الخرطوم: الطيب محمد خير 11يناير2022م
بَعد مُرور ثلاثة أعوام من الإطاحة بنظام الإسلاميين واختفائهم القسري في السجون أو الفرار الاختياري إلى المنفى، بدأ ظهورهم في الساحة السياسية بإعلان القيادي بحزب المؤتمر الوطني أمين حسن عمر، مشاركتهم في الانتخابات المقبلة كتيار إسلامي، وليس حزب المؤتمر الوطني، وقال لا يوجد قانون أو دستور أو قوة مادية تجبرنا للجوء إلى العمل السري، جازماً اكتساحهم الانتخابات، وقال: إذا انتقلوا من القانون والدستور إلى القوة المادية (الحشاش يملا شبكتو).
هنا يبرز مشهد سيناريو انتخابات عام (85) التي خاضها الإسلاميون باسم الجبهة الإسلامية بعد أن أنزلوا لافتة الإخوان المسلمين التي دخلوا من تحتها في مصالحة ومشاركة مع نظام مايو ليعودوا للدخول في مرحلة الديمقراطية الثالثة التي خاضوا انتخاباتها رغم إنهم سقطوا مع النظام، ليطيحوا بالديمقراطية بانقلابهم المشهود الذي سقطوا معه وخرجوا الى المشهد السياسي بنص دستوري صريح في الفترة الانتقالية، لكن يبدو من حديث أمين أن الإسلاميين قد تمكّنوا من امتصاص صدمة عزلهم وغياب قيادتهم في السجون والهروب الى الخارج، ونجحوا في إنزال لافتاتهم التي أسقطها الشعب السودان، وغيّروا جلدهم السياسي كما هو مَشهور عنهم طوال الحقب الماضية، وأخذوا يراهنون على العودة إلى الحياة من نافذة الانتخابات بعد ان يئسوا من الحراك الشعبي من أجل إحداث تغيير، والفشل في تحريك الشارع من خلال ما عُرف بالزحف الأخضر، ثم اللجوء لتكثيف إطلالة قياداتهم الهاربة من منافذ إعلامية، وهذا يؤكد قول أمين: نظريتنا أن لا ولاية لغائب أو مسجون، ونعمل بفقه أنّ القائد هو الذي يكون مباشرةً على رأس العمل، ومضى أمين في مغازلة الشعب السوداني من نافذة أنهم لا يحبذون العنف ويرفضونه بقوله: لن نلجأ إلى استخدام القوة المادية بالبلاد، ونفضل أن نكون في السجون بدلًا من أن نقود البلاد إلى تعانف يمزقها، وذهب أمين مقترحاً الحلول بضرورة إيجاد رؤية إصلاحية ووفاق واسع للعبور بالمرحلة البلد من الفوضى، ولم يَنسَ أمين في مغازلته أن يعرج على المؤسسة العسكرية بقوله: إنهم ليسوا ضد المؤسسة العسكرية، لكن ضد المكون العسكري، وزاد في مغازلته للقوى السياسية والشباب الذين يقودون الاحتجاجات التي ترفض شراكة العسكريين بنفيه وجود أي علاقة لهم بالمكون العسكري بقوله: من ظن أن لدينا محبة للمكون العسكري يكون أخطأ خطأً أبعد به النجعة عن الصواب.
بيئة خصبة
ويرى مراقبون أن بيئة خصبة قد تشكّلت لظهور الإسلاميين بالمشهد السياسي المُرتبك، وتنامي وتزايد المخاوف من الوضع السياسي المتدهور الذي يعصف بالفترة الانتقالية نتيجة فشل التنظيمات السياسية في إدارة المرحلة الانتقالية، واستيعاب تطلعات الشباب الذين يقودن الاحتجاجات التي دخلت منحىً غير مسبوق بسيناريوهات مرعبة تُثار حول مصير الديمقراطية في ظل المأزق الاقتصادي المُتردي في أجواء صعبة بتصاعد الدعوة إلى الاحتجاجات المجدولة في العاصمة والولايات التي بلغت بحد العنف وأخذها شكلاً أشبه بالعصيان المدني غير المُعلن بإيقاف العمل في مؤسسات الدولة.
شوكة الحرية
ورجّح الأمين السياسي لتحالف النهضة السوداني الأستاذ ادريس القيد، عودة الاسلاميين الى دائرة العمل السياسي اياً كان شكل الثوب والغطاء الذي تدثّروه للعودة، بأنه نتيجة حتمية لقرارات القائد العام للقوات المسلحة الفريق البرهان في (25) أكتوبر، التي كسرت شوكة الحرية والتغيير، وكذلك شوكة لجنة إزالة التمكين، اذ كانت الاخيرة أقوى وسيلة لقطع الطريق أمام عودة الإسلاميين للظهور في المشهد السياسي، وكنتيجة حتمية أن يخرج الإسلاميون ويعودوا للعمل السياسي دون خوف مما كان يتهدد وجودهم في الساحة بعد تعطيل لجنة التمكين المنوط بها سد المنافذ لعودت الإسلاميين وحلفائهم.
الوثيقة الدستورية
واسترجع القيد قائلاً خلال حديثه لـ(الصيحة)، لكن ان كانت الوثيقة الدستورية بنسختها الموقعة في (2019) ستسود وتحكم الفترة القادمة تصبح عملية عودة إسلاميي المؤتمر الوطني بهذه الطريقة في حاجة لفتوى دستورية، لأن الوثيقة الدستورية نصت على عدم مشاركة المؤتمر الوطني، أما إن كان العمل بالوثيقة الدستورية قد ألغى تباعاً لقرار القائد العام الفريق البرهان، الذي ألغى الشراكة مع المدنيين وفق الوثيقة الدستورية التي تمنع المؤتمر الوطني من المشاركة في العمل السياسي.
الصف الثالث
وأشار القيد إلى أن عودة المؤتمر الوطني تحت مسمى الإسلاميين كثوب فضاض هذه واحدة من الحيل التي ظل هؤلاء الإسلاميون اللجوء إليها في الحقب الماضية كما حدث إبان الديمقراطية الثالثة، والآن هم لجأوا الى ستار الإسلاميين عموماً، ولأن الذين شاركوا مع المؤتمر الوطني لم ينص على منعهم من المشاركة في الوثيقة الدستورية لكنهم مُنعوا بقوة الدولة ممثلة في لجنة إزالة التمكين، وأضاف: متوقعٌ أن يعود الاسلاميون باسم مختلف او في شكل تكتل، لأن الفكرة لا تموت، فقط تتبدل اللافتة ويرفع غيرها عبر الصف الثالث من شباب الإسلاميين، وهذا ما يراهن عليه أمين الآن بعد ان مهدت لهم قرارات (25) أكتوبر الطريق.
خوض الانتخابات
وعن مدى نجاح الإسلاميين خوض الانتخابات، قال القيد اذا مضت الامور بهذه السيناريوهات الماثلة الآن تكون عودتهم واردة، خاصة أن قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي التي كانت تُسيطر على كل مفاصل الدولة فشلت فى إبعاد الإسلاميين وسد المنافذ لعودتهم بقوة الدولة وروح الثورة طوال الفترة الماضية، فكيف يمكن إبعادهم الآن وهم خارج السلطة، ولم تعد لديهم الفاعلية في صنع القرار أي قحت، لذلك وارد أن يعود الإسلاميون بقيادات الصف الثالث التي لا تزال فاعلة ببعض المواقع في الدولة، بالتالي في ظل الربكة التي نشهدها من الصعب إبعاد الاسلاميين، وكان من السهل فعل ذلك بالشرعية الثورية إبان العامين الماضيين التي تحكمت فيها قوى الحرية والتغيير، والآن لا أعتقد من السهل تحييد الإسلاميين ويمكنهم العودة في أي لون كما معروفٌ عن أنهم يتّخذون لكل بيئة جلداً كما الحرباء.