د. عمر آدم قبله يكتب: شجون حديث “1”
عندما يؤدي تناول موضوع ما إلى تداعي الخواطر وحفز الذاكرة أو توليد أفكار ذات صلة يصف أهل اللغة ذلك بأنه شجون حديث. ويقال الحديث ذو شجون. وانا هنا تقودني شجون الحديث للتعليق على ما أثاره أحد الاعزاء حول تسمية الأسد “بالدّود” كثيراً في تراثنا المحلي. وهذا صحيح ولكن الغريب أن كلمة أسد ذاتها مفردة مدرسية أملتها علينا البيئات التعليمية ومعطيات اللغة الفصحى بين طيات الكتب. فالزيادية والكبابيش ومن جاورهم يسمون الأسد (ضيباً) وينطقها بعض من عاصرناهم من الطاعنين في السن (ظيب) حيث يقلبون الضاد “ظاءً”. وتجمع الكلمة على (ضِيَبة) ويسمون اللبوة “ضِيْبَة”. وأحيانا ينسبون الضيب إلى أمه فيسمونه “ود كحلة” ولعلهم يقصدون (كحلاء) في إشارة إلى تفاصيل وجه اللبوة.
هناك منطقة في شمال غرب ساري شمال شرق الفاشر، إسمها غابة الضيب وينحدر منها وادي معروف يسمى بوادي “غابة الضيب”. هذا الوادي نادراً ما يفيض ولكن عندما يحدث ذلك فإنه يجتاح ساحات واسعة من الجهة الغربية تشمل الركز و”تمد مخّيط” و”هور مجامج” وأحيانا يعبر منطقة جديد ويتمدد حتى المنطقة الجنوبية المعروفة بوادي الوحل وهناك منطقة لا اذكر موقعها الآن تسمى “قوز الضيب” وربما يتذكر البعض أن هناك سيده في منطقة ساري تعرف بـ”فاطمة ضِيبة”. وبالمقابل فإن أهل ام هجيليج يعرفون سيدةً يلقبونها ب “أسده”. وأعتقد أنها نوع من الألقاب التي تطلق على الأطفال في صغرهم ثم يَغلُب تداولها في المجتمع على الاسم الأصلي. وتاريخياً فإن كلمة أسد أقل تداولاً في ثقافتنا مقارنة مع كلمة “ضِيب”.
وتجد تداولاً محدوداً لكلمة أسد في أدبنا الشعبي عندما يتعلق الأمر بالضراوة وشهوة الإفتراس فيقال الأسد “المربعن” ويقال “الأسد التام اربعينه” أو “الأسد المربعن طوّل”. ويقال إن الليبيين يطلقون كلمة “ضيب” على حيوان آخر صغير من مفترسات الأغنام. أما كلمة دود فهي اسم شائع لوصف الأسد عند معظم أهل السودان حضره وبواديه ولكن يكثر ورودها في أغاني الحماسة والدوبيت وأنواع النظم الشعري الاخرى. فهي ترد في أغاني الشقلاب بكثرة مثل “دود الغابة” و”دود الكِره” أو “دود اللّية للخصيم كية”.
* واللّية إنحناءة يغير عندها الوادي أو النهر مجراه بإتجاه آخر، وربما تتخذها الأسود مرابض بسبب ما يحيط بها من أشجار كثيفة توفر الظل وفرص الإصطياد. وعلى ذكر الدود تقول إحدى الكباشيات:
الوعر البنتر دودو * خبّارات لي بلودو
الولد البحل قودو * دَرَعْ الأسود عودو
ويقول أحدهم في رباعية دوبيت:
ماركة سبعة في وعر الصعايد غنت
بارك بيها دود اللّية إيل يتقنت
وقياساً عليه فأهلنا عادة ما يقولون حس ضيب “بتنتر” أو “بتقنت” وفي حالات نادرة يقولون (ضيب بتزفر) على الجهة الفلانية وأحيانا يقولون “جعير الضيب”. ولا أدري ما الفرق بين أن “يتنتر” الأسد وبين “يتقنت” مثلما لا أعلم ما هو الفرق في الفصحى بين زمجرة الأسد وزئير الأسد.
في واحدة من أغاني التراث المرتبطة بحادثة مشهورة قيل (أخو ام هنّوت لجّم الدود بي إيدَه)، ويمكن مراجعة العمدة عبيد ود حريرين في هذه المقام. وفي بعض ما يروى عن علي ود بلال في إحدى رحلاته
و لاقيت دود الخلا الساطور * جهجهني كتير إلا الخلا مستور.
ولا تُسمع أصوات الاسود في الثقافة المحلية إلا ليلاً ويقولون (هناك قرقرة ضيب) بالجهة الفلانية. ويروى عن عمنا عبدالرحمن ابو صدرا سوق وهو يمدح أمبدة ود معزّب.
عمي أمبدة الليلة هبرْ * حزم جنديْ مراكب البر
جرسهم في الجنيبة نقر * ونعمهم في المواطري نزل
ود كحلة اليوم عليك قرقر * بتكتح بالسموم والحر.
ويحكى أنه طُلب من أحدهم التعليق على شبل أسد في حديقة الحيوان فقال:
جابوك للمدن ساكت درادر وضيعة
أمك في الحريم ماها المرا السميعة
“نترة” ناس أبوك ال”للرجال” هِليعة
وإت عاد كان كِبِرْ جنباً تقلب البيعة
* وقلب البيعة معناه رد الصاع صاعين.
ويطلق على الأسد أحياناً “الدود ابو عاجات” ويسمونه أبو رسوة وربما تلك إشارة للبياض فوق كفيه الأماميتين ويقول شاعر الشرق في مدح أحدهم.
إن قل وإن كتر ما بقول أديت
أبو رسوة النتر حجَّر دروب سيتيت
ابو الدرق الموشح كلو بالسوميت
كاتال في الخلا وعقبان كريم في البيت
ودمتم في حفظ الله.