الخرطوم: انتصار فضل الله
كمحاولة منها للسيطرة على الشارع، وقطع الطريق أمام المُظاهرات والمليونيات السلمية التي انتظمت البلاد في العام ٢٠٢١ أو لأهداف أخرى غير ملموسة، اتّخذت السلطات السودانية، العديد من الإجراءات الوقائية التي من شأنها مكافحة المواكب، والتي وصفها متحدثون لـ”الصيحة” بالقاسية والمجحفة، وقالوا إنها لم تأت أُكلها.
فكان قطع شبكة الإنترنت سابقة هي الأولى من نوعها في العام ٢٠٢١ م، ومن أبرز الأدوات والأسلحة التي اتجهت لها السلطة الحاكمة وفقاً لحالة الطوارئ التي أعلنها قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
مُفاجأة العام
بتاريخ ٢٥ أكتوبر من العام ٢٠٢١م، استيقظ الشعب على مفاجأة قطع خدمة “الإنترنت” والاتصالات في كافة أنحاء البلاد من قبل جهاز تنظيم الاتصالات “الهيئة القومية للاتصالات سابقاً”، وذلك عقب إجراءات البرهان على المدنيين وحل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ بالبلاد.
لم يمنع قطع الشبكة، الثوار من التنسيق والإعلان عن المواكب المليونية، فقد شهد الشارع يومها احتجاجات مختلفة ليخرج الملايين في اليوم الثاني، مُعلنين رفضهم لتلك الإجراءات، ووصفوها بالانقلاب الذي أعلن “كتصحيح للمسار”، ويؤكدون على المدنية الكاملة.
إعادة الخُطة
وفي يوم ٢٥ ديسمبر الجاري، استخدمت السُّلطة ذات السلاح لمنع التواصل عبر الشبكات العنكبوتية، وبثّ الرسائل في الوسائط لتحديد المسارات، وبحسب أعضاء لجان مُقاومة، لم يكن غياب الإنترنت فعّالاً وهذا اتّضح من خلال المليونيات التي تزامنت مع القطع، وأبدوا أملهم في استقرار الأوضاع السياسية والأمنية بالبلاد وأن يستيقظ السودانيون في العام ٢٠٢٢م على تحوُّل الحكم لمدنية كاملة.
خطوة مُتوقِّعة
تُؤكِّد عضو بلجنة مقاومة محلية كرري فاطمة أحمد، أن استخدام السلطة الحاكمة أداة قطع الإنترنت لقمع التظاهر شكل دافعاً وتحدياً كبيراً لاستمرار المواكب من خلال التنسيق الجيد لها والإعلان عنها في موعدها المعهود، ولم يؤثر السلاح على الثورة أو يمنع التواصل بين الثوار، وأشارت خلال حديثها لـ”الصيحة” إلى أن الشارع أصبح يحتاط لكافة التوقعات ومدرك بأن قطع الإنترنت أصبح سلاح السُّلطة ضد أي مليونية تشعر بأنها سوف تُهدِّد الحكم، فهو لم يحد من المظاهرات والتعبير السلمي، وإنما وقع تأثيره السلبي على مُواطنين يعتمدون عليه في أعمالهم ومعاشهم اليومي.
فيما أكّد عضوٌ بلجنة مقاومة أمبدة سمير أحمد، أن قطع الإنترنت كان من الخُطط المُتوقّع حدوثها وهو سلاحٌ مكشوفٌ، تعايش معه المواطنون والثوار الذين لم تغلبهم حيلة ولم تهدأ أنفاسهم حتى تسليم السلطة للمدنيين.
متاريس عديدة
خلال تقييمه لسياسة قطع الإنترنت كأداة للحد من المظاهرات، يقول الخبير الأمني عبد القادر عباس، إن العقلية الأمنية التي تُدير الحكومة الآن والتي يصفها الشعب بالانقلابية، عملت جاهدةً على قمع التظاهر والحراك الثوري الذي يقوده الشعب من خلال وضع الكثير من المتاريس التي تُمكِّنها من الحد من التظاهر، فكان قطع الاتصال وشبكات “الإنترنت” وسيلة اتّخذتها كسلاح يمنع التواصل بين الثوار ومحاولة تقليل حجم الترويج للقضايا المثارة والتنسيق للمليونيات، ومطالب المتظاهرين وتوثيق الأعمال القمعية التي تُمارسها الأجهزة الأمنية والشرطية تجاه المتظاهرين السلميين، مُتابعاً: يبدو أن سياسة قطع الإنترنت والاتصالات ضررها على السُّلطات كان أكثر من نفعها أو الحد من التظاهر، فقطع الخدمة اعتبرت انتهاكاً لحقوق الإنسان وهدّدت سلامة الوطن والمواطنين, فضلاً عن انها عطّلت مصالح الناس في التواصل والأعمال التي بحاجة إلى الإنترنت، كما شكّلت خسائر ضخمة لشركات الاتصالات والمُشتركين.
ضعفٌ وضيقٌ
وقال الخبير الأمني لـ”الصيحة”، أظهر قطع الإنترنت، ضعف الحكومة وسعيها لتضييق الحرية والرأي الآخر، مشيراً إلى امتلاك المتظاهرين للكثير من البدائل للبَث والتّواصُل والتوثيق، مؤكداً أنّ قطع الإنترنت خَصمَ من رصيد السُّلطات الحاكمة ورفع من القيمة المعنوية للمتظاهرين، وشكّل دافعاً قوياً وخلق بدائل شبكات عالمية تتحدّى قُدرة السُّلطات على حجبها.
أسلحة مُضادة
اتفق الناشط أيمن الرضي مع الرأي السابق، مؤكداً أنه في ظل قطع الإنترنت والاتصالات، سلك الشباب عدة طرق، منها كتابة المنشورات وتوزيعها، بل إيصالها عن طريق المواتر ووضع برامج وتقسيم الثوار الى مجموعات، ووضع الخُطط في شكل برامج معدة سلفاً وفق الخُطة A. B. C. D، مع وضع أسوأ الاحتمالات، إضافةً للإرادة القوية التي يمتلكونها، ثم الخبرة التكنولوجية ونظام الكاسر للنت.
فبركات وشائعات
يرى المحلل السياسي إبراهيم الريح، أن قطع الانترنت كان يهدف لعدم بث بعض الصور والفيديوهات المفبركة على وسائل التواصل، مُشيراً إلى وجود مُخرِّبين يستغلون الوضع ويلعبون ضد الاستقرار الأمني، فيبعثون مشاهد قمعية قديمة تؤثر على استقرار البلاد ومسار الثورة، قائلاً: هناك شواهد حتى على مُستوى القنوات الفضائية، مُستدلاً بفيديو قديم بثّته إحدى القنوات في العام الماضي مدّها به مراسلها وهو إعلامي معروف، مؤكداً أن الوضع السياسي بالسودان والحِراك الذي يشهده الشارع استغله الكثير من المُتربِّصين الذين يسعون للخراب والدمار وصولاً لغاياتهم وخلق فتنة وتشويه، مما استدعى قطع الإنترنت حتى لا يتأزم الأمن القومي والمحافظة على النسيج الاجتماعي، لكنه دعا السُّلطات إلى تحكيم العقل والنظر للاحتجاجات بأنّها حقٌ من الحقوق ولا يجب عنفه باستخدام اسلحة نارية أو مائية أو اقتصادية.
عقبة رئيسية
يرى الخبير في الاتصالات ضياء الدين إبراهيم، أن قطع الإنترنت شكّل عقبة رئيسية في دولاب الاقتصاد السوداني، خصوصا ًالتجارة الإلكترونية والتي صار يعمل فيها الكثير من المؤسسات والشباب، حيث تضرّرت مصالحهم بشكل مباشر، وتوقّفت الأعمال التي يعتمدون عليها مثل إرسال المستندات والتحويلات البنكية الى الطرف الآخر خارج البلاد والذي بمُوجب وصول المستندات والتأكد منها، يقوم بإرسال البضائع أياً كانت مواد غذائية أو سلعاً أخرى، وأضاف: أصبحت حركة الإنترنت واحدةً من أهم مرتكزات الدخل لشركات الاتصالات، والتي يتأثّر دخلها اليومي بشكلٍ كبيرٍ وتتعرّض لخسائر فادحة، لا سيما وأن الاقتصاد السوداني يعتمد على دخل الاتصالات بشكل كبير، حيث وصلت الضريبة على تعرفة الاتصالات إلى 40% من القيمة التشغيلية للشركات، قائلاً: هذه نسبة كبيرة جداً إذا وضعنا في الاعتبار، تحفظ بنك السودان المركزي على أي استدانة منه لمُجابهة التضخم، فإنّ المصادر الأخرى التي تعتمد عليها وزارة المالية مُمثلةً في الضريبة على قطاع الاتصالات هي الأخرى ستتأثر مِمّا يؤدي إلى حالة من الاحتقان التام في معاش الناس.
من جانب آخر، تصدى ناشطون لقطع الإنترنت في السودان، حيث قامت جمعية حماية المستهلك بفتح بلاغات ضد شركات الاتصالات، ونجحت الهيئة العام 2021 في إجبار شركات الاتصالات على إعادة الخدمة التي كانت قد قطعتها عقب إجراءات البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر، بعد أن أصدرت المحكمة حكماً يلزم تلك الشركات بإعادة الخدمة، وحين لم يتم تنفيذ حكمها، أمرت بالقبض عليهم ليستجيبوا بعد ذلك لحكم المحكمة، وبعد تكرار قطع خدمتي الاتصالات والإنترنت في الخامس والعشرين من ديسمبر، عادت جمعية حماية المستهلك لتشرع في مُقاضاة تلك الشركات من جديد،
لتبقى إجراءات السُّلطات بقطع خدمتي الإنترنت والاتصالات في كل أنحاء السودان من أهم الأحداث التي جرت في العام 2021…