هل تكون المبادرة الاممية آخر المطاف؟!
الخرطوم- الصيحة
يلاحظ المهتمون بالشأن السوداني، تعقيد الساحة السياسية واستحكام الأزمة وبلوغها قمة اكتمال سفورها عند قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي لتصبح أكثر تعقيداً حتى توقيع رئيسي مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين الاتفاق الإطاري الذي كان مقصوداً به تنفيس الاحتقان الذي لازم المشهد السياسي بالبلاد إلا أنه لم يزد على أن أضفى مزيداً من تأجيج الصراع بل أخرج حمدوك من دائرة الحياد والمقبولية لدى قطاع جماهيري واسع كان يرى فيه أيقونة المدنية!
دخلت البلاد بعد استقالة رئيس مجلس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك في حالة من الانسداد السياسي التام، فضلاً عن ضغط الشارع المتصاعد في حراكه الرافض لمجمل التغييرات التي تمّت منذ قرارات قيادة الجيش في اكتوبر وتعدّدت المبادرات المحلية والدولية والإقليمية من أجل الوصول لتوافق يعمل على فك الاختناق السياسي ويسهل عمل الحكومة ودولاب الدولة، وقامت أيضاً الوساطات من جهات عدة أحزاب وشخصيات وهيئات أكاديمية وخلافه خاصةً بعد توقيع الاتفاق الاطاري في الواحد والعشرين من نوفمبر بين (حمدوك والبرهان) وكلها لم تجد القبول أو النجاح في إحداث التوافق المطلوب لإخراج البلاد من أزمتها السياسية المستحكمة! وفشلت كل الحلول المحلية أيضاً في اختراق المشهد السياسي المأزوم بالبلاد! وذهبت جميع تلك المبادرات والوساطات أدراج الرياح أمام تمترس الأطراف السياسية في مواقفها الصفرية ووصلت البلاد إلى ما يشبه توازن الضعف ما بين الفرقاء وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من التفتت والانزلاق نحو الفوضى والانهيار والتلاشي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي طحنت المواطن وزادت من معاناته بصورة كادت أن تخرج أكثر من تسعين في المائة من سكان البلاد إلى دائرة الفقر والعوز والحاجة!
ثم أعلنت الهيئة الأممية على لسان ممثل الأمين العام، رئيس البعثة الأممية بالسودان “فولكر بيرتس” انطلاق عملية لتسهيل المشاورات بين أصحاب المصلحة الحقيقية للوصول إلى صيغة تسوية تجنِّب البلاد المزيد من التفتيت والانقسام ليبرز التساؤل المقلق الذي لاح في الأفق بمجرد إعلان بيان “فولكر” ما هي فرص نجاح العملية التي اطلقتها الهيئة الأممية مؤخراً؟ وكيف تتعامل معها القوى السياسية والأطراف المتشاكسة في البلاد التي وصل انقسامها مبلغاً كبيراً انعدمت معه أي بارقة أمل للوصول إلى توافق سياسي يعمل على استمرار الحياة السياسية ودولاب العمل بالشراكة فيما بين مكوناتها المختلفة! أم سوف تلقى مصيرها كسابقاتها من المبادرات والوساطات السابقة؟!
ما هي الضوابط الملزمة الخفية والظاهرة التي تتحكم بها الهيئة الأممية؟ أو ما هي المحفزات والآليات التي تتوافر عليها البعثة الأممية لحمل الأطراف السودانية على قبول هذه المبادرة؟ رغم اصطدام المبادرات الأخرى بتعقيدات المشهد السياسي؟ ما هو المختلف هذه المرة؟ هل هو البعد الدولي للبعثة وما تتصف به من مهام في أولويتها حماية الانتقال والمساعدة على عملية التحول الديموقراطي؟ أم التأييد الذي انطلق باكراً من الرباعية الدولية (أمريكا، السعودية، قطر ومصر) وكأنها على تنسيق مسبق مع البعثة الأممية! خاصة تصريحات (الترويكا) والاتحاد الأوروبي التي سبقت إعلان العملية الأممية بحوالي اسبوع بتهديد شديد اللهجة لعدم تعيين رئيس وزراء لحكومة الانتقال بصورة منفردة من أحد المكونين الرئيسيين في البلاد!؟ هل يعد ذلك مقدمة لقرار دولي وتنسيق مسبق مع البعثة الأممية؟ هل ذلك إشارة وتلميح لإلزامية مخرجات العملية الدولية؟ وحتمية قبولها من جميع الفاعلين بالبلاد؟! هل هذه هي الضوابط الخفية الملزمة لمختلف المكونات والأطراف السياسية بالبلاد؟ وأنه حان الآن انتزاع قرارها الوطني والانتقال به بين يدي البعثة الأممية التي من مهامها المساعدة ودعم مسار الانتقال؟ هل تخشى الهيئة الأممية أن تقودها صراعات القوى السياسية إلى الفشل في مهامها أيضاً؟ هل يئس العالم من الصراعات الطفولية التي نشبت فيما بين الأطراف بالمشهد السياسي كما وصفها الرئيس الإرتيري “اسياس افورقي” وأنها لا تليق بالإرث السياسي السوداني! هل تراه كذلك البعثة الأممية وقررت قلب الطاولة على الجميع بقرار أممي؟!