تحقيق: محيي الدين شجر
أوضاع مأساوية تدمي القلوب، يواجهها المعتمرون هذه الأيام بميناء سواكن بولاية البحر الأحمر، حيث فشلوا في الحصول على كرت الصعود للبواخر لأكثر من أسبوع، رغم اكتمال إجراءاتهم من تأشيرات وتذاكر سفر وكروت حمى صفراء، يتكدسون بالآلاف في انتظار سانحة للسفر دون جدوى.. بعضهم فضل البقاء في الطرقات لعجزه عن دفع كلفة الفنادق، وفيهم من تكبد خسائر فادحة نتيجة لارتفاع قيمة العمرة بصورة مستمرة .
وكشفت جولة لـ (الصيحة) في مدينة سواكن أن المدينة تفتقد أبسط مقومات الحياة، وتنعدم فيها الخدمات وسبل الراحة لمعتمرين تجاوزوا السبعين من أعمارهم.. غاصت في مشكلة المعتمرين بسواكن هذه الأيام وخرجت بتفاصيل مدهشة ومثيرة للجدل..
كرت الصعود
في بداية حديثه لـ(الصيحة) يقول المعتمر حسن عبد الوهاب: (لي أكثر من أسبوع أنتظر كرت الصعود للباخرة بلا فائدة، لقد سئمت من هذا الوضع المزري لأن سواكن مدينة تنعدم فيها الخدمات، وهي لا تصلح لحياة الإنسان)، وأضاف بقوله: أنا كلي شوق ومحبة لأداء العمرة وزيارة الأراضي المقدسة، ولكن هذا لا يعني أن يستغل البعض محبة السودانيين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقومون بالمضاربات والتجارة في تذاكر السفر وكرت الصعود الذي يتم بيعه بثلاثة آلاف جنيه، وهو كرت مجاني يسلم مع تذكرة السفر في حين وصل سعر تذكرة السفر إلى 9500 جنيه، وقد يزيد، وقال: نعاني أيضاً في الحصول على غرف في الفنادق والاستراحات لارتفاع أسعارها، بالرغم من خدماتها المتدنية، ولكننا نضطر للسكن فيها.
الحب والأنين
بذاكرة متقدة، صوّر المعتمر حسن عبد الله لـ (الصيحة)، الأوضاع الحالية بمدنية سواكن بقوله إن ميناء سواكن لا يسر أحداً، كل شيء قبيح ومؤلم فيها.. افتراش الأرض ..ارتفاع أسعار الفنادق .. بيع كرت الصعود المجاني.. دموع وأنين.. كبار السن يعانون من التعب والأرق، في ظل انعدام الخدمات الصحية والطبية، مضيفاً: سواكن لا تصلح مكاناً لسفر المعتمرين والحجاج، لأنها في حاجة لعمل كبير ويفترض أن يحول سفر المعتمرين إلى مدينة بورتسودان، إذا كانت الدولة فعلاً مُهتمة بكبار السن وبالمعتمرين والحجاح، مضيفاً: الباخرة “مسرة” التابعة لشركة نماء تخلف منها 300 راكب، وسيتم تسفيرهم بالباخرة “دهب” السودانية، والذين تخلفوا من السفر هم الذين اعتصموا بميناء سواكن قبل يومين محتجين على أوضاعهم السيئة.
السبب وكالات السفر
من جهته، قال المعتمر عثمان طه محمد صالح لـ (الصيحة): (مشكلة كروت الصعود للبواخر سببها وكالات السفر، لأنهم يقطعون لنا التذاكر ولا يسلموننا كروت الصعود للبواخر، ونظل ننتظر لأيام ولأسبوع مع أن كرت الصعود يباع على عينك يا تاجر لأشخاص آخرين بمبالغ كبيرة تصل للألف والألفي جنيه .
وكالات السفر ترد
استفسرت “الصيحة” عضو شعبة وكالات السفر (أمانة العمرة) صبري جقلاب، عن الاتهام الموجه لوكالات السفر بأنها السبب في تأخير السفر، وفي شح كروت الصعود للبواخر والمتاجرة فيها، فقال إننا غير مسؤولين لأننا كوكالات سفر نحصل على حجوزات من شركات البواخر، مثلاً لأربعين مقعداً ويتم تسليمنا أربعين تذكرة، ويصرون على تسليمنا كروت الصعود في سواكن، وفي كثير من المرات يتم تسليم الوكالات كروت صعود ناقصة، ويتم بيع كروت الصعود في السوق الأسود بعد ذلك، وأضاف بقوله: إذا كانت الباخرة تنقل 1200 راكب، تقوم الشركات بالتفويج للوكالات بنحو 800 راكب، وباقي الركاب يمنح للوكالات بسواكن، وهذا يفتح مجالاً واسعاً لبيع كرت الصعود للباخرة في السوق الأسود حيث وصل إلى ثلاثة آلاف جنيه، وهو كرت مجاني يمنح مع التذكرة، وقال: هنالك تأشيرات غير رسمية ومعتمرون غير نظاميين، وهؤلاء يشترون التذاكر بأي سعر، وهم من جعل لكرت الصعود قيمة مالية كبيرة .
عدم التزام
وقال جقلاب إن وزارة النقل سعت لحل مشاكل العمرة وأبرزها كروت الصعود، فعقد وكيل النقل ـ
وزير النقل المكلف ـ اجتماعاً قبل أسبوعين مع شركات البواخر ووكلاء البواخر، ومع الإدارة العامة للحج والعمرة، وبحضور شعبة الوكالات، وممثل لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وتم الاتفاق بأن يتم تسليم كرت الصعود مع تذكرة السفر مباشرة وأن تسلم الوكالات كروت الصعود بالخرطوم، لأن 98% من الوكالات مقرها بالخرطوم، ولكن وكلاء البواخر لم يلتزموا بهذا الاتفاق لشيء في نفس يعقوب.
وانتقد صبري ارتفاع قيمة تذاكر الباخرة السودانية دهب، وقال إنها أصبحت تأتمر بأمر شركات الركاب المصرية “نماء، الضياء، ونماء، سونا”، وتقوم برفع قيمة تذاكرها، موضحاً أن تذكرة السفر في بداية العمرة كانت فقط 4500 جنيه، ثم زادت إلى 6500 جنيه، وفي شهر شعبان وصلت إلى 7500 جنيه، وكادت أن تصل إلى 9500 جنيه، لولا تدخل وكيل وزارة النقل والاتفاق أن يكون سعر التذكرة 8000 جنيه.
وقال إن كرت الصعود للباخرة يُباع الآن بثلاثة آلاف جنيه، ويصل إلى أربعة آلاف جنيه في عملية تعكس مدى استغلال البعض للظروف الحالية للبلد ورغبة الناس للعمرة.
الأسباب
وعزا صبري جقلاب كل هذه الفوضى لشح المواعين الناقلة، ولارتفاع كلفة السفر بالطيران، والذي جعل الناس يلجأون للسفر عبر البواخر، وقال إن البواخر التي تعمل في نقل الركاب من سواكن إلى جدة هي بواخر (باعبود) سعودية ـ سودانية، و(نماء الضياء ونماء سونا) (مصرية)، ودهب التابعة لشركة “سنجنيب” السودانية، كلها سعتها قليلة أعلى سعة تصل إلى 1400 راكب. وتساءل جقلاب بقوله: لماذا لا تستخدم شركة نماء المصرية الباخرة التي تصل سعتها إلى 4000 راكب .
أشخاص مصلحيون
واستمعت (الصيحة) إلى عضو اتحاد الوكالات بولاية البحر الأحمر ابتسام محمد صالح، والتي أشارت إلى أن البيع في السوق الأسود والفوضى في ميناء سواكن يقف وراءها أشخاص لهم مصالح، وقالت إن المشكلة تكمن في أن شركات الملاحة تمنح تذاكر سفر بلا تاريخ محدد، تذاكر مفتوحة، وقالت إن شركات الطيران تقوم ببيع التذاكر للوكالات، ويقوم الوكيل بتحديد يوم محدد للسفر.
وقالت إن التذاكر دائماً يتم طرحها بعدد أكبر من سعة الباخرة، مثلاً في حين تصدر كروت الصعود بعدد سعة الباخرة، مثلا ألف راكب ألف كرت صعود، وقالت إن قلة الكروت في مقابل التذاكر جعل كرت الصعود سلعة تُباع وتُشترى، وقالت: لقد طالبنا مراراً وتكراراً بوضع تواريخ على التذاكر تحدد موعد السفر، ولكن لم يستجيبوا إلى مناشدتنا، لأن هنالك من يريد تحقيق أكبر ربح من قصة بيع كروت الصعود للباخرة.
مضيفة بقولها: للأسف الشديد، هنالك موظفون في شركات الملاحة يقومون بالاتجار في كروت الصعود للباخرة، مع أن هنالك موظفين معروفون بأخلاقهم العالية أيضاً، وقالت إن الشركة المصرية (نماء) نجدها مهيمنة على كل العمل في ميناء سواكن، وتقوم بزيادة قيمة التذاكر بلا سبب، وتقلل من قيمة عمولات الوكالات، وسط صمت عجيب من المسؤولين السودانيين، وغياب تام لوزارة النقل السودانية.
وقالت إن شركة (نماء) زادت من قيمة تذكرة العودة وجعلتها أربعة آلاف جنيه، وتبعتها الباخرة السودانية (دهب) دون مراعاة لأوضاع السودانيين وظروفهم المعروفة، حيث رفعت دهب القيمة من ألفين إلى أربعة آلاف جنيه.
هذا هو الحل !!
في سعيها (للوصول للحقيقة فيما يتعلق بلجوء شركات البواخر إلى وسائل ملتوية لبيع كروت الصعود للبواخر في السوق الأسود بأسعار فلكية)، التقت “الصيحة” بالمسؤول التجاري بشركة “سنجنيب” للنقل البحري (الباخرة دهب) أحمد قرين الذي نفى نفياً قاطعاً أن تكون لشركتهم علاقة ببيع كروت الصعود في السوق الأسود، وقال لي: (أنا الآن في مدخل العبارة (دهب) أرتب الإجراءات بكل سلاسة، والاتهام يوجه لوكالات السفر.
وأضاف: وكالات السفر هي سبب كل المشاكل ووصلني الساعة الواحدة صباحاً مندوب وكالة يحمل كشفاً لركاب، وقال إنهم قادمون من الأبيض، ويريد تذاكر سفر، فهل يعقل هذا الأجراء (فكيف تحضر الناس سواكن وما تقطع ليهم تذاكر وانت عارف العمرة محدودة).
الباخرة (رحال)
واشتكى أحمد قرين من عدم صلاحية معظم البواخر العاملة في نقل الركاب بميناء سواكن، وضرب مثلاً بالباخرة (رحال)، وذكر أن التفتيش البحري أوقفها عن العمل لعدم صلاحيتها الثلاثاء الماضي، إلا أنه عاد وسمح لها بنقل الركاب يوم الأربعاء، بعد تدخل جهات ذات صلة ومسؤولين أمنيين نسبة لعدم وجود البديل ولوجود أعداد ضخمة من الركاب بميناء سواكن، ولابد من نقلهم إلى جدة حتى لا يتسببوا في مشكلات جمة، وقال إن الباخرة (رحال) لا تصلح لنقل البهائم ناهيك عن البشر، فكيف سمحوا لها بالعمل في نقل الركاب .. واعتبر قرين مدينة سواكن مدينة ميتة وغير صالحة لتكون ميناءً لنقل الركاب، وطالب السلطات بتحويل المعتمرين والحجاج للسفر عبر ميناء بورت سودان كحل مؤقت لأنهم يواجهون ظروفاً قاسية بمدينة سواكن، التي قال إنها تفتقد الخدمات، وقال إنه يومياً يشاهد معاناة كبار السن المعتمرين ومعظمهم يتعرض للمرض والتعب، ويصل إلى الباخرة في حالة يرثى لها نتيجة لما يواجهه من مشقة وعنت بميناء سواكن ..
وحول بيعهم كروت الصعود، قال قرين إنهم كناقل وطني لا يبيعون كروت الصعود، لأن أي تذكرة نحررها نضع أمامها كرت صعود، مضيفاً: الراكب يذهب إلى مكتبنا نسلمه تذكرته ونسلمه بطاقة صعود دون أي عناء ومنعاً لأي تلاعب. وأبدى أحمد قرين امتعاضه مما يحدث في مواسم العمرة والحج من تجاوزات مستمرة، وتلاعب في الدولار وتعامل في السوق الأسود، وإهمال للمعتمرين من كل النواحي. وقال إن عددا كبيراً من المعتمرين كبار السن عانوا أوضاعا صحية في الرحلة الماضية نتيجة للتعب وللإرهاق وسوء الخدمات .