16يناير2022م
الخيل في البادية والحَضر
تعتبر الخيل من الحيوانات المُستأنسة (الأليفة) التي تجد تقديراً واهتماماً عند كل الناس تقريباً. وقد عرف تراث الزيادية الخيول في الحواضر والبادية، حيث تتم تربيتها لأغراض الحروب والفروسية من ناحية، ولأغراض الزينة والوجاهة والترفيه من ناحية أخرى. وتقول الروايات إن الخيل كانت جزءاً أصيلاً من بوادي الإبل، ففي كل مراح حصان أو فرسة. وتتم قيادة الجواد عند الرحيل بحبل على العنق أو “بالصريمة” دون سرج. وفي حالات الإقامة تهجّر الخيول بنوع خاص من الحبال يُعرف بـ”الهجار” يصل القدم الأمامية والخلفية بالجهة اليسرى. فالخيل لا تقيّد كما هو الحال في الجمال والحيوانات الأخرى. وتعيش الخيول في البادية على شرب اللبن الحليب ورعي الأعشاب، وتسقى الحليب مع عتام العشاء وعتام الصبح. أما الخيل في القرى فتعيش على “علوق” الدخن صباحاً ومساءً وترعى العشب بصورة حرة أو يحمل لها العشب في مكانها وهو ما يُعرف بـ”شاية الجواد”. وتطلق كلمة جواد على الحصان والفرسة دون تمييز. ومن الخيول ذات الذكر ببادية الزيادية جواد البيه. والبيه هنا هو إبراهيم بيه والد العمدة آدم دومو صاحب العمودية المعروفة وهو جدّ الفريق آدم حامد لأمه. ويذكر في السير أيضاً جواد داوود وهو من أسرة آل جادين بمليط، ويقال إن لفارس السلطنة آدم ود حميدة جواد شهير يسمى ” سلك الدهب” وله قصة. كما يقال أن للناظر آدم جزو على أيام الإنجليز جواداً يُسمى “الأشيقر”. ويروى أن الخيل هي التي حسمت واقعة تلِّب أو “شِق الجحفة” التي كانت رداً على غارات “جلد الفيل” الشهيرة والتي أشرنا إليها سابقاً.
ما كانت الخيول في بادية الزيادية تُستخدم لحمل العتاد ولا تسرج إلا في حالات الفزع أو الأفراح أو لانتقال وجهاء القوم من مكان إلى آخر. وتسمى الخيول في السنين الأولى من العمر مهراً أو مهره وترد في الأغاني غالباً بهذا الاسم كما هو الحال في الشقلاب:
مهيرته للكوراك سريعة ** وكل صباح راكب طليعة
أو
جدّك ما كبر جرَّ عالي كيف جبل مرّه
أبو مهيراً على درب الوسيق كرَّ
ويُحفظ لحمدو ود على إندوه
شيكة البكتب وبحوّل ** مهيرة البركب وبشوّر
أم ديساً كيف حبال دوّر ** خلت قلبي متجوّل
وفي السن الأصغر تسمى فِلُو أو فِلوه وتجمع فِلّاو وورد في أغاني الهسيس
فِلو الكتاتيب المربى ** من العزيب عديلي حبة
وعندما كنا تلاميذ بمدرسة الكومة هناك عدد من الأسر التي تمتلك خيولاً، فهناك جواد محمد ود حبيل وجواد إبراهيم ود لازم وجواد آدم ود منزل (بلا نزل) وجوّاد عبد الله ود عبد الرحيم وجوّاد علي ود احمد وجوّاد سليمان يوسف وجوّاد يس وهو أحد أعضاء المحكمة، وفرسة لعمنا إبراهيم قرّاض تسمى “الدبيسة” وجوّاد لعمنا قبله محمد قبله وفرسة مولانا عبد الله خبير وفرسة عبد الله ود مخير بمنزولة وفرسة شايب جمعة والد الأستاذ آدم جمعة وجميعها كانت دواباً للوجاهة والترفيه كما قلت.
أول من استخدم جواداً للنقل أو جرّ “الكارو” هو ضو البيت عبد الرحمن والذي كان يسكن جاراً للحاج محمد جزو وخليفة قبله.
وكان هناك عدد من وجهاء الكومة يمتلكون حميراً دنقلاوية مُميّزة والتي توصف بأنها “حُرة” أذكر منها حمار الحاج محمد جزو وحمار إبراهيم حولي وحمار سليمان القاضي وحمار يعقوب زريبة وحمار آدم أبو عشة وحمار كاتب الدونكي محمد الحاج وهو من الفاشر.
كان الأستاذ محمد يعقوب زريبة من المهتمين بتربية الخيول على الطريقة الحديثة وقد كانت له خيول سَبَق في الخرطوم ونيالا. ومن المهتمين بتربية وركوب الخيل الأستاذ أحمد حبيس والذي ظل طوال فترة وجوده بحجر ساري يمتلك حصاناً يرتب له مكاناً قرب مسكنه ويسافر على ظهره من الكومة إلى ساري والعكس. ويُروى أنه قد نُقِلَ ذات مرة الى كبكابية وكانت المدرسة تترقّب حضوره من الفاشر عن طريق العربات ولكنهم فُوجئوا ذات صباح برجل يمتطي جواداً بكامل عتاده ويتوقّف عند باب المدرسة ويعرّف نفسه بأنه الأستاذ أحمد، وقد ورث أستاذ حبيس تربية الخيول عن والده.
في منطقة حجر ساري، كان هناك عددٌ من الخيول المعروفة، معظمها فرسات ومنها جواد الفكي أحمد “كجم” والد حاج سماعين وجواد أحمد “حمرجي” وجواد جمعة ود معلّا وجواد محمد خيمة المسماة “أم دريب” وجواد الحاج حامد مناوي وجواد فكي الزين وجواد جراد وجواد زايد ود عيد وجواد حامد ود يعقوب وجواد “إنجرّي” ود غبوش وجواد محمد موسى الذي كان يعيش بساري قبل أن ينتقل لأبوقو ثم غرب الكومة. كان هناك عددٌ محدودٌ من الخيول الذكور منها جواد خالنا أمبدة ود معزب والذي يقال إنه هدية من نظارة الكواهلة بأم بادر أو نظارة الكبابيش وينطبق عليه تماماً وصف جواد الزينة أو الترفيه ولا يظهر إلا في مناسبات الأفراح حيث “يدفّر” به رِكيب الخيل المعروف أحمد حامد معزب، ولخالنا فضيلي أيضاً جواد وإن كان أقل شأناً من جواد أمبدة، والجواد الثالث هو جواد والدنا “آدم محمد قبله” وهو أيضاً معروف بـ”بلا نزل” وهو من سلالة جواد آدم ود منزل. وكان لأخي موسى أيضاً جواد ولكن لم يبق معه لفترة طويلة، فموسى مثل خليفة قبله يُفضِّل الهجن على الخيل. وكذلك لبخيت ود أرشوي فرسة وهو يسكن مع أولاد معزّب. وهناك جواد يعقوب ود إيدام من أهلنا كرتوب وكان رغم تقدم السن به مُعجباً بحصانه و”يدفّر” به في الأفراح ويمتشق سيفاً لا يفارقه يهزّ به على العرسان، وكان حصان يعقوب رشيقاً ومدرباً بصورة جيدة وقد أطلق بعض “الشرّامة” على إحداهن رمزاً” مهير جاغوب”.
ومن ملاك الحصين المشهورين إبراهيم ود ملّاح وهو شقيق جمعة ود ملّاح جد اللواء حسن محجوب لأمه ويستخدم هذا الرجل حصانه لصيد النعام والغزلان في السهول الممتدة بين ساري وجبل ميدوب.
ومن قادة المُجتمع بساري الذين يمتلكون حميراً “حُرة” للوجاهة الحاج إدريس معزب والحاج سليمان رابح وعبد الله باسي “من مليط” والفكي عبد الله والفكي سرور وعمر الطاهر ومطر حامد وفضل السيد دومو وحبيب أحمد نور.
هذا وقد أتيحت لنا ونحن في سن الصبا أن نتدرّب على ركوب الخيل بصورة جيدة لأنها كانت في متناول اليد وكان بعضنا يقوم برعايتها المباشرة في المنزل، ومن الذين عاشوا معي هذه التجربة أذكر حسن عنانيف وحميدة موسى ومحمد أحمد “دلدمة”. وهكذا فلم يكن ركوب الماصع أبو غرة حكراً على أحد.
وقد كانت لجدي “محمد ود قبله” فرسة تدعى “الخضيرة” ومعها فلوة حمراء اللون تسمى “أم هلال”، وقد فُقدت أثناء تجوالها في المراعي ذات خريف ولم يتم العثور عليها حتى يوم الناس هذا.
…ودمتم في حفظ الله ورعايته…