رصد : المحررة الثقافية
انعقدت الإثنين الماضي بقاعة الشارقة ندوة معهد بروفيسور عبد الله الطيب للغة العربية بجامعة الخرطوم والتي ترعاها شركة زين للهاتف السيار وتأتي الندوة بعنوان ” الاختيار في الشعر السوداني” والتي قدمها الناقد د. أحمد البدوي.
السودان .. مركز ثقافي
طوّف د. أحمد البدوي على حواضر الإشعاع والمراكز الثقافية في بلاد العرب ممثلة في نجد في العصر الجاهلي، والمراكز الثقافية في عصور الإسلام في البصرة والكوفة وفي الأندلس، مشيراً إلى المركزية الثقافية للقاهرة في القرن العشرين ، ورأى د. البدوي أن المركز الثقافي العربي الآن انتقل إلى السودان بموقعه المتميز وتفاعله مع العالم ورمزية السودان باعتباره همزة وصل بين الإفريقية والعربية .
مختارات سعد ميخائيل
ذكر د. أحمد البدوي اختيارات سعد ميخائيل للشعر السوداني عام 1923 ، وفي كتابه اختار قصيدتين راجتا بعد ذلك في كل اختيارات الشعر السوداني أولاهما للشيخ فرح ود تكتوك في عصر السلطنة الزرقاء وثانيهما تائية الشيخ محمد عمر البنا يحض الإمام محمد أحمد المهدي مفجر الثورة المهدية على فتح الخرطوم ليستجيب الإمام الثائر لنداء الشاعر ويحرر الخرطوم في السادس والعشرين من يناير عام 1885:
الحرب صبر واللقاء ثبات
والموت في شأن الآله ثبات
شعراء الأقباط
وذكر د. البدوي أن شعراء الأقباط السودانيين أعلى كعباً في الشعر العربي من رصفائهم من شعراء القبط المصريين وخص من شعراء الأقباط السودانيين عزيز أنداروس وصالح بطرس – الشاعر القبطي المسيحي- الذي حيا ذكرى الهجرة الشريفة في رائيته “طوق الهلال ” .
اختيارات المنهج المدرسي
وأبان د. البدوي الأثر الحسن الذي أدته اختيارات المنهج المدرسي في التربية السودانية وفي التذوق الفني مثل اختيارات كتب المطالعة والأدب في المرحلة الأولية سابقاً مثل “معزتي أليفة ” للشاعر عباس العبيد ومثل قصيدة “تبلدية ” للشاعر جعفر محمد عثمان في المنهج المدرسي بالمرحلة الثانوية في مقررات الماضي .
شعر الفكاهة والقومية السودانية
وأشار د. البدوي إلى نماذج من شعر الفكاهة في ديوان الشعر السوداني ومن بين أمثلته الحالية شعر خليل عجب الدور، وقد كان بروفيسور عبد الله الطيب أول من نبه إلى فنه، كما كتب عنه محمد محمد علي في جريدة الصراحة في عددها الصادر بتاريخ الثامن من مايو عام 1956 معرفاً به فقد طلب خليل عجب الدور العلم بمعهد أم درمان العلمي سنوات وكان يقيم بمنزل الشاعر عبد الله البنا، وقد تتبع خليل الشاعر كالغريم مظاهر الحياة السودانية فوصف “السيرة ” وبيت المآتم وبيت الرقص والزراعة والزراع ومناظر البادية وأحياء العرب ومنازلهم والنساء في أكثر بقاع السودان ومن جميل شعره الفكاهة :
ولقمة من دقيق الدخن دافئة
ألذ في الطعم من قراصة الفيني
صنعتها بيدي في الصباح لينة
كأنما صنعت في دوكة الطين
مطربون أحسنوا الاختيار
وأمتن د. أحمد البدوي بالفضل لكوكبة من كبار المطربين السودانيين ممن ارتقوا بالذائقة الفنية لجمهور الفن العريض ، وعزا ذلك لحسن اختياراتهم لنصوصهم المؤداة من ديوان الشعر السوداني الفصيح ممثلاً بالكاشف الذي تغنى بنص “سلوا قلبي” لصادق عبد الله عبد الماجد، والعاقب محمد حسن في أغنية “شكوى ” من كلمات مهدي محمد سعيد، وسيد خليفة في أغنية “إنشودة الجن” و”غيرة ” لإدريس جماع وعبد الكريم الكابلي في باقة من أغنياته الفصيحات من كلمات شعراء سودانيين مثل “عهد جيرون “للعباسي و”شاعر الوجدان والأشجان ” لجماع ،و”ضنين الوعد “لصديق مدثر و”إني اعتذر ” للحسين الحسن ، و” كسلا” لتوفيق صالح جبريل و”المولد “للمجذوب و”آسيا وأفريقيا “لتاج السر الحسن و”جمال العربي” لأبي آمنة حامد و” هبت الخرطوم في جنح الدجى ” لعبد المجيد حاج الأمين و”ماذا يكون ؟” لحسن عباس صبحي و”معزوفة لدرويش متجول” لمحمد الفيتوري.
وقدم البدوي مثالاً على ارتقاء الشعر بالذائقة الفنية للجمهور بقصائد عالية القيمة الفنية من طراز “مريا ” التي صاغ كلماتها الشاعر صلاح أحمد إبراهيم وأداها المطرب حمد الريح ،و”سال من شعرها الذهب “لأبي آمنة حامد والتي أداها صلاح بن البادية و”مادولينا “للشاعر محمد سعد دياب والتي أداها المطرب النور الجيلاني.
شعر الهتاف
وانتقد د. البدوي شعر الهتاف في بعض أدبيات اليمين واليسار لتقريريته ومجانبته الفن ، مع ما في معسكر اليسار من شعراء متميزين أمثال جيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن وعلي عبد القيوم “أي المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها “، ومع ما في تيار الإسلاميين من أصوات رصينة مثل صوت الشاعر د. بابكر البدوي دشين.
الخمريات والشعر الحسيّ
ونبه د. أحمد البدوي في ندوته عن الاختيار في الشعر السوداني إلى القيمة الفنية والجمالية في خمريات الشعر السوداني وفي شعر الرفث منه فهو يصور لحظات حميمية تعبر عن تجارب شعرية صادقة عاشها شعراؤها في الحياة، ومع حرصنا على الشعور الأخلاقي وعلى تمثل القيم السامية، إلا أن التحلي بالأمانة العلمية يقتضي من دارسي تلك الخمريات ونماذج الشعر الساخن روايتها كما هي في أروقة البحث العلمي مما يقتضيه السياق .