الخرطوم: فاطمة علي 4يناير2022م
قَدّمَ حمدوك عبر خطاب مطول، استقالته بعد شهرين من توتر سياسي، رجّح خبراء أن تزيد تلك الخطوة، الأوضاع في السودان تعقيداً، وأن البلاد صارت في مُفترق طرق مع غياب التفاؤل بوفاق قريب يُخرج البلاد من أزمتها، ويعتبر حمدوك اول رئيس وزراء يقدم استقالته في تاريخ السودان، وشرح خلال استقالته تداعيات الأزمة والأسباب التي دفعته لمُغادرة المنصب، والتي من بينها عدم قُدرته على التوصل لتوافق سياسي لتكملة الفترة الانتقالية.
الشارع السوداني قال كلمته بشأن استقالة رئيس الوزراء.. “الصيحة” استنطقت عددا من المواطنين فور الاستقالة وخرجت بآراء مختلفة، يرى مواطنون أن السودان فقد رجلاً مهذباً لم يتكرر، ولكن وجد بيئة سياسية منقسمة بعد سقوط نظام البشير، ووجد حاضنة مصالح لم يستطع أن يقدم شيئا خلال العامين الماضيين مما أدى لتعقيد المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، رغم التفاؤل بإحداث توافق لإخراج البلاد من الازمة بالاضافة الى استقالته ستؤدي إلى تعقيد الملفات الخارجية التي سيكون مردودها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً غير مطمئن، بجانب التداعيات الداخلية ربما تخلف مواجهات قاسية.
حمامات الدم
يرى مواطنون أن حمدوك شريكٌ في حمامات الدم التي تسيل، مؤكدين بأن استقالته ستزيد المشهد تعقيداً ووضعه على المحك، مشيرين الى أن استقالة حمدوك بمثابة انتصار لإرادة الشارع السوداني الذي لم يُسانده منذ الاتفاق الذي وقعه مع رئيس مجلس السيادة في 21 نوفمبر الماضي بعد عزله ضمن قرارات الجيش الصادرة في 25 أكتوبر العام الماضي، وكان يأمل في توسعة الإعلان السياسي ليشمل كل القوى السياسية، لكنه قُوبل بالرفض..
قالت الموظفة ست النفر حسن في حديثها لـ”الصيحة”، إن مغادرة حمدوك سوف تترتّب عليها تداعيات قاسية وسيناريوهات مُرعبة، بينها خيار المواجهة المفتوحة بين الأطراف وهو المُرجّح في الوقت الحالي، نظراً لتباعد المواقف بين المكونات السودانية، وأضافت أن استقالة حمدوك ستترك حيرة حتى على المجتمع الدولي في كيفية التعاطي مع الملف السوداني نسبة للتعقيدات التي طرأت، فمآلات الأوضاع مفتوحة مردودها سيئ، ورجّحت أن يلجأ المكون العسكري إلى فرض الأمر الواقع بمزيد من العُنف لكبح حركة الاحتجاجات وتعيين رئيس وزراء مدني وتكوين حكومة بلا سند شعبي، فبالتالي لن تقود إلى الاستقرار والأمن في البلاد، ولفتت إلى أن الوضع الأمني المتدهور سيقود لمزيدٍ من التراجُع الاقتصادي وتردي الأوضاع المعيشية!
مُفترق طُرق!
الطالب بجامعة النيلين عبد المنعم محمد قال لـ(الصيحة) ، إن استقالة حمدوك تركت السودان في مُفترق طُرق يتطلّب تحكيم صوت العقل والحكمة بين كل المكونات لتفادي انزلاق البلاد لمنعطفات خطيرة، وأبان أن الوضع في السودان سيقود إلى 3 سيناريوهات هي “الفوضى، انقلاب عسكري وتوافق سياسي يقود إلى انتخابات لنقل السلطة”، وأشار إلى أن التمترس في المواقف سيقود إلى فوضى عارمة في البلاد، وهو الشئ الذي يجب تجنُّبه بضرورة التنازُل والتوافق على تشكيل حكومة من كفاءات وطنية مُستقلة، وضمان استقلالية القضاء والأجهزة العدلية، وسَن قانون للانتخابات وتشكيل المفوضيات لإكمال عملية الانتقال، وأشار إلى أن استقالة حمدوك كانت مُتوقّعة والأسباب كثيرة، منها ضعف وصراعات الحاضنة السياسية الملتوية، وانعدام الشفافية، وتعنُّت العسكر، وتسلُّط كثير من الحركات، جعلت الرجل يفقد القدرة على القيادة بعد أن أحاط البعض به وتم عزله عن الشارع!
انزلاقٌ كارثيٌّ
وأوضح أن رؤيته وخططه كلها فشلت، لأنها لم تجد التربة الصالحة التي تجعلها تُخرج البلاد من هذا النفق المُظلم، ونوه إلى أنّ ما تناوله خطابه عبارات واقعية وليست تشاؤمية تُؤكِّد عُمق الأزمة التي إذا لم تجد الحكمة ستدمر البلاد بكف عفريت، مشيراً إلى فقرة (حاولت بقدر استطاعتي أن أجنب بلادنا خطر الانزلاق نحو الكارثة)، وأضاف عبد المنعم بأن البلاد تمر بمُنعطفٍ خطيرٍ قد يهدِّد بقاءها كلياً إن لم يتم تداركُه عاجلاً في ظل هذا الشتات داخل القوى السياسية، داعياً لتشكيل حكومة تكنوقراط لسد فراغ هياكل الحكم الانتقالي.
موجة احتجاجات
وبدوره، قال المواطن حمدان يحيى، إن حمدوك وجد نفسه معزولاً مع تصاعُد موجة الاحتجاجات الرافضة للاتفاق السياسي وفشله في التوصل لوفاق شامل لتكملة الفترة الانتقالية بخلاف ما كان يتوقّع، وأشار إلى أن السيناريو المُتوقّع هو أن يُسارع المكون العسكري في تعيين رئيس وزراء بديل لحمدوك وتشكيل حكومة مدنية لتهدئة الضغط الدولي المُحتمل، وأنها لن تُغيِّر شيئاً في حركة الاحتجاجات الجارية، من المتوقع أن تتوسع رقعتها خلال الفترة القادمة نظراً للمطالب التي يرفعها المُتظاهرون والداعية للحكم المدني كاملاً.
برامج بناء
قال أمجد الرفيع عضو بتنسيقيات لجان المقاومة لـ(الصيحة)، أنا احترم خطاب حمدوك عندما أشار الى الفقرة (قد كنتم كل غال ونفيس ونلتم احترام الجميع، وان توجتم هذا الحماس الثوري بالتوافق على برامج البناء والمشاركة في وضع رؤية شاملة لما يجب أن تكون عليه الأمور فيما تبقى من عمر الانتقال، اعلموا ان الحياة من اجل تحقيق الغايات الكبرى لا تقل شرفاً عن الاستشهاد في سبيلها والثورة في جوهرها دعوة للحياة)، وأضاف أمجد سنعمل على هذه الوصية بإعلان موكب يتجه للقصر، مضيفاً بأن لجان المقاومة غير معنية منذ لحظة الاتفاق السياسي بين حمدوك والبرهان، وأيضاً غير معنية بالاستقالة، مؤكداً مواصلة المواكب والمظاهرات لحين إسقاط نظام العسكر، مضيفاً أن معركتهم ليست في استقالة حمدوك، بل مع الانقلاب العسكري، قاطعاً: سنواصل التصعيد حتى السقوط، داعياً العسكر لاحترام إرادة الشعب وتسليمها للمدنيين، مبيناً أن أي خطوة تحدث لتعيين رئيس مجلس وزراء من قبل العسكر ستصب مزيداً من الزيت على نيران الأزمة السياسية في البلاد، واضاف ان استقالة حمدوك لا تقدم ولا تؤخر شيئا في طريق الثورة، وأن لا تراجع لقطار الثورة.
سيولة أمنية
قال الناشط عمر الأمين لـ(الصيحة)، إن الاستقالة تأخرت كثيرا والبلاد تشهد انهيارا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، واضاف بأنّ البلاد تعيش سيولة أمنية عميقة، جازماً بأن معظم الشعب كان يتنظر الخطوة بفارغ الصبر، ونوه بأن خطاب حمدوك شخّص تحديات المرحلة الانتقالية، وحمّل مسؤولية ضعف الدولة خلالها لاستمرار النزاع بين مكونات السلطة المدنية والعسكرية.