شاكر رابح يكتب : أدب الاستقالة ونهب مقر «يوناميد»
15 يناير 2022م
من المُفارقات العجيبة المُحزنة ونحن في ظل ثورة ديسمبر المجيدة، وبعد توقيع اتفاقية جوبا للسلام المشهود الذي وُقِّع مع حركات مسلحة رئيسية في ولايات دارفور، ان يتم نهب المقر السابق لبعثة «يوناميد» بالفاشر في وضح النهار وأمام مرأي ومسمع الأجهزة النظامية المختلفة، وقد وجد هذا التصرف المُشين الاستنكار والإدانة من الأمين العام للأمم المتحدة، وقد جرت أعمال النهب في جُزء من القاعدة اللوجستية السابقة التي تم تسليمها فعلياً للسلطات السودانية المحلية في ديسمبر 2021م، وقد اعرب السيد فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة “عن قلقه البالغ إزاء سلامة افراد البعثة الذين لا يزالون في القاعدة”،علماً بأن القاعدة التي تم اقتحامها ونهبها محروسة بقوات تابعة لحركات الكفاح المسلح. هذه الأحداث لم تكن الأولى، فقد تم الاعتداء على مقرات البعثة في غرب ووسط وجنوب دارفور من قبل، والجديد هذه المرة أنّ الاعتداء تمّ من قوات تابعة لحركات مسلحة مُوقِّعة على اتفاق سلام جوبا والمنوط بها حماية وحراسة هذه الممتلكات القيِّمة التي تحتوي على معدات وآليات ثقيلة وحديثة وأجهزة متطورة، كان يمكن أن يُستفاد منها في الأعمال المدنية، والغريب في الأمر أن النهب تم عقب ساعات من توزيع هذه الآليات للولايات.
وقد تقدّم نائب حاكم إقليم دارفور الإداري والسياسي المُعتق و«الثورجي» المعروف الدكتور محمد عيسى عليو باستقالته من منصبه، في بادرة قلّ ما تجدها هذه الأيام أن يترك المسؤول منصبه طائعاً مُختاراً، هذه الاستقالة أتت احتجاجاً على نهب ممتلكات مقر «يوناميد» بواسطة قوات تقوم بحراسة المقر.
وقال عليو: تقدّمت باستقالتي في اجتماع للجنة أمن ولاية شمال دارفور برئاسة حاكم الإقليم مني أركو مناوي، وسبّب عليو استقالته لفشل الحكومة في حماية ممتلكات تم توزيعها على ولايات دارفور، لا شك أنّ استقالة عليو خسارة كبيرة للمُجتمعات المحلية ولعملية السلام والاستقرار بشكل عام في الإقليم بعد النجاحات التي تحققت بالرغم من قصر فترة التكليف.
من جانبه، اتّهم والي شمال دارفور نمر عبد الرحمن، حركة تحرير السودان بقيادة حاكم الإقليم مناوي، وقوى تجمع تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي التي يتزعّمها عضو مجلس السيادة الهادي إدريس، وحركة التحالف السوداني التي يقودها والي غرب دارفور بنهب عربات «يوناميد»، بعد ساعات من توزيعها على ولايات دارفور الخمس، وقد اعترف حاكم الإقليم بالمسؤولية وأنّ قواته وقوات موقعة على السلام ضالعة في عمليات النهب والاعتداء، واكد ان ما تبقى من مقرات ستكون تحت حراسة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.
في تقديري، هذه الفوضى الأمنية بدارفور، تُؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك هشاشة وسيولة أمنية وضعفاً وغياباً حكومياً بسبب الفراغ الدستوري، وعدم استكمال المؤسسات العدلية وانشغال الحكومة في المركز بالاحتجاجات الشعبية المُناهضة لقرارات رئيس مجلس السيادة القاضية بحل الحكومة التنفيذية وتداعيات استقالة رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك.
في ظل هذه الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية المُعقّدة التي يشهدها السودان عموماً وإقليم دارفور على وجه الخصوص، أعتقد بالضرورة بمكان تنفيذ اتفاق السلام خاصةً بند الترتيبات الأمنية ودمج وتسريح القوات حتى تكون جزءاً من المنظومة الأمنية واستكمال مؤسسات الحكم على المستوى المركزي والإقليمي والولائي، عملية الاستقرار في الإقليم تحتاج إلى إرادة شعبية وسلام وتوافق مجتمعي ومصالحات قبلية وإعمال للقانون الجنائي وتطبيقه على الجميع.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،