السلطة المنسية
بلغ الصراع ذروته بين (الشريكين) تحالف قوى الحرية والتغيير وشريكها المجلس العسكري.. كل طرف يبحث عن موقعه في الخارطة خلال الفترة الانتقالية.. وتحالف قوى الحرية والتغيير بعد استحواذها على كل مقاعد مجلس الوزراء وهي غير محددة حتى الآن قد تكون رشيقة أو (مكرشة) مثل حكومة الجنرال بكري حسن صالح.. وبعد ضمان حصولها على 67% من جملة مقاعد (البرلمان المعين) وهي بدعة إنقاذية سنتها في بواكير أيامها باختيار أعضاء للمجلس الوطني الانتقالي وجاءت بالجنرال محمد الأمين خليفة رئيساً لذلك البرلمان.. وضمنت قوى الحرية أن نسبة 33% المتبقية تذهب لحلفائها من الحركات المسلحة والمؤلفة قلوبهم الجدد.. لاسترضائهم وفصلت قوى التغيير والحرية هياكل الحكم على مقاسها، ولم تترك للمجلس العسكري حتى مجلس السيادة بسلطات (تشريفية)، وتقاتل قوى الحرية لانتزاع أغلبية أعضاء المجلس ورئاسته من العسكر لتترك رفاق البرهان وحميدتي (أباطم والنجم)، ولكن المجلس العسكري لا يزال حتى مفاوضات عشية الأحد يقاتل من أجل أن يجد له (مقعد مقعدين) في المجلس السيادي، ويرفض أن يعود إلى ثكناته قبل انقضاء الفترة الانتقالية.. والراجح أن يتقاسم الشريكان عضوية المجلس السيادي ثمانية عسكريين وثمانية مدنيين، وتتنازل قوى الحرية والتغيير عن رئاسة المجلس للبرهان، وتحتفظ لحميدتي بمنصب النائب الأول، ويأتي ممثل قوى الحرية والتغيير ليصبح نائب رئيس مجلس السيادة..
كل ذلك معلوم بالضرورة.. وانشغلت النخب (الخرطومية) في المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بالصراع حول كراسي الحكم (الاتحادية) أي مجلس الوزراء والقصر والبرلمان، وتجاهل الجميع عمداً أو سهواً أهم مستوى للحكم في السودان وهو الحكم الفيدرالي، ولم يعد هناك ذكر لحال الولايات وكيفية قسمتها بين الشريكين، ولا حتى عن مستقبل الولايات الحالية؟ هل تبقى أم تعود الأقاليم السابقة كما جاء في رؤية الحزب الشيوعي السوداني، الذي بات أول حزب يحكم دولة عربية بعد سقوط آخر نظام شيوعي في اليمن الجنوبي السابق أيام علي سالم البيض.. وعودة الحزب الشيوعي للسلطة تجعل رؤيته هي الأقرب للتطبيق والأبعد من حيث رغبات الناس.. ولم يرهق المجلس العسكري نفسه بالسؤال عن مصير الولايات، رغم أن بعض أعضاء المجلس جاءت بهم الولايات القصية مثل حميدتي والفريق شمس الدين كباشي، ولكن شغلتهم المركزية عن الولايات ، التي ستخضع بالطبع لقسمة بين مكونات الحرية والتغيير.. والحال كذلك يتوقع أن تصبح ولاية مثل غرب كردفان من نصيب حزب المؤتمر السوداني، والشمالية من نصيب الحزب الشيوعي وكذلك الخرطوم، وأن تذهب النيل الأبيض لحزب الأمة.. وجنوب دارفور لحركة مناوي، والقضارف لمنظومة تدعى (القضارف مدينتي)، وهي عضو في تحالف الحرية والتغيير.. أما جنوب كردفان فأولى بها مبارك اردول، والجزيرة ياسر عرمان، أما إذا عادت الأقاليم وأصبحت ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأزرق تحكم من مدني وكل دارفور تحكم من الفاشر، فإن أصحاب المصالح في الحكم الفيدرالي سيقاتلون من أجل استدامة مصالحهم على طريقة قتال المجلس العسكري الحالية، ليجد له (فرقة) في ما تبقى من مقاعد السلطة..!!