المَدَنِيّة ولَحظَة (الوَهَج الثّورِي)
*انفضّ سامر مُفاوضات المجلس العسكري وقُوى إعلان الحُرية والتّغيير أمس الأول، دُون أن يصلا إلى اتفاقٍ بشأن عُضوية المجلس السيادي، ولمن تكون الغَلَبَة ولمن تكون الرئاسة، بدا أنّ كل فريق متمترس عند موقفه، مُتمسِّك بوجهة نظره، العسكري يرى أن تكون الغَلَبَة له وكذا الرئاسة، بينما قُوى الحُرية والتّغيير ترى أن تكون الغَلَبَة لها، ويُمكن أن تقبل بأن تكون الرئاسة دورية مُناصفةً بين كليهما.
*يُؤسِّس العسكري موقفه على أنّه تنازُل ولم يستبق شيئاً، وأنّ قُوى الحُرية والتّغيير حازت مجلس الوزراء كله وثلثي المجلس التشريعي، وأنّ لها حق الشورى فيما يلي الثلث المُخَصّص للقُوى الأخرى، وأنه باعتباره شريكاً للقُوى الثورية، ولحرصه على مسؤوليته الأمنية والدفاعية، فإنّ ذلك هو الذي يدفعه لتولي الشأن السِّيادي لحماية الثورة وتأمينها، والوقوف في وجه ثورةٍ مُضَادةٍ تستهدفها، ودولة عميقةٍ تتربّص بها.
*قُوى الحُرية والتّغيير، ترى أنّ الشعب إنما ثار ليُؤسِّس لدولته المدنية، لا ليكرِّس سُلطة عسكرية، وأنّ القُبُول بالحُلُول الجزئية هو الذي يهزم الثورة ويجهض مُكتسباتها، وأنّ إصراره على مدنية السُّلطة، لتأكيد تناغُم مُستويات السُّلطة، وأنّ الثورة حَقّقَت أهدافها، وكذلك لأنّ الوجه العسكري وغلبته في مجلس السيادة، إنّما يبعث بإشارةٍ إلى أنّ الرمزية الدّالة رمزية انقلابية.
ومع أنّ قُوى إعلان الحُرية والتّغيير ظلّت تُؤكِّد مَرّةً بعد مَرّةٍ، أنّ السُّلطات المخولة لمجلس السيادة سُلطات رمزية، وأنّ الوثيقة الدستورية ضمنت عدم دُخُول سُلطةٍ على أُخرى وعدم جورها عليها، هذا ربما يطرح سُؤالاً إذا كانت سُلطات السيادة بهذه الرمزية التي يقولون بها، فَلِمَ الاشتجار حوله بهذه الحدّة والشدة؟ هل تخشى قُوى الحُرية أن يتمدّد العسكريون في سُلطاتهم، وهل يخافون أن يستمرئ العسكريون الحكم إذا مَا دَانَ الأمر لهم، وهل صحيحٌ أنّ في صلاحيات السيادة ما يُمكن أن يقف بوجه مجلس الوزراء ويُعَطِّل برامج، ويجهض تصحيحه، وإن صح هذا، هل هذه الروح المستريبة يُمكن أن تُؤسِّس لعلاقةٍ صحيةٍ بين المجلسين؟.
ونعود ونقول، إذا ما تبيّنت قوُى الحُرية أنّ صلاحيات السيادة مُتزايدة، أليس بالوسع مُجدّداً مُراجعة الاختصاصات والصلاحيات، أليس بالوسع الاتّفاق على مؤسّسة دستورية، يُمكن الرجوع إليها إن نشبت اشتجارات، وإن وقعت تداخُلات.
*قُوى الحُرية والتّغيير ترى أنّ الحاكمية للاعتصام، وأنّه هو من فوّضها ومن حملها الرسالة، ومن ثَمّ وَجَبَ عليها أن تعود إليه وأن تنزل عند حكمه، صَحيحٌ إنّ القاعدة باتت مُشبّعة بمدنية السُّلطة، وربما يصعب أن تتقبّل تنازُلات أو أن ترضى بتبديلات.
لكن على قُوى الحُرية أن تدرك مثلما قال الزميل الدكتور خالد التجاني، إنها أضاعت لحظة (الوهج الثوري)، وإنه كان بوسعها أول أيام الثورة أن تفرض خياراتها، وأن تطرح مدنيتها، بل وأن تُقيم سُلطتها، أما وأنها انتظرت لتدخل في مُفاوضاتٍ، ففي هذه الحالة، فإنّ المُفاوضات ربما لا تُوفّر لكل طرفٍ من الأطراف كل المطلوبات، ومن ثَمّ وَجَبَ مُراعاة مصالح شعبنا والتعجيل برفع المُعاناة عن أهلنا، على قُوى الحُرية قبل المُضي في التصعيد والتّوسُّل بالعصيان المدني والإضراب السِّياسي، إتاحة الفُرصة للوساطات ومن تنعقد عليهم الرجاءات.