27ديسمبر2021م
“الإنسان يعلو على الإنسان بالبحث عن المعنى”.. مصطفى محمود..!
الكاتب الراحل أنيس منصور ناقش ذات مرة مضمون المثل القائل (زَمَّار الحي لا يطربه)، وكيف أن أهل وذوي وأقرباء وأصدقاء أعظم عظماء التاريخ لا يرونهم بوضوح ولا تدهشهم منجزاتهم لأنهم ببساطة – ملتصقون بهم طوال الوقت..!
فكل ما فتح به الله على ابنة فيلسوف بحجم سيغموند فرويد لتقول به عن والدها الراحل هو إنه كان يخاف من القطط وأغصان الشجر، بينما لم تتحدث والدة الكاتب المسرحي الكبير تينسي وليامز عن موقف العصر والتاريخ من مسرحيات ابنها العظيمة التي غيّرت خارطة طريق المسرح، بل تحدثت عن طرائف طفولته، وكيف أن صغيرها توم قد استيقظ من نومه ذات ليلة عندما كان عمره عامين ثم خرج إلى الحديقة يضرب الأرض ويقلب أحجارها بحثاً عن الشيطان..!
بينما كانت والدة الزعيم الروسي ستالين الذي حكم نصف العالم تقول عندما تتحدّث عنه ولدي سوسو، وعندما كانوا يطلبون منها الحديث عنه كانت تروي للشعب الروسي وهي تضحك كيف هرب الزعيم الكبير من المدرسة في طفولته، وكيف سرق عربة البريد.. فهي لا تراه كبيراً مهما كبر شأنه، وتقول كلما تحدثت عنه “ولدي سوسو” حتى وإن حكم – صغيرها سوسو – نصف العالم وتحكَّم بنصفه الآخر..!
أنيس منصور نفسه وقع في ذات الفخ الذي ناقش وقوع الآخرين فيه، فقد اعتاد الكاتب الكبير على شخصية الرئيس السادات بحكم قربه الشديد منه إلى الحد الذي جعله يحذو حذو ابنة فرويد ووالدتي ستالين وتينسي وليامز في حديثه عنه..!
فمعظم مقالاته التي يذكر فيها سيرة الرئيس السادات تأتي محشوة بتفاصيل صغيرة وحميمة قد تدهشنا أو تضحكنا طرافتها لكنها لا تخبرنا كيف ولماذا أبحر السادات عكس اتجاه الرياح العربية، وكيف أصبح رجل السلام..!
أذكر أني قرأت له يوماً قصة طريفة عن “جزمة” جديدة اشتراها الرئيس السادات، وكيف أنها قد أراحت قدميه.. وكيف كان “السادات” فرحاً كالأطفال بإطرائه هو لأناقتها!.. مما يدل على أن المعايشة الرتيبة والتواصل المباشر هي التي توقعنا في “فخ الاعتياد”، فلا يكاد يرى بعضنا في تلك الشخصيات التي ملأت الدنيا وشغلت الناس سوى تفاصيلها الإنسانية العادية والرتيبة وقد يحجب عنَّا التصاقنا بعيوبها تلك العظمة التي يلهج بذكرها بقية الناس..!
فما هو الوجه الصحيح لتقييم شخصيات المشاهير – والحال كذلك – يا ترى؟!.. أعتقد أن شخصية الإنسان هي صورة ثلاثية الأبعاد، وحقيقة كل منَّا هي مزيجٌ من نظرته إلى نفسه، ونظرة المُقرّبين منه إليه، ونظرة عُموم الناس إلى ما يرونه من ظاهر أمره.. أي أنّ حقيقة الآخر – دوماً – هي لوحة سريالية مختلط ألوانها، لا ندرك أبعادها كاملة إلا بالمزيد، والمزيد من التأمُّل..!
munaabuzaid2@gmail.com