دمج قُوّات الحركات.. بداية تنفيذ الترتيبات الأمنيّة
تقرير: صلاح مختار 9يناير2022م
“أن تأتي أخيراً خيرٌ من ألّا تأتي” ربما ينطبق هذا المثل على تحرك قطار الترتيبات الأمنية الموقعة مع حركات الكفاح المسلح في جوبا, الذي بات هاجساً يؤرق مضاجعها, وظلت الحركات في انتظار صافرته بعد أن توقّف القطار في محطة مُشاركة الحركات في الحكومة الانتقالية, وباتت عملية الترتيبات الأمنية متوقفة لأسباب متعددة.
ولأن القضية ليست في المشاركة السياسية, فإن الترتيبات الأمنية تظل الأهم والأخطر لاستمرار العمل باتفاق سلام جوبا.
ولعل إعلان نائب رئيس هيئة الأركان عمليات الفريق خالد الشامي, عن بدء تنفيذ بند الترتيبات الامنية التي نصت عليها اتفاقية جوبا للسلام اعتباراً من الخميس بمعسكر “جديد السيل” للتدريب العسكري بالفاشر لـ(٣٣٠٠) عنصر من قوات الحركات والقوات النظامية, خطوة متقدمة ومؤشر إيجابي لتنفيذ اتفاق السلام, واكد الشامي في مؤتمر صحفي بالفاشر أن المرحلة الأولى ستبدأ بتدريب وتشكيل القوة الأمنية المُشتركة ذات المهام الخاصة بدارفور. وأوضح انه وبعد الانتهاء من العمل في انشاء هذه القوة, سيبدأ العمل في تشكيل قوة حماية المدنيين التي تتألّف من (١٢) ألف عنصر من القوات النظامية وقوات أطراف العملية السلمية.
من جانبه, رحب والي شمال دارفور نمر محمد عبد الرحمن بإعلان وزارة الدفاع, عن بدء العمل في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية بدارفور انطلاقاً من تشكيل القوة الأمنية المشتركة ذات المهام الخاصة بدارفور.
نص الاتفاق
بروتوكول الترتيبات الأمنية الموقع في جوبا في 6-10-2020 نصّ على تشكيل قوات مشتركة تحت اسم القوى الوطنية لاستدامة السلام في دارفور، مهمتها حفظ الأمن وحماية المدنيين ونزع السلاح في الإقليم، على أن تتكوّن هذه القوى من الجيش والشرطة والدعم السريع وقوات من حركات الكفاح المسلح. ونصّ الاتفاق على حصول تلك القوات المشتركة على دعم لوجستي وتسهيلات من بعثة حفظ السلام الدولية، بما في ذلك استخدام طائراتها لتنفيذ مُهمّتها، وكذلك تتولّى البعثة الدولية مُهمّة مُراقبة عمل تلك القوات. كما نصّ اتفاق الترتيبات الأمنية على إعادة دمج قوات الحركات المسلحة وتسريحها تدريجياً، وفي فترة 39 شهراً، تُقسم على ثلاث مراحل؛ 12 شهراً و14 شهراً و13 شهراً. وأكد اتفاق الترتيبات الأمنية على معاملة شهداء الحركات المسلحة خلال فترة الحرب في دارفور، أسوة بشهداء الجيش السوداني، كما نصّ على تشكيل لجنة خاصة لمتابعة ملف أسرى الحركات المسلحة ومفقوديها، وإجراء المحاسبات القانونية حال ثبوت تصفية المفقودين وعدم معاملهم كأسرى حرب، وكذلك تم الاتفاق على معالجة جرحى الحركات المسلحة في دارفور ورعايتهم. وحول هيكلة القوات المسلحة، اتفقت الأطراف على إجراء إصلاحات تدريجية في تلك القوات، بما يضمن تمثيل كل الأقاليم، وخاصة المهمشة، وفي كل الرُّتب بما في ذلك العليا منها. كما نص الاتفاق على عقيدة عسكرية جديدة.
تضخيم القوات
ولا يختلف بروتوكول الترتيبات الأمنية في مسار دارفور عن بروتوكول مماثل تم التوصُّل إليه بين الحكومة و(الحركة الشعبية قطاع الشمال) فصيل مالك عقار، حيث نصّ الاتفاق أيضاً على تشكيل قوات وطنية مُشتركة لحفظ السلام في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق. وسبق أن حذرت 5 من الحركات الدارفورية الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة السودانية في جوبا ان عدم تنفيذ بنود الترتيبات الأمنية يهدد بنسف العملية السلمية ويُعيد البلاد إلى مربع الحرب من جديد.
وفي الجانب الآخر، أشار مُراقبون إلى وجود ثغرات كبيرة في اتفاق الترتيبات الأمنية, وحمّلوا الحركات المسلحة مسؤولية عدم تنفيذ بنود الاتفاق, متهمين إياها بمحاولة (تضخيم قواتها) من خلال التحشيد والتجنيد وبيع الرتب وإرباك المشهد الأمني من خلال إدخال وحدات مُسلحة تابعة لها في مناطق مدنية حسّاسة في قلب العاصمة الخرطوم.
اهتمامٌ وإهمالٌ
التوقيع على البروتوكول الخاص بالترتيبات الأمنية، يُعتبر آخر ملفات التفاوض, يرى البعض من الضروري أن يبدأ به تنفيذ اتفاق السلام لأهميته السياسية والأمنية.
ويرى المختص في الشؤون العسكرية د. أبو بكر آدم في حديثه لـ(الصيحة) ان اسباب تأخير تنفيذ بروتوكول الترتيبات الامنية يرجع الى عدة اسباب, منها ان الحركات اهتمت بالجانب السياسي واهملت الجانب العسكري دون ان ترتب لها مسبقاً, حيث شاهدنا ان الحركات بعد التوقيع على البروتوكول بدأت في اعادة ترتيب وجمع وحصر قواتها وكأنما لم تكن مستعدة لتلك الخطوة. واضاف ان الترتيبات العسكرية والامنية وُجِهت بمشكلة التمويل من قبل الدولة والمانحين وهو السبب الذي حذّرت منه الحركات قبل التوقيع بأن المال سيكون القشة التي سوف تقصم ظهر البعير اذا لم يتم الاستعداد له وتجهيز المكونات المادية حتى يتم البدء الفوري لعملية الترتيبات, ورأي أن الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد ساعدت أيضاً في تباطؤ إنفاذ البروتوكول, بجانب ذلك هنالك خلافات بدأت داخل الحركات مما تسببت في تأخير النظر في جمع القوات, وأكد أن عملية الترتيبات الأمنية مرهونة بإيجاد التمويل الكافي من الجهات المانحة. وسبق أن وقعت الحكومة وحركات الكفاح المسلح بمسار دارفور على سبعة بروتوكولات خاصة بحل النزاع في الإقليم، تشمل تقسيم الثروة والسلطة وقضية الأرض والحواكير، والعدالة الانتقالية، والتعويضات وجبر الضرر، وبروتوكول تنمية قطاع الرُّحّل والرعاة، ومُعالجة ملف النازحين واللاجئين. وأعرب آدم عن أمله بأن تكون بداية الترتيبات الأمنية لفصيل من الحركات, خطوة مهمة يجب أن تستمر حتى إكمال إدماج كافة قوات الحركات المسلحة.
الضامن الرئيسي
بند الترتيبات الأمنية طبقاً لرؤية مصدر امني فضّل حجب اسمه, الآن في وضع شبه مُجمّد، على الرغم من أنه يعتبر الضامن الرئيسي لاتفاق سلام جوبا، إذ لم يتحقق فيه أيِّ تقدُّم حتى على مُستوى إصلاح الآليات التي اتفق على إعادة هيكلتها، مثل مفوضية إعادة الدمج، ما يعني أن هناك خللاً كبيراً في مسيرة السلام.
وقال المصدر لـ(الصيحة), إن الوضع الأمني المُضطرب في معظم أنحاء البلاد، يستدعي ضرورة التعجيل في تنفيذ الترتيبات الأمنية من خلال إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية، وبناء جيش قومي موحد. وشدد على ضرورة إيجاد حل لمعضلة التمويل، أوضح أنّ الحكومة الانتقالية، لم تقدم حتى الآن أي مبالغ مما هو منصوص عليه ضمن استحقاقات السلام، لذلك فإنّ الحركات الموقعة، ما زالت تتكفّل بالصرف على قواتها التي وصلت إلى الخرطوم بموجب الاتفاق, بالتالي إعلان بدء الترتيبات الامنية لبعض القوات, فإنها خطوة في الاتجاه الصحيح, حيث تأخر كثيراً تنفيذ مراحل الدمج والتسريح للقوات.
عظم الظهر
وقال الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال (جناح مالك عقار) بدر الدين موسى في تصريح صحفي, إن اتفاق الترتيبات الأمنية يمثل (عظم الظهر) لأيِّ اتفاق سلام، بهدف طي صفحة الحرب وتحقيق الاستقرار، ورأي ان عدم تحرك ملف الترتيبات الأمنية (قيد أنملة)، منذ توقيع الاتفاق قبل سبعة أشهر ولو بنسبة واحد في المئة، (أَمْرٌ مُزعجٌ ويدعو إلى القلق والحيرة) , وأضاف (مهما كانت الأسباب والمبررات والحجج، لكنها تبدو كلها غير مُقنعة على الإطلاق), وتمنى موسى أن يكون بيان قادة حركات مسار دارفور الذي صدر في السابق، بمثابة جرس إنذار وتنبيه لتحريك جمود ملف الترتيبات الأمنية خُصُوصاً وأنّ اتفاق جوبا لسلام السودان بأكمله يعتمد على استكمالها.