الخرطوم وأسمرا … تواصل بأمر الثورة
الخرطوم: مريم أبشر
على نحو كان متوقعاً بعد زوال نظام الإنقاذ البائد، وبعد قطيعة امتدت سنوات وتوتر شاب معظم سني الإنقاذ، بعث الرئيس الإرتري أسياس أفورقي وزير خارجيته السفير عثمان صالح مبعوثًا رئاسياً من قبله فى زيارة خاصة للخرطوم تمتد لأيام استهلها بُعيد وصوله مساء السبت الماضي بلقاء رئيس المجلس العسكري الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بالقصر الجمهوري، ولقاء آخر بنائبه الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو حميدتي، وصفه صالح بأنه كان بناء ومثمراً تم خلاله التباحث حول العلاقات الثنائية بين الخرطوم وأسمرا والسلام في منطقة القرن الأفريقى وعبرت أسمرا عن أملها في أن تفضي عملية التغيير بالسودان إلى توطيد العلاقات بين بلاده والسودان وتحقيق مصالح الشعبين، وقال إن الزيارة تأتي في إطار رغبة أسمرا الاطلاع على تطورات الأوضاع بالسودان، وسير عمليات التفاوض بين العسكري وقوى التغيير وما يمكن أن يفضي إليها من سلام واستقرار ولم يغفل اللقاء التطرق لملف مهم لكلا الدولتين، وهو اتفاق السلام بين أسمرا وأديس أبابا الجارتين الأقرب للسودان والصومال بما يدفع بعجلة التعاون بين البلدان الثلاثة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وأبدى حميدتي خلال اللقاء الذي جرى بينه ومبعوث أسياس شكره لاهتمام القيادة الإرترية بقضايا السودان وأكد على أهمية التعاون المشترك بين البلدين إقليمياً ودوليًا ولم يخف المبعوث الإرتري في لقائه بحميدتى تضامن بلاده مع الثورة السودانية وإشادته بالدور الكبير الذي قام به المجلس في الانحياز لمطالب الشعب وأبدى ارتياحاً للروح الطيبة التي تجري حالياً بين المجلس وقوى إعلان الحرية والتغيير لنقل السلطة المدنية وعبر عن أمنياته في أن تعبر المفاوضات بالسودان لمرحلة جديدة تقوم على السلمية والديمقراطية.
أسمرا مفصلية:
رغم صغر حجمها إلا أنها توصف بالدولة الهامة من الناحية الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي ككل وبالنسبة للسودان على وجه الخصوص، وكان وفقاً للمحلل السياسي الأستاذ عبد الله آدم خاطر من المؤمل حدوث تكامل بين السودان وارتريا، إلا أن النظام العقائدي في السودان إبان حقبة الإنقاذ حال دون ذلك، بل على العكس من ذلك خلق نوعا من النزاع بينه والجارة إرتريا ساهم في توتر المنطقة، وأثر على العملية السلمية في السودان في فترات كثيرة مع وجود بعض الحركات المسلحة هناك.
ويرى خاطر أن السودان لم يستفد من الموقع الجيواستراتجيى لإرتريا طوال الفترة الماضية، غير أن الآن هنالك واقع جديد، بعد الإطاحة بحكومة الإنقاذ خاصة فيما يلي التعاون لتحقيق السلام في المنطقة.
ويشير خاطر في حديثه (للصيحة) بأن أسمرا يمكن أن تساهم مساهمة واسعة في تحقيق علاقات مصلحة مشتركة دول تحالف القرن الأفريقي، خاصة وأن هنالك اتفاق تعاون بينها وأديس أبابا ومقديشو، فضلاً عن العلاقات الجيدة التى تربط إرتريا بتشاد، حيث لم يتبق من دول القرن غير جيبوتى ولم يستبعد خاطر إسهامها مع دول القرن الأفريقى في تحقيق تقارب وتعاون بين الدول الأفريقية والعربية خاصة في مجال التنمية.
تحرك واقعي:
أما السفير والخبير الدبلوماسي الدكتور علي يوسف، يعتقد أن الأصل في العلاقات بين الخرطوم وأسمرا هو أن تكون العلاقات بينهما مميزة، غير أن قدراً من التوتّر شاب العلاقات خاصة في سني الإنقاذ الأخيرة، وأشار إلى أن أرتريا لعبت دوراً كبيراً في سلام الشرق وشهدت التوقيع على اتفاق للسلام في أسمرا وظلت هي الراعية له فضلاً عن أن البلدين تربطهما علاقات انتماء شعبوي وتداخل قبلي في مناطق الشرق.
ويعتقد السفير يوسف أن زيارة وزير الخارجية الإرترى التي ابتدرها أمس مبعوثاً من الرئيس اسياس أفورقي منطقية وعملية، لجهة أن الجانب الإرتري كان قد وضع حشوداً عسكرية على حدوده مع السودان، الأمر الذي دفع الاخير لقفل حدوده، وبالتالى حال دون تدفق المواد لأسمرا مما أدى لمزيد من التوتر والتصعيد.
ويعتقد يوسف أن التحرك الإرتري الراهن في ظل واقع جديد في السودان تحرك إيجابي مطلوب ومرحب به، لأن تطور العلاقات بشكل إيجابي بين البلدين يصب في مصلحة الإقليم، ويلعب دوراً أساسياً في إزالة التوتر بين دوله، ويتفق السفير يوسف مع الأستاذ خاطر في أن تشكيل تكتل في منطقة القرن الأفريقي بعد انضمام جيبوتي سيكون مثلاً يحتذى في العمل المشترك. ويرى أن أسمرا بعد إرسال وزير خارجيتها أبدت حسن نواياها، وهي خطوة هامة يمكن أن يبني عليها النظام الجديد في السودان لعلاقات استراتيجية جديدة راسخة ومستمرة تقوم على المصالح مع الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لأسمرا للعمل معاً من أجل خلق واقع جديد في منطقة القرن الأفريقي.
فلاش باك:
المعروف أنه ومنذ استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993، ظلت العلاقات متأرجحة بين الخرطوم وأسمرا، ما بين التوتر حيناً والتحسن في أحيان قليلة، وذلك بسبب الحدود ووجود الحركات المسلحة، وقضايا أخرى. وبعد فترة من الهدوء تجددت الاتهامات في السنوات الأخيرة للعهد البائد، وخيمت أجواء الحرب في ظل حديث عن نشر قوات على الحدود. واتهمت الخرطوم أسمرا وقتها باحتضان الحركات المسلحة، بعد أن اتهم أفورقي النظام فى الخرطوم بدعم جماعات إسلامية إرترية. ونشرت الخرطوم حسب خبر منسوب لوكالة السودان للأنباء حينها تعزيزات عسكرية من قوات الجيش والدعم السريع على الحدود، في إطار ما وصف بالاستنفار والجاهزية لتأمين الحدود، وذلك بعد الإعلان عن تهديدات محتملة من قبل مصر وإريتريا مع قفل الحدود، واعتبر أفورقي وقتها ما نسب لبلاده ومصر بنشر تعزيزات بأنه مجرد فبركات. ووفق مراقبين، فإن قفل الحدود عجل بإرتريا في أن تصلح علاقاتها مع أثيوبيا، بل المضي بعيداً في فتح أبواب العلاقات مع الداعمين الكبار ممثلين في المملكة العربية السعودية والأمارات. ولم تفلح الجهود التي قادها مساعدا الرئيس المخلوع موسى محمد أحمد وفيصل حسن إبراهيم في أواخر أيامه في رتق العلاقات والجمع بين أفورقى والرئيس المخلوع لتذويب الخلافات واللحاق بالتطورات والتحالفات المتسارعة في منطقة القرن الأفريقي. وفى خطوة تنبئ عن حجم هوة الخلاف بين أسمرا ونظام الإنقاذ البائد فقد فوجئت الخرطوم بإلغاء زيارة كان قد أعلن عنها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي وهو في طريقه لجوبا لتكتشف أن أبي أحمد كان في معيته الرئيس الارتري أسياس أفورقي، الأمر الذي يشير إلى حجم الخلاف بين أسمرا ونظام الإنقاذ في آخر أيامه حيث أشارت المصادر وقتها أن أفورقي رفض التوقف بمطار الخرطوم.