* عندما سلمت قوى الحرية والتغيير المختصر اسمها في (قحت) زمام أمرها للغبينة والتشفي والإقصاء لم تكن تعلم أن مارداً اسمه الوعي سينطلق. لقد استغلت (قحت) وعي شباب الثورة بحقوقهم، كما استغلت طاقاتهم الجبارة ورغبتهم في التغيير بأي شكل (تسقط بس). وبأي ثمن (الموت بي جاي.. الموت بي جاي..) لكنها لم تحسب حساباً لتحول تصحيحي للثورة يتنامى في داخل الاعتصام وخارجه.
* النشوة بنجاح الثورة في اقتلاع النظام المحلول ورغبة قوى اليسار المهيمنة على (قحت) في التشفي من خصومها الإسلاميين، جعلت (قحت) تتعامل مع كل المكونات الثورية بدءاً من المجلس العسكري الانتقالي، مروراً بالثوار وصولاً إلى بقية القوى السياسية بنظريةِ (لا أريكم إلا ما أرى). ولكن ما دبَّ في النظام المحلول خلال تلاثين عاماً فأوصله ألى تطبيق نظرية (ما أريكم إلا ما أرى) قد دبَّ في (قحت) في مدة لم تتجاوز الثلاثين يوماً بكثير.
* لقد بدأ العد التنازلي لتجمع المهنيين و (قحت) منذ أن قدموا خطباء مهزوزين باسم ثورة الشعب، ثم قدموا وثيقة فطيرة هي الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية. وأقصوا جميع القوى السياسية في مفاوضاتهم مع المجلس العسكري، وأرادوا الاستحواذ على كل السلطات كالآتي: (50%) من السلطة السيادية بصلاحيات تشريفية. و(67%) من السلطة التشريعية بدون تفويض شعبي!! و(100%) من السلطة التنفيذية!! وأربع سنوات (انتقامية) خفضها المجلس العسكري مثاباً مشكوراً إلى ثلاث سنوات في مهزلة تفاوض لا تشبه العسكر.
* لقد أعمت النشوة ورغبة التشفي (قحت) عن معادلات إقليمية ودولية لا يمكن تجاوزها، فدول الإقليم الداعمة للثورة والممولة للاعتصام لا تستطيع أن تتجاوز المجلس العسكري الذي يشكل رجاله درعاً مهماً من دروع حمايتها. وقد فات عليها أن الولايات المتحدة ثمنت في أكثر من مناسبة دور جهاز الأمن السوداني وإسهامه في دعم السلام العالمي. ومجهوداته بجانب القوات النظامية الأخرى في مكافحة الجرائم العابرة للحدود. ولكن ما يحير المرء هو ضعف المجلس العسكري أمام (قحت) وتخليه عن تعهداته للقوى السياسية بأن يكون على مسافة واحدة منها واستجابته لكل شروطها عدا السنة الرابعة من الفترة (الانتقامية)!! وهو بيده كل هذه الكروت الدولية والإقليمية والمحلية. والأخيرة هذه قد أعلنت عن نفسها بمسيرات المساجد التي خرجت قبل أمس الجمعة وما تلاها. وكرت الرافضين لاتفاق الإذعان الغريب بين المجلس العسكري و(قحت) وعلى رأس الرافضين تيار نصرة الشريعة ودولة القانون (تشرق) وحزب الأمة والحركات المسلحة وكثير من القوى السياسية. وأما الحزب الشيوعي فقد رفض الاتفاق من وجهة نظر ممعنة في محاولة إذلال القوات النظامية صاحبة (الفنشنق) في الثورة، وذلك بالمطالبة بحل المجلس العسكري! ما هذه الغيبوبة التي هم فيها؟!
* بعد أن ورطت (قحت) نفسها بخلق معارضة قوية وموضوعية لحكومتها قبل أن تتشكل، مع أن الحكومات الانتقالية في كل الدنيا تكون وفاقية خالية من المعارضة. وبعد أن ورطت المجلس العسكري في هذا الاتفاق الهزيل، ما على المجلس إلا أن يدعو لانتخابات مبكرة خلال ثلاثة أشهر (حسب الاتحاد الأفريقي) أو ما يُتّفَق عليه – من مدة- بالتشاور مع كل القوى السياسية. وفي حال شكلت حكومتها منفردة أو قامت الانتخابات يمكننا القول: قد انتحرت (قحت) بالتعجل.