بانوراما 2021 عام التناقُضات والتقلُّبات.. أبرزها حل الحكومة مرتين!!
بانوراما – نجدة بشارة
شهد العام 2021م الكثير من التقلُّبات والتحوُّلات الجيوسياسية، التي أثرت على الصعيدين الداخلي والخارجي.
عامٌ تزاحمت فيه الأحداث والأزمات.. اجتمعت فيه الأضداد داخل الملعب السياسي الواحد.. تشكّلت موجات من التناقُضات المختلفة، تباينت بين التقارُب تارة ثم التباعُد.. شراكات وتقاطُعات.. مُصالحات ومُشاحنات.. زخمٌ من الأحداث لم تُطو حتى انقضاء العام…
إشعال النار تحت الرماد
ولَعلّ العام 2021، يُعتبر امتداداً للعام السَّابق له، وربما تستمر تأثيرات التغييرات التي حدثت هذا العام إلى أعوام قادمة.
حيث أوجد العام 2020، مُتغيِّرات أثّرت على الواقع السياسي في السودان، لا سيما عقب التوقيع على اتفاق السَّلام في أكتوبر 2020.
هذا الاتفاق تَضَمّنَ مطلوبات إشراك شركاء السَّلام من حركات الكفاح المسلّح والجبهة الثورية المُوقِّعة على الميثاق في حكومة الفترة الانتقالية.
بدأت التأثيرات تتشكّل منذ فبراير من بداية العام، حيث أعفى رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، أعضاء حكومته من مناصبهم وبعض ولاة الولايات، وأعلن عن تشكيل وزاري جديد، وعيّن ولاة جُدداً في الولايات التي تتبع لترتيبات تحقيق السَّلام.
وضمّت الحكومة المُشكّلة، قيادات من الحركات وفقاً لاستحقاق السَّلام، وبذات الوقت اصبحوا شركاءً للحرية والتغيير في السلطة.
ومع الوقت، بدأ يظهر التذمُّر وسط الائتلاف الحاكم، مقللين من نزول لاعبين جدد الى أرض الملعب الذي كان حِكراً عليهم، ثُمّ سُرعان ما نشأ صراعٌ مكتومٌ بين الشركاء الجُدد و(الحاضنة السياسية)، لا سيما وأن تشكيل الحكومة استبقت بتكوين مجلس الشركاء الانتقالي، الذي أقرّته الوثيقة الدستورية وأصبح تلقائيًا أشمل في الصلاحيات من الحاضنة السياسية.
ثم بدأت جهات تثير الشحنات و تنبّأت أن يحل مجلس الشركاء محل الائتلاف الحاكم.
هذه الفرضيات، صعّدت من الموقف بين شريكي السلطة، وشحنت الأجواء حتى فجّرها قائد حركة جيش تحرير السودان مني اركو مناوي داويةً: في تصريحات لـ(الصيحة) يومها قال: لم تعد هنالك حاضنة سياسية بعد اليوم، ومجلس شركاء الفترة الانتقالية حل محل (الائتلاف القديم).
وبذلك أصبحت تصريحات مناوي الشرارة التي أوقدت النار تحت الرماد.
الفَشَقَة وسد النّهضة
في السَّياق، ومع بداية شروع الحكومة الانتقالية في تنفيذ مطلوبات واستحقاقات السلام وعودة الاستقرار لمناطق الحرب بدارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، حتى ظهرت بؤرة جديدة للصِّراع شرق البلاد، بدأت في الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا، فقد شهدت المنطقة المُتنازع عليها، والتي تُسمّى “الفشقة”، ويقطنها مئات المزارعين الإثيوبيين رغم أنها تقع داخل أرض السودان، أكثر من احتكاك ومُناوشة بين الجيش السوداني وقوات إثيوبية، غالبًا ما تكون تابعة لمليشيات قريبة من الحكومة. وفي الأسبوع الثاني من يناير 2021، بدأ الجيش السوداني يبسط سيطرته على المناطق التي لم ينتشر فيها منذ ربع قرن تقريبًا، مُعلنًا موقفًا جديدًا، ومثيرًا الجانب الإثيوبي.
التحرُّك السوداني على الحدود، أقلق أطرافًا عدة، وجعل الكثيرين مُتأهِّبين.
ووصف مُراقبون، الموقف بأنّ المُكوِّن العسكري السوداني في الائتلاف الحاكم بعد ثورة 2019، يحتاج إلى تدعيم وزنه السِّياسي أمام مُواطنيه، وهو ما أدّى إلى اتّخاذه خطوات للسَّيطرة على الوضع بالحدود.
جانبٌ آخر من القلاقل، تمثّل في الربط الإثيوبي بين ملف الحدود وملف سدّ النّهضة، وهو الذي انعكس على تصاعُد التوتُّر الحدودي مع المُسارعة الإثيوبية في ملء خزان السّد، ورغم كل الوساطات والمُبادرات لإثناء اثيوبيا عن الملء الأحادي، إلا أن اثيوبيا تجاهلت كل أصابع التحذير التي وُجِّهت لها من قِبل السودان ومصر وأكملت الملء الثاني منتصف العام.
وبخُصُوص “الفَشَقَة”، تطوّرت الأمور سريعًا، حدثت اشتباكات ووقع عددٌ من الضحايا، بينهم أفرادٌ من الجيش السوداني وبعض المواطنين، لكن ومع اندلاع صراع ثان داخل الأراضي الإثيوبية بين قوات الحكومة المركزية وقوات إقليم تيغراي الذي يحدّه السُّودان من الغرب، وفرار عشرات الآلاف من اللاجئين إلى داخل الأراضي السودانية، قَرّرَ الجيش السوداني انتهاز الفرصة وإعادة الانتشار في كامل منطقة الفَشَقَة لضبط الحدود.
فض إفطار الساحة
جسّد فض قوات الأمن، إفطاراً لمنتسبين للحركة الإسلامية بساحة الحرية الخرطوم في أبريل.. ومُحاولات لعودة أنصار النظام البائد الى المشهد السياسي.
ورغم أن المُنظِّمين للإفطار نفوا وجود نوايا لعمل سياسي تحت ستار الإفطار، وأن الحدث تزامناً مع ذكرى غزوة بدر الكبرى، لكن لاحقًا نظم الإسلاميون، تظاهرة تُندِّد باستخدام القوة لتفريق الإفطار، وردّدوا هتافات مُناهضة للحكومة.
ولاحقاً، أثار الحدث، حفيظة لجنة إزالة التمكين التي حذّرت من إمكانية القبض على كل من يشارك في عمل سياسي يخص النظام البائد، واعتبرته “اللجنة مُحاولة لعودة النظام السابق”، واتّخذت إجراءات لفض الإفطار واعتقال المُشاركين.
دارفور.. صراعٌ لا ينتهي
ولعل الرياح عادةً لا تأتي كما تشتهي السفن، فقد تَجَدّدَت الاشتباكات القبلية في ولاية غرب دارفور، الجنينة (كرينك) في أبريل، وبعد أقل من شهرين من تشكيل الحكومة السودانية التي تضم شركاء السلام، حيث أجبر الصراع 1,860 لاجئاً للعبور إلى تشاد.. وأسفر عن مقتل 144 شخصاً وإصابة أكثر من 230 شخصاً آخرين.
ولعل الصراع جاء عقب انهاء الأمم المتحدة، تفويض البعثة المشتركة “يوناميد” بنهاية العام 2020م.
ونسب الخُبراء، تصاعد الاضطرابات الدامية في دارفور، تزامناً مع إنهاء تفويض البعثة المُختلطة من الأمم المتحدة والاتّحاد الأفريقي وانسحابها من المنطقة.
لكن أحداث الجنينة لم يكن الأول ولا الأخير للصراع في دارفور.
وفي تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سبتمبر، فإنّ اشتباكات متفرقة في مناطق الاقليم ادّت الى فرار ما يقرب من 10,000 شخص من موجة العنف القبلية بمنطقة جبل مون الواقعة في ولاية غرب دارفور.
ومُؤخّراً، تفجّر الصراع في مدينتي “كولقي وقلاب” غربي مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.
ولعلّ هذه الصِّراعات، ظلّت تقع بين حين وآخر خلال العام، وتدخّلت الحكومة المركزية بتشكيل قوات مُشتركة لاستتباب الأمن في دارفور.
أحداث شرق السودان
في ذات الاِتّجاه، تذهب أحداث شرق السودان، لأنها لم تكن بعيدةً عن اتفاقية السلام ولا منفصلة عن أحداث العام 2020م.
حيث بدأت قضية الشرق في التطوُّر عقب تكوين الحكومة الانتقالية في نسختها الثانية والتي ضمت شركاء السلام.
ورغم أن استحقاق السلام أفرد حقائب في السلطة لمطلوبات مسار الشرق، لكن بعض نظار القبائل بشرق السودان أظهروا رفضا للقادة الذين خاضوا المفاوضات في جوبا باسم الشرق.
الأحاديث التي بدأت في الصالونات، سرعان ما خرجت للعلن، ووجد ناظر الهدندوة (تِرِك) زعيم المعارضة في الشرق التأييد والدعم من حشد كبير لقبائل أخرى أعلنت تضامنها ورفضها مسار الشرق.
ثُمّ طالبت الكيانات الرافضة، الحكومة بمطالب عاجلة، على رأسها إلغاء مسار جوبا وحل الحكومة الانتقالية، وفي حال لم يحقق المركز مطالب الشرق، لوّح تِرِك بالحكم الذاتي، وتقرير المصير.
تسارُع الأحداث في الشرق، اربك حسابات الحكومة الانتقالية، ولم تتقدّم خطوات ملموسة تجاه الحل، رغم الوعود التي قطعها نائب رئيس مجلس السيادة “حميدتي” لحل قضية الشرق،
وبينما يمض الوقت تصاعدت الاحداث حتى اخذت منحىً آخر، حيث أغلق محتجون خطي تصدير للنفط في البلاد 25 سبتمبر، ثُمّ أتبعها إغلاق لميناء بورتسودان والطريق القومي.
وفسّر خُبراءٌ بأنّ قضية الشرق أشعلت جذوة شرارة الخلافات في الخرطوم بين مكوني الحكومة الانتقالية، المدني والعسكري.. ولم تُحل مشكلة الشرق حتى اليوم وانتهت الشراكة بين العسكريين والمدنيين.
العلاقات الخارجية.. صُعُودٌ وهُبُوطٌ
أما على صعيد العلاقات الخارجية، شهدت بداية العام 2021، تطوُّرات كبيرة وانفتاحاً في العلاقات الخارجية للسودان، حيث تشكّلت الأحداث منذ لقاء عنتيبي الذي جمع بين رئيس مجلس السيادة، ووزير الخارجية الإسرائيلي، الذي أسفر عنه لاحقاً تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، حتى إن الحكومة الانتقالية ألغت قانون مقاطعة إسرائيل في مايو، ثم ذهبت علاقات الانفتاح أكثر من ذلك بعد رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
وأسفر عن هذا الانفتاح، زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الثلاثين من يوليو، وهي الزيارة الأولى منذ 15 عاماً لوزير خارجية أمريكي للسودان، وأيضاً هي الأولى لمسؤول أمريكي كبير منذ عزل الرئيس عمر البشير.
هذا الانفتاح، وصفه خُبراءٌ بأنه أنهى عزلة السودان الدولية وأعاده الى المجتمع الدولي.
وأكدت الولايات المتحدة، واوروبا، عن دعمها المطلق للانتقال الديمقراطي في السودان.
لكن وبعد قرارات البرهان التصحيحية في 25 أكتوبر، تراجع الدعم والمنح المقدمة من الولايات المتحدة، وجمّد البنك الدولي الدعم والمِنَح الذي سبق وجُدولت لدعم الفترة الانتقالية.
بداية الأزمة
ويشهد السودان منذ 25 أكتوبر، احتجاجات عقب إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، بعد اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، ما أثار رَفضاً من قوى سياسية واحتجاجات شعبية.
وتتواصل الاحتجاجات، على الرغم من إعلان البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، توقيع اتفاق جديد في 21 نوفمبر، يقضي بعودة الأخير إلى منصبه بعد نحو شهر من عزله، وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبيّة).
وعقب ذلك، تبادل المكوّنان العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، الاتهامات، إذ حمّل العسكر، المدنيين مسؤولية الأحداث بانصرافهم إلى المحاصصات الحزبية بعيداً عن قضايا المواطن.
بينما اتّهم المدنيون، العسكر بتعطيل الانتقال ومحاولتهم توسيع نفوذهم في السلطة.
وأعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر، عن قرارات وصفها بـ”التصحيحية”، وقضت بحل مجلسي السيادة والوزراء وإعفاء ولاة الولايات وإعلان حالة الطوارئ.
فيما اعتبرت القوى السياسية، بينها قٍوى إعلان الحرية والتغيير وتجمع المهنيين “أن البرهان نفّذ انقلاباً متكامل الأركان”.
وأدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات في الخرطوم وسائر المدن، أسفرت عن سقوط 44 قتيلاً ومئات الجرحى. ولا تزال تلك الاحتجاجات مُستمرة حتى نهاية العام.
ومع ذلك يرى مراقبون أنّ ما يحدث في السودان انتكاسة للمسار الديمقراطي، بعدما كان السودانيون يأملون بإنجاز انتقال مدني وديمقراطي بعد ثلاثة عُقُودٍ من نظام البشير.