6يناير2022م
(1)
على مَرّ التاريخ، ظلّت كردفان بيئة مانحة للخير.. حتى سارت بها المقولات الشعبية تردد (كردفان الغرّة أم خيراً جوّه وبرّه) وهذا الخير لم يكن فقط في المحصولات الإنتاجية، ولكن حتى على مستوى الإنسان.. الإنسان المبدع في كل التفاصيل.. وما ذكرت كردفان إلا وذكرت قائمة طويلة من الأسماء لا تبدأ بالدكتور عبد القادر سالم وإبراهيم موسى أبا وصديق عباس وغيرهم من المبدعين الأصلاء.. ولعل الدكتور الفاتح النور واحدٌ من تلك القائمة الوسيمة، ويكفي فقط على أن نؤشر على لقبه الهام بوصفه (رائدا للصحافة الإقليمية) وهنا تتجلى جريدة كردفان كحقيقة ناصعة وفكرة باذخة.
(2)
لا تذكر كردفان بدون جريدتها أو بدون مؤسسها الراحل الفاتح النور أو مكتبه الذي عُرف بصالون كردفان، وأصدر الفاتح النور ثلاثة كتب عناوينها “صالون كردفان، خلف الأخبار والحوادث والتجانية والمستقبل”، وتوثق لنشأة جريدة كردفان ولعلاقاته مع مُحرِّريها “أصدقاء صالون كردفان” ومنحته جامعتا الخرطوم وكردفان الدكتوراة الفخرية في الآداب وهو صاحب فكرة عيد الشجرة حتى صار عيد الشجرة قومياً كأنه كان يحس بالزحف الصحراوي فأراد أن يتبعه بالأحزمة الخضراء.
(3)
كان الفاتح النور فيلقاً يُقاتل على الجبهات كافة حتى صار اسمه على كل لسان، فقد كان شاملاً ورجل بر وإحسان لأهله وعشيرته ومُجتمعه، كما كان موسوعة فكرية وأدبية، وقد ترك بصماته الأدبية والمعرفية التي حَوتها مكتبته الضَخمة في مدينة الأبيض، في مطلع السبعينات زار الشاعر نزار قباني الخرطوم وتركت زيارته في نفسه إعجاباً وتقديراً لا حدّ لهما للسودانيين كأناسٍ يحبون الأدب ويتذوّقون الشعر العربي ويعرفون قَدر المُبدعين حتى ولو جاءوا من خارج الحدود.
(4)
ابتكرت الدكتور الفاتح النور، نهجاً صحفياً مميزاً يُعد الأول من نوعه، ذلك بإصداره لأعداد خاصة من جريدة كردفان، تعريفية وتوثيقية لأقاليم السودان المختلفة، ففي عامها الأول صدر عدد خاص بإقليم كردفان كانت تسعى من خلاله لربط قاعدة قرائها بمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن إقليم كردفان، ومتابعة أخباره وثقافاته وموروثاته وتاريخه، وقد لاقي العدد الخاص بكردفان الذي صدر في أول يوليو 1946م اهتماماً مُتزايداً من المؤسسات التعليمية والهيئات الرسمية والمدارس الصحفية التي أشادت به، وأصبح العدد مادةً للاستعانة بها في الدراسات الجامعية حول كردفان.
(5)
كانت صحيفة كردفان تُحرّر من قبل الكُتّاب، فيما لم يتعد الملتزمون بها عشرة صحفيين والبقية كانوا متعاونين، وكُتّاب أعمدة ومقالات، ومن أبرز الكُتاّب، وإن كانوا صحفيين في صحف أخرى الأساتذة بشير محمد سعيد، محمد أحمد السلمابي، عبد الله رجب، صالح عرابي، يحيى محمد عبد القادر، محمد أحمد المحجوب، مختار الأصم، نفيسة كامل، حسن عبد القادر، الدكتور سعد الدين فوزي الذي كان يكتب من إنجلترا، الكاتبة جميلة العلايلي من القاهرة، الأستاذ حسن نجيلة، الشيخ إسحق شداد، الأستاذ احمد يوسف هاشم ،الشاعر يوسف حوراني من لبنان، التجاني عامر، الشاعر محمد عوض الكريم القرشي والشاعر محمود أبو بكر وكان من أبرز الأعمدة الثابتة «صوت كردفان»، «شمار في مرقة»، «صوت المرأة» بجانب المقالات المتعددة والتحليلات والحوارات والمتابعات والأخبار، وقد كان رئيس تحرير كردفان يكتب في كل ذلك بأسماء مختلفة لعناوين الأعمدة وافتتاحية الصحيفة، ومنها: «صوت كردفان»، «أحاديث الناس»، «اقتصاديات»، «من منبع مكتبة كردفان»، «أخبار محلية »، «السوق التجاري في أسبوع».