فرح أمبدة يكتب : “الدودة الغينية”.. بعبعٌ يُخيف سُكّان “الجنوب الجديد”
15يناير2022م
يعتقد سكان الجبال المرتفعة في منطقة النوبة أنّ مُعاناتهم مع مرض “الدودة الغينية” لن تنتهي رغم توقف الحرب، فقد كان سكان القرى المُعلّقة في حواف الجبال يعتقدون أن وقف الحرب في منطقتهم سيفتح الطريق أمام طرق المكافحة التي كانت معهودة إليهم قبل أكثر من خمسين عقداً من الزمان، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.. في المقابل تزداد يوماً بعد يوم مُعاناتهم مع المرض، مثلما تفعل مع سكان الحواف الجنوبية للسودان التي تلامس دولة الجنوب، وتمتد من دارفور الجنوبية حتى النيل الأزرق، وقد باتت تُعرف بـ”الجنوب الجديد”.
قبل أشهر، رأيت الأطفال الصغار في القُرى المُنتشرة في سفوح الجبال وقد تقرّحت أرجلهم بعد أن اخترقت الدودة الرهيبة، جلودهم في طريقها إلى خارج الجسم، وكثيرون منهم قد أُصيبوا بالإعاقة، ومن المألوف رؤية الفتيات وقد تشوّهت أرجلهن جراء المرض، لكن الرجال والنساء كبيرات السن لا يعطون بالاً لما تفعله بهم.
الهَم الأكبر
وتُعد جبال النوبة ومناطق أخرى في جنوب كردفان مثلما هي الحال في مناطق المستنقعات بالنيل الأزرق، أكبر حاضن لتوالد الدودة، وتُشكِّل بجانب الأمراض الأخرى “الهم الأكبر”، فهذه المناطق بها (80%) من نسبة الإصابة في العالم حسب تصنيفات مركز كارتر لاستئصال الدودة الغينية في أفريقيا، وهو مركز، أسّسه جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق لمعاونة الدول الأفريقية ذات الإصابة العالية بالمرض ومن بينها السودان.
مرض الدودة الغينية من الأمراض التي تؤذي وتؤلم ضحاياها، حيث يتسبَّب فيه أكبر طفيل نسيجي في البشر، وحسب المعلومات التي أوردتها منظمة الصحة العالمية، فإنّ الإصابة به تحدث جراء شرب المياه الملوثة بناقل للمرض يسمى السيكلوب (Cyclop)، وهو ناقلٌ غريب الأطوار وله مقدرة فائقة على التخفي حتى يصل المرحلة التي تمكنه من العدوى وقد تصل إلى عام كامل، وبعد عام تقريباً من العدوى، تخترق أنثى الدودة البالغة – والتي قد يصل طولها إلى متر كامل – سطح الجلد فتسبِّب آلاماً مبرحة وتصيب المريض بالإعاقة.
تورم مُؤذٍ
ومعلوم لدى الدوائر الطبية أن المرض ينتقل عندما يستخدم الأشخاص المياه الراكدة التي تحتوي على طفيليات مجهرية تنقل يرقات الإصابة، وتنمو هذه اليرقات داخل جسم الإنسان ليصل طولها إلى (3) أقدام. وبعد سنة تخرج الدودة ببطء عبر تورم مؤذٍ تحت الجلد يكون عادة في الأعضاء السفلى من الجسم.
ورغم أن هناك تحالفاً دولياً مكوناً من المنظمات المعنية بالصحة، وتحالفاً إقليمياً من الدول ذات الإصابة العالية للقضاء على مرض الدودة الغينية، وبسبب تلك الجهود انخفض المرض في أفريقيا من مليون حالة في النصف الأول من الثمانينيات إلى أقل من (11) ألف حالة عام (2005)، إلا أنه في السودان لا يزال المرض ينشب أظافره، فالبلاد تعد الأولى من بين مجموع عشرين دولة يتوطَّن بها المرض حتى بداية برنامج الاستئصال الذي شنّه “التحالف المزدوج” في العام 1980، وكان ذلك سبباً في وقف سريانه بالفعل في 11 بلداً، وهنالك أربعة بلدان تُبلغ عن عدد يقل عن مئة حالة إصابة سنوياً، ودولتان تبلغان عن عددٍ يزيد قليلاً على مئة حالة سنوياً.
تحالفٌ دوليٌّ
وحسب إحصائيات المنظمات العاملة “اليونسيف، الصحة العالمية” هنالك ثلاثة بلدان هي السودان وغانا ومالي أبلغت عن (95%) من إجمالي الإصابات التي سُجِّلَت عام (2005)، وكانت الخطة الدولية للقضاء على المرض حددت العام 2009 موعداً لوقف سريان المرض بهذه الدول، لكن الأمر يظل هدفاً بعيداً.
وحسب مسؤولين في وزارة الصحة، فإنّ (52%) من نسبة الإصابة العالمية تتركَّز في السودان، وقال تقريرٌ صادرٌ عن مركز كارتر قبل أعوام، إن مرض الدودة الغينية بالسودان ما زال ينتشر في (4) ولايات منه.
المرض الأفريقي
وتاريخياً ومنذ بداية القرن العشرين، انتشر مرض الدودة الغينية في بلدان عديدة في أفريقيا وآسيا. وقدرت منظمة الصحة العالمية عدد الحالات في الخمسينيات بنحو (50) مليون حالة، وقد انخفض عدد الحالات المُصابة بالمرض إلى نحو (69000) حالة في عام (1999)، نتيجةً للجُهُود المُكثّفة التي قام بها المُجتمع الدولي والبلدان الموطونة.
وينتشر داء الدودة الغينية في ثلاثة عشر بلداً أفريقياً وتشمل، السودان ونيجيريا وغانا وبوركينا فاسو والنيجر وتوجو وكوت ديفوار. وقد تم التبليغ عن عدد صغير من الحالات في أوغندا وبنين ومالي وموريتانيا وإثيوبيا وتشاد.
ويتواجد نحو ثلثي الحالات بالبلدان الأفريقية ” 66000 حالة” من الحالات التي تم التبليغ عنها في عام 1999 بالسودان، حيث عرقلت الحرب الأهلية التي استمرت عشرين عاماً، الجُهُود المبذولة للقضاء على هذا المرض.