تحقيق: انتصار تقلاوي 12يناير2022م
تحوّلت الشجرة التي أتت بها الدولة في العام 1967 لتكون لها فزعاً لتحسين الغطاء النباتي والحد من الزحف الصحراوي، الى طامة ووجع يؤرق مضاجع المزارعين بكل أنحاء شرق السودان خاصة كسلا، وتحتل أشجار المسكيت مساحة تتراوح ما بين (50-70%) من مساحة كل قسم بمشروع القاش الزراعي البالغة أقسامه (ستة) تفاتيش ويسبب الشروع في إزالتها هاجساً مادياً وزمنياً لإزالتها.
استشعرت الدولة خطورتها
بعد الانتشار المفرط لهذه الأشجار وتأثيرها السالب على الزراعة، بدأت الدولة في إيجاد حلول وسُبل لمكافحتها وإصدر القرار (159) من مجلس الوزراء حكومة السودان في عهد الإنقاذ بالقضاء على أشجار المسكيت وعلى ضوء القرار تم تكوين وحدة تمت تسميتها وحدة مقاومة واستبدال اشجار المسكيت، مكونة من وزارة الزراعة كجهة فنية والإرشاد الزراعي والإعلام والمناطق المُستهدفة مشروع القاش الزراعي ومشروع حلفا الزراعي.
نجحت الوحدة في الإزالة والتخلص من الأشجار بمشروع حلفا، وفشلت بمشروع القاش، نتيجة لتغييب الجهة الفنية المشرفة والتغول على الأموال المرصودة للازالة من قبل جهات نافذة بالدولة، ففسدت وتعدت على الأموال المخصصة للازالة والنتيجة او المحصلة صفر بالتخلص من المسكيت.
المدير العام لوزارة الانتاج والموارد الاقتصادية عبد القادر حاج علي تحدث لـ”الصيحة” عن نجاح الإزالة بمشروع حلفا والفشل بمشروع القاش، وقال إن مشروع القاش بدأ يفقد المزارعين نتيجة لانتشار شجرة المسكيت، وهجروا الزراعة بل زحفوا الى الخرطوم، وفي العام 2004 تم تكوين وحدة من وزارة الزراعة لمكافحة المسكيت بمشروع حلفا الزراعي، خلالها تمت إزالة (213) ألف فدان اصبحت خالية من المسكيت وحرق بذور وازالة جذور، أدت لنتائج ممتازة واعادة مساحات كثيرة للدورة الزراعية ووفرة المياه وتطهير قنوات الري، وتم وضع ضوابط ونظم، وأصدرت وحدة مكافحة المسكيت مرسوما وقانونا يحفز المزارع للمحافظة على الحواشة خالية من المسكيت بالإعفاء من الرسوم، ونجحت التجربة بمشروع حلفا واصبح خالياً من المسكيت، مما انعكس إيجابياً على الإنتاج.
وقال المدير العام لوزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية: بالنسبة لمشروع القاش، استحوذت الحكومة المحلية آنذاك وفي عهد الانقاذ تحديداً على الاموال المخصصة لإزالة المسكيت بمشروع القاش فغابت الشفافية والمصداقية وتم تغييب الوحدة الفنية المختصة بالإشراف والمتابعة بوزارة الزراعة وكانت المبالغ المرصودة اضعاف ما رصدت لمشروع حلفا واذا كان سعر ازالة الفدان آنذاك (365) جنيهاً، كان مبلغ كبيرا مقارنة بالسعر الطبيعي في المنطقة البستانية، فحدث فساد واضح وتم صرف مبالغ عالية جدًا باسم إزالة المسكيت من مشروع القاش والنتيجة صفر، وفشلت الولاية متمثلة في حكومة الانقاذ في نظافة القاش، في ظل غياب الاستراتيجية السليمة وتم الاستحواذ على المبالغ باسم المسكيت.
معاناة المشروع
ولفت حاج علي الانتباه الى أن المشروع بسبب المسكيت تسبب في تدمير وهجر ونهاية الاراضي الطيبة الصالحة ذات الخصوبة العالية، كذلك فقدنا الامل بإزالة المسكيت.
التأثير على المياه الجوفية
عبد القادر جاح علي تطرق الى موضوع غاية في الاهمية، فقال معروف بأن جذور شجرة المسكيت تصل الى اربعة امتار تحت سطح الارض ولديها شراهة عالية للمياه. مياه كسلا الجوفية كانت على بُعد (7) امتار فقط، الآن وبسبب تغول المسكيت على المياه الجوفية وقدرتها على امتصاص المياه وقوة جذورها الآن مياه كسلا على بُعد (65 ) مترا تحت سطح الارض، فكان الضرر الاقتصادي كبيرا اذ تمتص قرابة الـ70% وتسحب في اليوم الواحد وفق دراية ورصد ما يقارب الـ(8) جوالين مياه، منها (5) جوالين تتبخر بواسطة اوراق شجرة المسكيت و(2) يستفيد منهما النبات، واذا لم يتم تدارك هذه الاشجار فكسلا مبشرة بعطش ضارب في الجذور، عطش يضرب الانسان والحيوان والمراعي والمزارع وحتى الاحواض،
واشار حاج علي الى ان هذه الاشجار الآن اصبحت وكراً للجرائم والذبح الكيري والسكن العشوائي وقفل الطرق بين القرى والمدن بكسلا. كذلك هناك مشاكل بكسورات المياه فالأضرار بالغة من هذه الاشجار الآفة.
طيفور علي طيفور المدير التنفيذي لمحلية شمال الدلتا وقر قال ان انتشار اشجار المسكيت بمحلية شمال الدلتا وفي مشروع القاش على وجه الخصوص على امتداد مساحته بالتفاتيش الستة اصبح يعيق الزراعة وبذلت السلطات جهودا نجحت بمشروع حلفا الزراعي وفسدت واخفقت بمشروع القاش رغم الاموال الضخمة التي رُصدت للازالة، واشار الى ان الحل الآن في ظل عجز الحكومة عن الازالة وعدم وجود ميزانيات للازالة يكمن في توزيع اراضي القاش للحيازات للاشخاص تكون مسؤوليتهم نظافة المشروع وازالة البادرات وألا تتخذ الدولة إجراء بنزعه والغرامة، عندها سيتمكن المزارعون من المحافظة على مشاريعهم خالية من المسكيت، لان النظام القائم الآن بمشاريع القاش نظام حيازات غير مملوكة تنتقل كل موسم من منطقة لاخرى.
انهيار مشروع القاش الزراعي
كذلك نتيجة لانهيار مشروع القاش الزراعي، وجد المزارع نفسه بدلا من ابادة المسكيت، امام خيار تربية المسكيت بحرق حطبها وينتج عنه الفحم بهذه الطريقة غير المكلفة ولا يحتاج لري او مجهود، بالمقابل يحصل على فحم يساعد به نفسه في ظل الظروف الصعبة. فأصبح المواطن الذي كان معتادا على الزراعة لجأ للاستفادة من المسكيت كمورد اقتصادي.
عجز المزارعين
المزارع العوض محمد الذي يعول أسرة تتكون من أربعة أبناء منهم من في الجامعة، يقف مكتوف الأيدي وهو في حيرة من أمره لعجزه التام عن تحضير حواشته للموسم بسبب الانتشار الكثيف لشجرة المسكيت التي تتطلب إزالتها أموالاً طائلة تبدأ بتكلفة إيجار الآليات الكراكة، حيث تصل قيمة إيجارها لساعة واحدة قرابة الـ(50) الف جنيه.
المزارع كمال الدين وعليه علامات الحسرة من ضياع موسم الخريف وهو يحدثنا عن كيفية الاحتلال الغاشم لشجرة المسكيت لأرضه بالسواقي وعن حاجته لأموال كثيرة يعجز عن توفيرها.
وتنتشر شجرة المسكيت بعدد من مكاتب بمشاريع كسلا بالسواقي الجنوبية والشمالية وفي مساحات زراعية واسعة وفوق الترع، مما أعاق حركة انسياب المياه فضلاً عن ظهورها في الشوارع الرئيسية بين الترع والساقية حيث تصعب مكافحتها.
وخلال جولة قامت بها “الصيحة” بعدد من الأقسام ومقابلتها لعدد من المزارعين الذين وجّهوا أصابع الاتهام نحو إدارة المشروع، وألقوا عليها باللوم في كثافة انتشار هذه الشجرة التي أسهمت في خروج عدد كبير منهم من دائرة الإنتاج، وتعالت أصوات المزارعين وجأرت بالشكوى من عجزهم التام أمام هذه الشجرة التي وصفوها بـ(اللعينة).
ورصدت الصحيفة، أوضاعاً مأساوية يعيشها مزارعو كسلا من انتشار واسع لشجرة المسكيت واحتلالها لمساحات شاسعة من اراضي كسلا.