إعادة القبض والتفتيش لجهاز الأمن.. العودة إلى الوراء!!
الخرطوم: آثار كامل 28 ديسمبر2021م
قبيل سقوط نظام المخلوع عمر البشير, ظل جهاز الأمن والمخابرات العامة محل انتقاد لجانب تحميله ممارسة القمع والاعتقالات خلال فترة النظام البائد, بجانب المُطالبات بحله من القوى المدنية, وعقب سقوط المخلوع عمر البشير وحقبته السوداء, حلت هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات العامة، فيما أصبحت سلطات جهاز المخابرات متعلقة بجمع المعلومات فقط, وذلك بناءً على الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية للعام 2019 التي نَصّت على أن جهاز المخابرات العامة جهاز نظامي يختص بالأمن الوطني وتقتصر مهامه على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة, فيما أصدر رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان أمس، قراراً أعاد بموجبه حق الاعتقال لجهاز المخابرات، وبرّر البرهان أن القرار أتى استجابةً للتهديدات الأمنية ببعض الولايات ومنح القرار الصادر من مجلس السيادة جهاز المخابرات الصلاحيات اللازمة للقيام بدوره لحماية البلاد، ونوّه القرار إلى أنّ صلاحيات جهاز المخابرات مُرتبطة بحالة الطوارئ التي تشهدها البلاد وكانت الوثيقة الدستورية في المادة رقم (36) قد ذكرت أنّ القانون يحدد واجبات ومهام جهاز المخابرات العامة ويُخضع للسلطتين السيادية والتنفيذية.
المشروعية القانونية
يرى المحامي المختص في القانون الدولي الإنساني والجنائي أبو بكر عبد الرازق في حديثه لـ(الصيحة) ان قانون الإجراءات الجنائية يكفل للشرطة والنيابة، اتخاذ أي تدبير احترازية لمنع وقوع الجريمة، وقال ان المظاهرات الأخيرة خرجت عن السلمية وبدأ يظهر الإتلاف والاعتداء عن النظاميين, وأحياناً بعض الثوار والمتفلتين في المظاهرات يعتدون على الأجهزة الأمنية في مكانها، وأضاف عبد الرازق بان القانون يكفل لجهاز المخابرات العامة والمباحث توفير المعلومات، ويكفل للشرطة عبر النيابة استخراج أوامر القبض والإجراءات الاحترازية، ونوه بأنه لا حاجة لإعادة جهاز المخابرات سلطات الاعتقال والتفتيش والضبط, لأنه يُمكن أن يُمارس هذه الصلاحيات عبر المشروعية القانونية بالتنسيق مع الشرطة والمباحث والشرطة الامنية والنيابة العامة لاتخاذ الاجراءات التي تمنع وقوع الجريمة، وقال ان التظاهر حقٌ ولكن حين يخرج عن السلمية يُعتبر جريمة!
أمر الطوارئ
وأشار عبد الرازق إلى أنّ عودة تلك الصلاحيات مربوطة بأمر الطوارئ، وقد يلجأ رئيس مجلس السيادة الى تمديدها فترة أخرى في ظل غياب المجلس التشريعي, وذكر أن ربطها بالطوارئ يجعلها وكأنها موقوتة, مضيفاً: لكني لا أتوقع أن تمدد فترات الطوارئ لتمدد في الصلاحيات على الدوام، وقال عبد الرازق إن الأمن في دارفور والولايات الأخرى يجب ان يتم بتنسيق مشترك لكل الأجهزة وعمل قانوني مشروع وفق قانون القوات المسلحة والشرطة وقانون الإجراءات والتنسيق مع المباحث وفق قانون الإجراءات, مضيفاً أن هناك باباً كاملاً يكفل للشرطة القبض بدون أمر قبض من المشروعية القانونية الكافية التي تكفل الإحاطة بالجريمة والتحكم فيها ومنع وقوعها في إطار عملية تنسيق أمني يُشارك فيها الشرطة والأمن والجيش لاستتباب الأمن بدارفور وكل الولايات وحتى الخرطوم، لا بد من المحافظة على سلمية المظاهرات، غير ذلك هي الذريعة الأكبر لعودة الاستبداد والقمع والتنكيل وعلى ذلك عودة الصلاحيات لجهاز الأمن.
مخالفة الوثيقة الدستورية
قال المحامي والخبير القانوني المعز حضرة، إن الصلاحيات التي أعادها رئيس مجلس السيادة لجهاز المخابرات تعتبر مخالفة للوثيقة الدستورية وقانون القوات المسلحة وسحب التفتيش والقبض بموجب قانون التعديلات المتنوعة, والآن لا ستطيع جهة إضافة مواد إلا بقانون وتتم إجازته بواسطة المجلس التشريعي, وأشار في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن رئيس مجلس السيادة ولا القائد العام ولا مجلس السيادة، لا يملكون الحق في إصدار قرار في ذلك, ونوه حضرة بأن أمر الطوارئ رقم (3) فيه انتهاكٌ لحقوق الإنسان ويعطي الحق في الحصانة المطلقة، والحصانة لا بد ان تكون إجرائية، ويرى حضرة بان قرار البرهان انتهاك وانتكاسة لحقوق الإنسان، ولفت بأن التهديدات الأمنية أو المبررات الأخرى كل هذه لا تصلح كمبررات لإصدار مثل هذه الأوامر لأنها مخالفة للقانون، وحماية البلاد واجب القوات النظامية دون الحاجة لأوامر استثنائية.
تطور الجريمة
الخبير العسكري لواء معاش محمد عجيب قال لـ(الصيحة) إن الصلاحيات مسألة منصوص عليها في القانون, لا بد من توافر صلاحيات وإذا لم تتوافر للرجل الأمن لا يستطيع العمل وكذلك القوات النظامية الأخرى، لافتاً إلى أن الجريمة تطورت بجانب السيولة الأمنية, لذلك لا بد من توافر الصلاحيات، فلا بد من عمل (وزنة) للقيام بالواجب باطمئنان، أيضاً بالنسبة للقوات الأخرى فلا بد من قوانين تنظم العمل, ولفت عجيب إلى أن جهاز المخابرات أصبح بصلاحيات محدودة وهي جمع المعلومات وهي من أخطر الأشياء فيحتاج أيضاً لحماية رغم أن احتكاكه بالجماهير أقل بعد جعله يجمع المعلومات، لافتاً إلى أن منحه تلك الصلاحيات يجعله قادراً على القيام بأعماله على الوجه الصحيح, مبيناً أن الحصانة غير مُطلقة، ولا بد من ضبطها وتنظيمها عبر نصوص قانونية، لافتاً إلى أنه قد تكون هنالك حالة أو حالتان ولكن لا تُعمّم على الجميع.
مشكلة مُستفحلة
قال خبير قانوني فضل حجب اسمه لـ”الصيحة” ان الحديث عن اعادة صلاحيات القبض والتفتيش وعدم المساءلة والحماية الى جهاز المخابرات هو اختراقٌ للوثيقة الدستورية, مبينا ان الوثيقة الدستورية تم اختراقها سابقاً بواسطة البرهان عند الموافقة بالتطبيع مع اسرائيل ومخاطبة حمدوك الأمم المتحدة دون مشاورة مجلس السيادة، فحالة الربكة الموجودة كان يُمكن أن تتدارك باستكمال هياكل السلطة, ونوه بأن صلاحيات القبض والتحري وفق قانون الأمن 2010م تم إلغاء المادة (50) وتم جلب قانون تعديلات متنوعة وأصبح مهمته جمع المعلومات, فهنالك أشياءٌ كثيرة تنطوي على جرائم تحتاج تدخله, وأضاف بأن المظاهر السالبة التي أصبحت تظهر في التظاهرات السلمية وصلت مرحلة التجاوز، وأشار الى ان الحق في التجمهر مكفولٌ, مُضيفاً بأنّ أطراف المعادلة صعبة بالواقع، فقرارات البرهان قد تكون صالحة لحسم الانفلات والتخريب، اما بمنظور حقوقي فهي غير صحيحة, فأزمة البلاد عامة تحتاج الى شئ من الجرأة الحزبية، وإرجاع صلاحيات جهاز المخابرات تبقى معالجة لجزئية بسيطة لمُشكلة مستفحلة.
سياسيا رفضت قوى مدنية وسياسية أمر الطوارئ وإعتبرته “نكسة” في المسار الديمقراطي، في هذا الخصوص يقول المستشار القانوني معز حضرة، من على صفحته على فيبسوك: “إن أمر الطوارئ باطل من حيث أن القائد العام لايملك الحق فِي إعلان حالة الطواريء، وهو حق لمجلس الوزراء ويرفع لمجلس السيادة لاعتماده”.ويضيف “جهاز الأمن والمخابرات بعد أن عدل قانونه فلايجوز للقائد العام للجيش أو رئيس مجلس السيادة منفردا أو لمجلس السيادة مجتمعا إعادة سلطات له مرة أخري، ويكمل “عليه وإستنادا علي الوثيقة الدستورية فإن كل قرارات القائد العام تعتبر قرارات باطله .
ويقول،عمر الدقير، رئيس المؤتمر السوداني، من علي صفحته في الفيس بوك، معلقا علي أمر الطوارئ “هذه الصلاحيات هي ذاتها التي كان يمارسها جهاز الأمن في عهد النظام المباد ويستخدمها للتنكيل بالمعارضة”