علي مهدي يكتب : اليوم العربي للمسرح العاشر من يناير، عيد الأعياد .. المسرح قلب المدينة النابض
8يناير2022م
(المسرح قلب المدينة النابض، المسرح ميدان رائع للتعبير عمّا تزخر به الحياة الاجتماعية؛ من أذواق العصر والأفكار والطموحات الجديدة).
صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح ATI
الحياة مسرح.. المسرح حياة
عدت يا سادتي ذاك النهار كله للمدينة التي أحب (الشارقة)، مركز الفنون والمبادرات الخلاقة لبناء الإنسان، والعيش المشترك المُمكن عبر الإبداع، من لدن سيدي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة والرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح ATI.
ما كنت فيها الإمارات إلا وكانت لي فيها وقفة وأخريات، وكانت دومًا في خواطري، وأنا بعيدا عنها، يوم أمر من شرق المدينة الأحب الخرطوم – بالقدر المُستطاع – لغربها، أعبر مبتدأً الجامعة العتيقة، مبانيها الفريدة، تزين الكون من عند تواريخ ابعد، لكنها عندي والكثيرون من أبناء البقعة المباركة أم درمان، إنها الخرطوم، مدينة مصنوعة من حجر وأنوار ودروب أكبر من شوارعنا القديمة، تتسع، مصنوعة، ومرسومة على تربيعات بطولها وعرضها، تحاكي علما قديما، (العام الإنجليزي). كان بيت مهدي القديم، ومركز مهدي للفنون في احد أركانها الجنوب شرقية، ومكتبي اول مرة في (دائرة المهدي) غربها، خلف جامعة الخرطوم، وقاعة الشارقة في جامعة الخرطوم، مركز الفكر والثقافة والفنون، وتلك حكاية أجمل، لما فيها من التفاصيل، ما يفرح ويجدد الفرح.
ومدينتي الأحب ام درمان ، نغني لها ، افتتانٌ وعشقٌ قديمٌ متجددٌ، لا مصنوعة، ولا مشى فيها ومشاهدها غير تواريخ مجيدة للحكاية الوطنية، وللشعر الوطني، والمسرح الوطني، بفنون الأداء المتعددة المتنوعة الوطنية. عشق قديم وحب يتجدّد، تلمح مظاهرة بالطريق (الشاقية الترام) من (علايل أب روف لي المغالق).
لكنها الخرطوم، من عند قاعة الشارقة، تهدي للزي أجمل بحُسن النتائج، فمنذ التأسيس وإعلانها قاعة للحوار المستنير، وهي تعطي بلا حدود، فكرًا مستنيراً، وتستضيف الأنشطة الثقافية المتعددة. وعادت لجامعة الخرطوم أدوارها القديمة، بعد انتهاء عهد العروض الفنية في قاعة الامتحانات الكبرى وسط الجامعة، شهدنا فيها عروض الموسيقى العالمية، والاعمال المسرحية الاولى، لما عرف بعدها بالمسرح الجامعي، ساهم في بناء المشهد المسرحي الوطني، وتلك حكاية أخرى.
ثم قامت قاعة الشارقة في موقعها الحالي، تتوسّط مباني الجامعة العتيقة، تصميم وهندسة معمارية راقية، راعت اتساق المنظر العام، هدية من شيخ الفكر والمعارف والعلوم، سلطان فنون الإنسان الذاريات بالخير كله، ما استطاع إليه سبيلاً، هدية مقبولة ومثمرة، ولها ما بعدها، تفتح أبواب المدينة للفكر والفنون، والآن للحوارات الوطنية، لعلها تفضي للنتائج المرجوة في أزمان بالغة التعقيد، تتوسّط نادي أساتذة جامعة الخرطوم، منه خرجت المُبادرات الخلاقة، فكرًا مُستنيرًا، وسياسات صنعت تغييرات، لو اتّصلت لكنا في غير ما نحن عليه الآن. وجانبها الغربي معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، ثم متحف التاريخ الطبيعي.
تلك القاعة (الشارقة)، وذاك المكان في التواريخ الأحدث للعلوم والمعارف والثقافة وبناء المجتمعات، خرجت منه الأفكار المنيرة، تمشي بها الآن بالقدر المُستطاع في مجالات الوعي المفيد، ما يجعلني كل ما مررت بها قاعة (الشارقة) انحني لها احتراماً وتقدير، واعترافاً بفضلها على مشهد الفكر والفنون الوطنية.
قبل سنوات، وفي الباحة الكُبرى فيها، قدّمت عرضاً للفرجة (بين سنار وعيذاب)، بعد عودتنا من جولتنا الكُبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذاك عرضها الوطني الخامس والثلاثين، بعد عروض دارفور الكبرى، والمسرح القومي، والمتحف القومي. جئنا نحتفي في المسرح الوطني – مسرح البقعة، بالميلاد الثاني لاتحاد الكُتّاب السودانيين، والشارقة القاعة الفسيحة تحتفي وتضئ أنوارها وتفتح قاعاتها لتنوُّع البرامج، كما قلنا يومها الميلاد الثاني، وقد كان الميلاد الأول غير بعيدٍ منها، شرقها تماماً، في حديقة نادي أساتذة جامعة الخرطوم، قبل اكثر من ثلاثة عقود، يوم انتخبنا السفير والاديب الراحل جمال محمد احمد رئيسًا. وفيها التقى الجمهور عرضنا الجامع، اولى تطبيقاتي على مشروعنا الفكري (التكوين تجليات الاحتفالية العربية الافريقية) بنيت التصاوير فيه، بعض من الرواية الأم (حصان البياحة) لمؤسس الاحتفالية العربية الأفريقية، الدكتور الشاعر يوسف عيدابي. وكنا قد انتخبنا صباحاً قبل العرض وفي ختام المؤتمر العالم الجليل الأستاذ الدكتور يوسف فضل، رئيساً للاتحاد، وهو الجامع للتواريخ المجيدة، ومن عنده تزين العرض فرجة (بين سنار وعيذاب) ببعض حكايات قديمة، من تحقيقه الأهم لكتاب (طبقات ود ضيف الله).
والقاعة الأشهر باسمها ونتائجها الاكمل في دعم الفكر والثقافة والفنون الادائية، قاعة (الشارقة) شاهد على تلك التصاريف لتكون هي الماعون ، يحتوي ويجمع الفكرة والتواريخ ، والعرض قائم على قولنا المشترك (تعدد الثقافات وتنوع الفنون السودانية) مدخلنا لحاضر بعيد عنها النزاعات، ففي كل مروري بها، او وقفتي ودخولي، شهودي على ادوارها المتعاظمة على مدى عقود مضت واعتزاز يتصل ، فما الفكر والثقافة إلا مواعين يحتاجها صناع الحياة وأقوالهم والفعل النبيل ليمشي بين الناس، من فكرة الى بناء يخدم التنمية المستدامة.
ويصبح هذا الاحتفاء الخاص بالمدينة الأحب الشارقة وفي هذا الوقت واليوم من تواريخ فنون المسرح العربي، يصادف أشواقا كانت بين صناع الفرجة المسرحية العربية، ما اكتملت في أوقات سابقات، بمبادرات ثم حماسة، وان تمشي مع العصر، فتقف المنظمات المدنية للفنانين في بلد العرب، بعد ميلادها بقليل او اكثر، لكنها تقف، وإن بقيت اللافتات لامعة رنانة، فقد كنت شاهداً عايشتها شريكاً في الفكرة، ومشينا بها بالقدر المستطاع.
ثم جاءت الفكرة المبادرة، وهي الآن تجمعنا على مدى ثلاثة عقود تنقص قليلًا، لنحتفي بيوم المسرح العربي، وما اجمل العنوان وقد ظللنا نحتفي لسبعة عقود بيوم المسرح العالمي نحج الى مبنى (اليونسكو) في (باريس) في كل صباح السابع والعشرين من مارس، ونشارك تنظيماً، ونسهم في استذكار أنها الفرص تحين للاحتفال، فنحتفل. وهكذا لسنوات، حتى كانت فيها الشارقة صاحبة المبادرة الخلاقة، وسيدي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، يلتقي في كل مُناسبات تنتظم الإمارات أو الخليج او عالمنا العربي بصناع المسرح، يحكي ويعزز الأفكار، ويطرح الأسئلة، عصيّة ولا تنفك بعضها، ومحرضة ودافعة، لنذهب الى مسرحنا العربي بذات الاهتمام بمسارح في المعمورة. تنشأ بيننا شراكات بمستويات متفاوتة، وتشهد عواصمنا العربية مهرجانات لفنون المسرح، تنتظم لدورات وتغيب اكثر، ونلتقي، نبحث ونكتب، وسعي للتجديد صادق أحيانًا كثيرة وغير ذلك، ونلتقي فيها بالشارقة مرات ومرات وكل ما نزورها ويمتد الحوار، وصاحب المبادرة الخلاقة يسمع ويشارك ويحرض بكل معاني الدفع للأمام، ويقف خلف كل فكرة.
حتى كان الإعلان الأهم عندي في تواريخ الفنون العربية، نعم بكل اتّساعها الفكرة، وقال في كثير من المناسبات، واستمعت منه عن قرب. والسؤال من عنده له ما في الوراء من خير، لا في الفكرة، لكن في فرص أن تكون ممكنة، وجاء وحان وقت الميلاد الأول.
إعلان الهيئة العربية للمسرح ATI
تنظيم، نعم
إطار يجمع، نعم
ماعون أوسع للتنسيق، نعم
ثم إنها لما كانت الفكرة فيها أقوى، ولدت كما شاء لها صاحب المبادرة، أن يلتقي عندها صناع المسرح، أصحاب الفكر المستنير بالحد الأدنى من الاتفاق، لأنها فنون الأداء والعروض تمشي كلها في اتّجاهات مُغايرة، لكنها تتّفق قي أنها من أجل إسعاد الإنسان.
ولأنها وفكرة بناء التنظيمات والمؤسسات غير الحكومية تحتاج صبراً على التشاور، اتبع صاحب المبادرة الفكرة، بهيكل بسيط. عندي انه الإسهام الحقيقي في خروجها في تلك الأوقات قادرة على جمع كل المسرحيين العرب في شارقة الثقافة والفنون العربية.
فكانت (اللجنة الاستشارية) جمعت رُمُوزاً ورُوّاداً ومؤسسين للنشاط المسرحي العربي، وأظن صادقاً أن الفكرة فيها، أن تكون اللجنة الاستشارية بيتًا للحوار مع الحكمة، وان تخرج منها المعينات، لتساعد شباب المسرحيين العرب في بناء المؤسسة والمنظمة العربية في يُسْرٍ.
وقد كانت فرصة طيبة لنلتقي في مطلع عام ٢٠٠٨ بدعوة كريمة منه، المؤسس المبادر والمجدد في صباحات شتاء مفعم بالمحبة. جلسنا لساعات، نحكي، نصيب وغير ذلك، ونعود للقاعات ونفترق، نعود هيكلنا الأول، مستشارين نتدارس، ومنذ البداية كانت الرؤية واضحة، وشراكة كبرى تبنى حينها مع واحدة من أهم مؤسسات العمل العربي المشترك، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الاليسكو). وإن طال الحوار ولكنه اكتمل، وحانت لحظة الميلاد، لواحدة من أهم مؤسسات العمل العربي المشترك (الهيئة العربية للمسرح ATI).
ثُمّ كان اللقاء بالمُؤسِّس صاحب المبادرة، اطلع على النتائج وما توصلنا إليه، قطعًا كان قريبًا من حواراتنا القديمة المتجددة معه في كل الأوقات والأماكن، وأسهم في تلك الظهيرة بعد مباركة وإشارات من عنده، ووعد ظل قائما، بأن تكون المنظمة العربية (ATI) الوليدة مركزًا للإحياء، للفكر المُستنير عبر فنون الأداء كلها.
والأهم أن ميلادها كان في العاشر من يناير. نحتفي به كل عام، عيدا للاعياد، مناسبة ننظر فيها للخلف في فرح، ندرك معها أين مشينا؟ بمسرحها لغة العرب، وكيف هي الآن؟ بين مشاهد الاحتفال، وعلى نسق مقبول صار تقليد الاحتفال بيوم المسرح العربي فُرصةً لتبادل الأفكار الإبداعية، والرؤى للغد الأفضل للإنسان في الوطن العربي والعالم، فبنت الهيئة العربية للمسرح شراكاتها، وتواصلت مع محيطها، وتبادل صناع الفكر والمسرح العربي، كتابة رسالة يوم المسرح العربي، وأزين دهاليزي بكلمات المؤسس يوم كتبها الرسالة الأهم عندي، وكان قبلها قد جمع في (باريس) وفي مبنى (اليونسكو) عددا طيبا من المسرحيين العرب، ليلقي في احتفال كبير كلمة يوم المسرح العالمي، فكانت إشارة لفهمه العميق، وشراكة ظلّت قائمة وداعمة للهيئة الدولية للمسرح ITI/ يونسكو، ظل دومًا، يسأل عنها والبرامج، ويجدد في كل الاوقات دعمه لها بشتى الوسائل، فكان حضوره المنير لختام المؤتمر العام لـITI في مدينة (شيمين) الصينية، يوم وقف وخاطب العالم من هناك، برسالة بالغة الأهمية، دعمت كثيرًا المسرح العالمي، بكلمات مُدركة لقيمة الفنون، وأدوار المسرح في بناء السلام العالمي من قائد سياسي وحاكم وكاتب مسرحي ومُفكِّر، وقبل يومها الوسام الذهبي تقديرًا وعرفانًا من المُجتمع المسرحي العالمي، وكانت الهيئة العربية للمسرح ATI حاضرةً بمجلسها التنفيذي في شراكة امتدّت بعدها لحضور طيِّب في (شيمين -الصين)، يوم دعت رموز المسرح العربي ليتعرّفوا على المُجتمع الدولي للمسرح ويتبادلون الأفكار والمشروعات مُستقبلًا.
اليوم نحتفي لمسرحنا العربي، وننظر لإنجازاته بكل تقدير، من عند أنه أصبح له يوم للتقدير لصُنّاع المسرح العربي. وعلى مدى العقود الماضية بخيرها وغير ما فيها، كتب الرسالة بالغة الأهمية، عدد من سيدات وسادات المسرح العربي، كانت كل واحدة من الرسائل إشارة ذكية، ونظرة أكثر قُربًا لمشهد المسرح العربي الراهن.
التحيات العطرات للأحباب في يومهم هذا. للمؤسس صاحب الفكرة المبادرة الخلاقة في يوم يظل نقطة تحوُّل كبرى في تاريخ الفنون والفكر والثقافة العربية.
أكتب عنها، الهيئة العربية للمسرح دهليز خاص، وقد كنت قريبًا جدًا يوم الفكرة والميلاد، ثم بعدها في وسط الأمانة العامة، أسهم في الإدارة والتنظيم، ثم برامجها المتنوعة، ولعل أهمها الآن، برنامج الإحياء المسرحي، المهرجانات الوطنية العربية، الفكرة وما تم تنفيذه منها، ثم حديث التوثيق للمشهد التمثيلي العربي، فذاك وتلك إشارات أخرى.
يكتب رسالة يوم المسرح العربي ليناير المجيد هذا، مُشخِّصاتي وكاتب ومفكر وفنان مسرحي، له عطاءات كبرى، أخي وصديقي رفيق علي أحمد.
المسرح حياة.. الحياة مسرح