منى أبوزيد تكتب : آن الأوان..!
11يناير2022م
“إصلاح نظام التعليم كان أساس النهضة في ماليزيا”.. مهاتير محمد..!
قبل سنوات مضت، حملت صحف الخرطوم خبراً مفاده أنّ اليابان تدعم التعليم الفني في السودان، لكن الخبر ـ على أهيمته النوعية ـ لم يجد حظه من العناية بين أخبار السياسة والاقتصاد وملفات التناحر والتفاوض. لكنه استوقفني حينها وبشدة وذلك لقناعتي بأنّ مُعظم كوارثنا الاقتصادية والسياسية ترجع في معانيها ومبانيها إلى إخفاقات نظام التعليم في هذا السودان..!
وقد كتبت في حينه مقالاً عن موضوع الخبر، لأن موضوعه كان في تقديري مهماً ولا يزال. فالدول في نهضتها تحتاج التعليم الفني والتقني الذي توفره ـ في السودان ـ الكليات والمعاهد التي يتخرّج فيها الطلبة بشهادات “دبلوم” بعد أن دخلوها – مُكرهين لا أبطال – بسبب عدم قبولهم في كليات ومدراس البكالوريوس..!
والحقيقة أن الفتوحات الأكاديمية ما عادت مرادفاً شرطياً للحكم على ثقافة الفرد ونضجه الفكري ووعيه الاجتماعي، كما كان الحال قبل عقود من الزمان. في مُعظم دول العالم المتقدمة انتهت العلاقة الطردية بين تقدير المجتمع لنجاح الفرد ومستوى الدرجة العلمية التي يتمكّن من الحصول عليها، ثم ولدت علاقة طردية جديدة بين تقدير المُجتمع للفرد ومدى توفيقه في توظيف تخصُّصه الأكاديمي – أيّاً كانت درجته وأيّاً كان نوعه – لإنجاح حياته المهنية..!
في ما يلي واقعنا المحلي الراهن، أعتقد أن الوقت قد حان لنعيد النظر في أمر تلك العلاقة الطردية العقيمة بين تقدير مُجتمعنا للفرد وبين نوعية تخصُّصه الأكاديمي “طب.. هندسة.. أسنان.. صيدلة وذلك أضعف الإيمان”..!
هنالك الكثير من أبناء جيلنا دفعوا أثماناً باهظة لفشل آبائهم في الالتحاق بكليات الطب أو الهندسة، فألزموهم بتحقيق أحلامهم الخاصة بلا مراعاة موضوعية لإمكاناتهم وميولهم الأكاديمية. فشقى بعضهم بدراسة لا يجد فيها ذاته، وشقى البعض الآخر بانضمامه – لاحقاً – إلى صفوف العاطلين..!
في أعقاب ثورة ديسمبر، وقفت بلادنا على أعتاب منعطف تنموي، استثماري، “حاد”، و”جاد”، يحتاج أن تعد له الدولة عدّتها الاستراتيجية، وأن تحشد له إمكاناتها البشرية المحلية. في هذا المُنعطف التنموي تبرز الحاجة الشديدة إلى تخصُّصات علمية ومهنية بعينها، وتشتد الحاجة إلى التطوير الجاد والسريع لمراكز التدريب المهني..!
نحن نحتاج إلى أن نعيد تفصيل “باترون” الكليات والمعاهد العلمية على مقاسات حاجة البلاد إلى التنمية والتطوير، نحتاج إلى مُوازنة جادة بين عروض الخريجين العاطلين وطلب الدولة وحاجتها لمُؤهِّلات بعينها، نحتاج إلى أن نُعيد تشكيل خارطة الوعي الاجتماعي بأهمية وقيمة التخصُّصات المهنية التي طال تهميش دورها، وبالقيمة الحقيقية لشهادات “الدبلوم” الفني والتقني..!
سؤال بسيط: ما الذي يدعو ذلك الكم الهائل من الشباب إلى الاستماتة في الحصول على شهادة “بكالوريوس” – في تخصص خامل – تؤهلهم للوقوف طويلاً في صفوف العاطلين، إذا قامت الدولة بتشجيعهم على الاكتفاء بشهادات “دبلوم” جيدة في تخصُّصات مهنية ذات وظائف مستقبلية مواكبة، تضمن لهم الدولة استمرار احتياجها لها في مسيرتها التنموية العشرينية القادمة على الأقل..؟!
مُؤكّد أنّها ستُوفِّر بذلك وظائف لمئات العاطلين، وتُوفِّر على نفسها وعلينا سنوات كثيرة من الوقوف في “صف” التنمية المُستدامة..!