشارع, العسكر والقوى السياسية), ويجعلنا نطرح سؤالاً مهماً ما هو الضلع الأقوى, ومن يقود المشهد الآن؟ فنجد الوضع السياسي في حالة من التمترس, بيد أن الضلع الفاعل الآن هو الشارع الذي يمضي دون الرجوع خطوة الى الوراء عبر مواكب حاشدة ومتاريس وهتافات مناوئة والمواصلة في التصعيد عبر جداول تم إصدارها مسبقاً, فالشارع ما زال يواصل الضغط للحصول على دولة مدنية كاملة دون شراكة مع المكون العسكري بمساندة تجمُّع المهنيين عبر قواعده وأجسامه المطلبية والمهنية ولجان المقاومة.
مراحل مُختلفة
يرى مراقبون بأنّ الفترة السابقة مرت بثلاث مراحل, الأولى مرحلة اتفاق العسكر والشارع والقوى السياسية, مروراً بمرحلة اتفاق العسكر ورئيس الوزراء وبعض القوى السياسية, ومرحلة الشارع والقوى السياسية وصولاً الى المرحلة الثالثة التي يقودها الشارع فقط, مُشيرين خلال حديثهم لـ(الصيحة) الى أن الوضع الآن يتّسم بانعدام الثقة بين الجميع, مما تسبّب في ضياع مكاسب الثورة والتي أصبحت في مهب الريح على حسب تعبيرهم, وقالوا ان الجميع أمام امتحان صعب.
واشار آخرون الى ان المعالجات التي تُطرح الآن غير كافية لإعادة الاستقرار الى المشهد في ظل وجود مكونات تدعى كل منها أنها صاحبة الحق في الثورة ولها الرأي, مما يفتح الباب أمام اتجاهات قد لا ترضي القوى الثورية , بقدر ما ترضي القوى المستفيدة من التشتت السياسي لقوى الثورة ووضع المتاريس بالذهاب إلى الأمام, وذكروا ان الوقت الحالي لا يتحمّل أي تجاوز للشارع الذي أصبح صاحب الكلمة, ونادوا بضرورة البحث عن توافق, فالصيغة الحالية والمُعادلة حالياً لن تقود إلا إلى مزيد من الاحتقان والدفع بالبلاد إلى الهاوية!!!
مدنية غير منقوصة
بالنظر الى المشهد الحالي, نرى بأن الشارع يسعى بكل ما لديه من قوة للحصول على المدنية الكاملة, فيما يرى البعض بأن الوضع السياسي قطع الطريق على أحلام السودانيين, في حين لا يزال أمل الثوار في التغيير مستمراً عبر المواكب التي اصبحت تخرج بشكل شبه يومي للمطالبة بوضع جديد, فالشارع الآن يرى بأن المعضلة ليست في شخص معين ولا في اتفاقٍ, بل في وجود المكون العسكري في المشهد, رافضاً لأي شراكة, مستخدماً بذلك أدواته التي ينوع فيها, مستلهماً تجاربه السابقة التي اسقطت البشير, فيبدو حتى اليوم أن لا خيار إلا المواجهة!!
مطلوبات ثورية
قال المحلل السياسي صابر الحاج, إنّ الشارع الآن أصبح في حالة من الوحدة في المطالب, وأصبح هو مَن يقود المشهد الآن, ونوه بأن الفترة السابقة كان الشارع تقوده قوى سياسية بعينها, بيد ان تطور الأوضاع أدى الى فقدان الشارع الثقة بالشراكة مع العسكر والقوى السياسية أيضاً وأصبح يعمل بفكرته للوصول الى الدولة المدنية التي ينادي بها, بعيدا عن أي فكر يعبر عن مصالح تيارات أو جهات سياسية أو أحزاب, وأضاف في حديثه لـ(الصيحة) بأن على الكل تقديم أطروحات وبرامج يرى فيها الشارع تطلعات وطموحات ثورة ديسمبر المجيدة بعيداً عن أي أجندة, وأشار إلى أنه لا بد من أخذ الكثير من الاعتبارات لمقابلة الشارع في حال اتخاذ أي قرار حيث أصبح الشارع كتلة واحدة, وإن الامتحان الحقيقي أمام الجميع هو تنفيذ ما جاءت به ثورة ديسمبر وتلبيه متطلبات الشارع الذي يقود المشهد الآن.
الجوكر الآن
ويرى المحلل السياسي عبد الهادي عمر في حديثه لـ(الصيحة) بأن أي عملية تغيير في ظل الأوضاع القائمة والقادمة تأتي خصماً على أهداف ومبادئ الثورة لن تصمد كثيراً أمام شعاراتها المتمثلة في (الحرية والسلام والعدالة) , ولن تصمد أمام هدير الشارع الذي يُعتبر (الجوكر) في عملية التحول الديمقراطي وقيام الدولة المدنية, ولفت بأن كل ما يدور الآن من مبادرات ووساطات لن يحقق شيئا إلا في ظل نظام ديمقراطي معافى وتقبل البعض للآخر, ونقل السلطة إلى حكم مدني, مع استصحاب وعي الشارع, وواصل عمر خلال حديثه بأن الأوضاع الآن لم تعد عامرة بالثقة, وأن مساحات التوافق تناقصت بدرجة كبيرة, خصوصاً بعد الأحداث التي جرت مؤخراً, لذلك لا بد من تقديم ضمانات ترضي الشارع أولاً والرجوع إلى مساحات الحوار.