13يناير2022م
أبو اللمين وهاشم صديق.. حينما تتناسق الأرواح!!
عبقرية:
عبقرية هاشم صديق الكتابية هي ليست وليدة الصدفة أو اليوم، فهي تجلت منذ زمن باكر في أغنيته المشهورة (قصة ثورة) التي عرفت باسم الملحمة والتي كتبها وهو لم يبلغ بعد التاسعة عشر من عمره .. والمتأمل للملحمة يلحظ فيها الشكل الكتابي المُدهش والروح الثائرة والمتمردة لصبي مازال غضاً وصغيراً على التفاعُل مع الثورات ومطلوباتها ولكنها العبقرية والقُدرات الخارقة التي استطالت وتطاولت فوق مفاهيم العمر واتّجهت بناحية الإحساس بالقضايا والوطن، والعبقرية الأخرى محمد الأمين جعل التأليف اللحني يتسق مع المفردة:
في لية وكنا حشود بتصارع
عهد الظلم الشب حوافر شب موانع
وجانا هتاف من عند الشارع
قسماً قسماً لن ننهار
طريق الثورة هدي الأحرار
والشارع ثار
والكل يا وطني حشود ثور
علاقة عميقة مع العود:
المتأمل لتجربة محمد الأمين لا يُمكن أن يغفل أو يتناسى علاقته العميقة مع (آلة العود) فهو يعتبر من أبرز الذين يتقنون العزف عليها بجانب الموسيقار الراحل برعي محمد دفع الله .. ولعل امتلاك محمد الأمين للمهارة العالية في عزف العود جعله يكتشف أسرارها .. بدأ محمد الأمين تعليم آلة العود نهاية الخمسينات من القرن الماضي، ويرجع الفضل للأستاذ السر محمد فضل وهو درّس محمد الأمين كيفية العزف على العود.
والمفارقة تبدو واضحة اذا علمنا أن محمد الأمين ومنذ صغره وهو لا يتجاوز الرابعة من العمر كان يدندن بصوته ويلحن، بل عندما يطلب شيئاً وهو فى هذه السن الطفولية، كان يطلبه بشكل لحن .. وكل ذلك اتضح فيما بعد ليس في التجديد المختلف فحسب, وإنما أبان عن قدرة خارقة في تمهيد الطريق للتجريب اللحني والموسيقي .. وذلك هو سر عظمة محمد الأمين واحتفاظه بكل هذا الألق عبر السنين الطوال.
بداية عهد:
كانت الملحمة بداية عهد غنائي جديد ما بين عبقرية في الجملة الشعرية والجملة المُوسيقية، وخُمود ذلك الجمال انساب طمعاً جديداً من شكل الغناء غير المألوف الذي يبتعد عن الكلاسيكية ويتقرب للحداثة في ذلك الزمان البعيد يتباعد هاشم صديق عن تأثيرات مدرسة الحقيبة بكل تداعياتها الحسية والمباشرة وانتقل إلى شكل طرق، عليه عمر الطيب الدوش في الود ـ بناديها والحزن القديم، وفي ذات التجريب مشى هاشم صديق .. فكان اللقاء الأول مع محمد الأمين في كلام للحلوة.
لما شفتك ليلي ضو
وبق نور
ونرجس الجنة المفرهد
رف بجنحات عطور
كلام للحلوة:
جاء التأليف لاغنية كلام للحلوة بديعا وجديداً وتميزت بموسيقاها ذات التراكيب اللحنية الجديدة
وسهولة التراكيب في الجمل الموسيقية .. وكان فيها محمد الأمين يتنقل ما بين كوبلية وآخر ورغم أن الموسيقى يتغير شكلها ولكنها تنسجم مع بعضها في ترابط لحني منطقي.. ونجاح أغنية كلام للحلوة كان دافعاً لأغنيات جديدة بينهما .. حيث جاءت بعد ذلك حروف اسمك:
حروف اسمك / جمال الفال
وراحة البال / وهجعه زول
بعد ترحال / وغنواتنا ومشاويرنا
وكلماتنا اللي ما بتنقال
اغنية حروف اسمك حينما ظهرت للوجود في السبعينات وصفها الموسيقيون بانها نقلة في الموسيقى السودانية لانها احتشدت بالتجديد في طريقة تلحينها ومفردتها وهذا الاغنية كان التفكير الموسيقي فيها متقدما، حيث استخدم فيها محمد الأمين التراث لأغنية (العديل والزين) وكان حينما يردد
حروف اسمك نجوم ركت على الياسمين
فرح في عيني جمالها حزين
اساور في ايدين طفلة
بتحفظ في كتاب الدين
وزفاف عاشقين بعد فرقة
وسط باقات دعاء الطيبين
وكان محمد الأمين حينما ينتهي من ترديد تلك المقاطع يقول:
الليل الليل
العديل والزين
تقدمو وتبرا
وهكذا مضت النجاحات الغنائية بين محمد الأمين وهاشم صديق حتى أصبحت وكأنها ثنائية مترعة بالإبداع والجديد المُدهش.. وتلاحقت التجليات في اغنية (همس الشوق) التي وجدت قبولاً غير عادي وأصبحت قاسما غير مشترك في كل حفلاته الجماهيرية وتعلق بها الجمهور وافرد لها مساحة خاصة في وجدانه.