* إسلام أهل السودان لم يكن يوما محل إختبار، ولا مطلوبا التحشيد لأجل التأكيد والإنتصار، ومن ثم فإن المسيرات الموازية التي انطلقت، والتي تجعل الشريعة الإسلامية راية لها ، هي تحشيدات، تستغلها جماعات النظام القديم، تريد أن تقول إنها موجودة، وإنها قادرة على تنظيم صفوفها وانتظام صفها، وتحاول قطع الطريق على المفاوضات ووقفها، إن لم نقل نسفها، هي تريد أن تكافأ ذات مكافأة الثائرين، وأن تُعطى ذات عطاء المعتصمين.
الجماعة التي تبنت التحشيد، تنطلق من نقطة بحسب ما أدعت أن أحد الناطقين الاعلاميين باسم تجمع المهنيين إبان انطلاقة الثورة وثورانها وفورانها، قال نريد أن نقيم دولة علمانية، محمد علي الجزولي، قال لو أنهم سكتوا عن الشريعة، لسكتنا عن الانتصار لها، لكنهم في تحشيدهم ركزوا على الاتفاق وبخسه، دون أن يركزوا على الشريعة وتحكيمها، الجزولي وجماعته يعلمون قبل غيرهم، أن الفترة الانتقالية ليس لها أن تقرر في أمر الشريعة، وإنما هو أمر ينعقد في نهايتها بمشاركة أهل السودان كلهم، ثم هو يعلم أنه ما ينبغي محاكمة (قوى الحرية والتغيير) مجتمعة بمقولة صادرة عن فرد واحد منهم.
*هي ذات المجموعات التي عندما طلب منها مجموعة من المصلين أن تقود صفهم وأن تخرج معهم، حين كانت المظاهرات تُكلّف الإنسان حياته، حينها تأبّت هذه المجموعات على الخروج، بل أكثر من ذلك عندما راج أن شيخهم هو من خرج مع الناس وكان في مقدمة صفهم، اضطر إلى أن يُسجل تسجيلاً أذاعه على الناس، قال فيه: أن من أرادوا الخروج مجموعة صغيرة من المصلين، وأنه قال لهم، إن المساجد ما جُعلت لهذا، وإنما جُعلت لهداية الناس وإرشادهم إلى دينهم، اليوم المساجد أصبحت لهذا، وبعدما كانت مناصحة الحاكم ووعظه سراً، أصبحت اليوم مخاشنته من على أعواد المنابر، بل وإنذاره بحشود لا قِبل له بها، أليس هذا هو الكيل بمكيالين، والنظر بمنظارين، وزنة الأمور بمعيارين، في هذه الحالة، أى حكم للدين نحتكم إليه، وأي فتيا نأخذ بها، وأي صحيح يُمكن أن نركن إليه.
*ثم أليست هي ذات الجماعات، التي عاشت في كنف النظام البائد، ولم تر في ظله شريعة يحتكم إليها، ولا قوانين إسلامية يُحاكم الناس بها، ولا عدلاً استظل الناس بظله في ظلها، وأترع الفساد حتى زكم أنوفنا وسارت بسيرته ركباننا، واعترف به عليهم شيخهم، عندما سئل، هؤلاء الفاسدون، إنهم حواريوك ألم يتربوا على يديك؟، قال عندما كنت أتعهدهم، لم يكن هناك من مال يجري بين يدينا، ومن ثم لما أدركتهم فتنة السلطان والمال، سقطوا في امتحانها، وأضحوا شبكة من شبكات فسادها، ذات العلماء أديرت القروض الربوية تحت سمعهم وبصرهم، ولم نر لهم غير تجويز لها، وإيجاد المخارج الفقهية للتعامل بها.
أين كان هؤلاء العلماء، يوم أن عُطّلت الشريعة وأحكامُها، ويوم أن عبّ الموالون من المال العام، ويوم أن أضحى الفساد بضاعة رائجة، منها يتبضّع المُتبضّعون، ويوم أن قُتل الناس وسُحِلوا في الطرقات، يوم أن استباح الحاكم دماءهم وأحل أرواحهم، أين كان هؤلاء؟، أهو فهم جديد للدين نما إليهم، أم هي حالة الحرية التي أتاحتها لهم ثورتنا، ووهبها لهم تغييرنا.
*اليوم نحن نجدّد لهم فهم دينهم، حين حرموا الخروج على الحاكم، إلا أن يبدي كفراً بواحاً، أما أن يكون من الظالمين أو من المعتدين، أو من الوالغين في دماء الناس والمسترخصين، فهذا مما لا يستثير حفيظة هؤلاء العلماء، الذين يقولون اليوم إنهم يثورون لنصرة الشريعة والدين، لماذا كانوا يومها غائبين، لأنهم يخشون الحاكم وجبروته، ولأنهم ما عوّدوا أنفسهم على قول الحق في مواجهة بغيه وظلمه، حتى إذا ما أتيجت الحريات، أدركوا الآن قيمتها، وهم الذين لم يدفعوا ثمن قطفها ولا مهرها.
*شعبنا اليوم يدرك البضاعة الرائجة، ويدرك أن المعتصمين، رفعوا شعارات حرية، سلام وعدالة وهي الشعارات التي أتى الدين عنها منافحاً ومدافعاً، شعبنا يدرك من وقف إلى جانبه في ثورته ورفع الظلم عنه، ومن لاذ عنه بمحرابه، وتبرّأ من المتظاهرين وفعلهم، وصمت عن الحاكمين واسترخاصهم الدماء وتعديهم على الناس وقتلهم.