مُناورة حمدوك بالاستقالة.. التلاعُب في الزمن الخطر!!
الخرطوم- الطيب محمد خير 24ديسمبر2021م
خلافاً لما هو متعارف عليه في أدب استقالة كبار المسؤولين في الدولة بإجراء مشاورات وإخطار شركائهم في السلطة, خلافاً لذلك, لوّح رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك للمرة الثانية باعتزامه تقديم استقالته عبر تسريبات للمقربين له من أصدقائه المفكرين والشخصيات القومية، في جلسات انس والمسامرة بالتزامن مع نهاية المهلة التي حددها بشهر في حفل توقيع الاتفاق السياسي الذي عاد بموجبه لمنصبه، بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيداً عن اتباع عرف الترشيحات الحزبية لمعالجة أزمة إصلاح النظام السياسي والدستور الخانقة التي تمر بها البلاد.
أزمة جديدة
ويرى مُراقبون أن رئيس الوزراء عوضاً عن الإيفاء بوعده الذي قطعه للشعب السوداني بتشكيل حكومة في موعد أقصاه شهر من تاريخ توقيع اتفاقه مع الفريق البرهان في (21 نوفمبر)، تعمّد خلق أزمة جديدة بالتلويح باستقالته، ولم تكن هي المرة الاولى التي يُلوِّح فيها باستقالته بطريق غير مباشر لإلهاء الرأي العام بالمغالطة بالحديث عن أنها استقالة حقيقية أم فقاعة زائفة، في مشهد يُظهر مدى حالة اللا وعي لدى رئيس الوزراء بالنظر إلى خطورة الأزمة السياسية التي تنذر بوضع كارثي بتفكك البلاد سياسياً, فضلاً عن الوضع الاقتصادية المتردي الذي تمر به البلاد الذي تسبّب في الأزمة النفسية لدى المواطن العادي بسبب انهيار مستوى المعيشة في مُقابل محاولة رئيس الوزراء مجانبة التعامل الطبيعي مع الأزمة للتغطية على الفشل السياسي وعدم المقدرة على مُواجهة التحديات المُتعدِّدة والهائلة التي تواجهها البلاد.
ويبدو أن من المسببات والاشتراطات التي قال رئيس الوزراء للمقربين إنها دعته للاستقالة، هي عدم وجود توافق بين الأطراف السياسية للاستناد عليه في تشكيل حكومته لتشكل حاضنة سياسية, وهذا يشير الى عدم قدرة رئيس الوزراء على تشكيل حكومة, ويؤكد أن النظام السياسي القائم على تقاسم المناصب بالمحاصصة لا يزال مُطبّقاً. وعلى الرغم من وعده بتجنب الترشيحات الحزبية وتشكيل حكومة تكنوقراط، وواضح أنه اعتمد السرية خلال مُفاوضاته ومُشاوراته في تشكيل الحكومة التي لا تزال متعثرة دون خروج حمدوك لشرح الأسباب!
وقطع القيادي بالتجمع الاتحادي وقوى الحرية والتغيير المعز حضرة في حديثه لـ(الصيحة) بعدم جدية حمدوك تقديمه استقالته التي لوّح بها للمرة الثانية من وراء ستار وليس مباشرة عبر جلسات خاصة مع المقربين. قال حضرة إن كان حمدوك صادقاً ويملك الشجاعة الكافية, عليه أن يخرج للعلن امام الشعب السوداني في مؤتمر صحفي وبعدها يكون للشعب السوداني الحق في القبول أو الرفض, وغير مقبول أن يرسل خطاباته عبر تسريبات!
نزاع داخلي
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري د. عمر عبد العزيز لـ(الصيحة), ان تلويح رئيس الوزراء بالاستقالة ثم التراجع عنها بسبب النزاع الداخلي الذي يعيشه رئيس الوزراء بينه وبين نفسه, نابعٌ من حرصه وتلعقه برضاء اليسار ومباركة الاتفاق الذي وقّعه مع الفريق البرهان، في وقت يتمترس فيه اليسار ويصر على رفضه لهذا الاتفاق ويقود حملة المُعارضة ضده بقوة، ومن أكبر المخاطر التي لم ينتبه إليها حمدوك هذه المناورة بالاستقالة وبتقديمها وسحبها, لأنها تعطي اشارات سالبة لشركائه من المكون العسكري والخط المؤيد للتصحيح من القوى السياسية وتشجع على تجاوُزه، وكذا على مُستوى العالم الخارجي سيكون انعكاسها سالباً عليه ولن يجد أي مبعوث دولي أو أممي للتوسط لإعادته وسيتم تجاوُزه باعتبار شخصاً مُتنازع المواقف!
لا دليل
واضاف د. عمر: ليست هناك مؤشرات تؤكد صحة الحديث عن وجود خلاف بين حمدوك والعسكريين, وكل الشواهد تؤكد وجود توافق وحالة رضاء لدى العسكريين لكل ما يقوم به حمدوك, بدليل أنهم منحوه كامل التصرف في كل ما يريد تعيينه أو عزله ولم يتدخلوا, بدليل أنه أعاد السفراء ومديري الإدارات الذين عُزلوا.
لكن الحديث عن الصراع الداخلي لدى حمدوك, قال (د. عمر) سببه إصراره على حدوث إجماع على اتفاق (21 نوفمبر) لم يحدث من قبل في تاريخ السياسة السودانية، فإن ظل حمدوك منتظرا حدوث هذا الإجماع خاصةً من قبل اليسار الذي يسعى لتجريف الدولة لتحقيق اهدافه باسم الثورة, في مقدمتها الابتعاد عن الانتخابات الذي يفتح المجال لتطبيق برامجه, لهذا لن يوافق اليسار على الاتفاق كما ينتظر حمدوك.
خاتمة سياسية
وأشار عمر الى أن استقالة حمدوك تعني نهايته السياسية، لافتاً إلى أنه حال كان يريد الاستمرار في منصبه, فإنه سيبعد عن اليسار, باعتبار أنه في حالة أصر على كسب خيار إجماع اليسار سيكون قد حرق مراكبه وليس هناك طريق يذهب فيه غير الاستقالة، ويكون قد فقد العسكريين وكل القوى الثورية الأخرى من مجموعة الميثاق والذين تم إقصاؤهم، وقال “اتوقع ان يحدث توافق على اتفاق (21 نوفمبر) والتفاف حوله من حزب الأمة ومجموعة الميثاق والجمهوريين، باستثناء البعث والمؤتمر السوداني والشيوعي وهي المنصة الفكرية التي كانت تدعم حمدوك طوال العامين الماضيين”.
ورفض د. عمر، الحديث الدائر عن ضعف شخصية حمدوك, وقال إن كل الشواهد في تحركاته الماضية تؤكد أنه شخصية مدركة لكل ما تريده، بدايةً من قراره بزيارة كاودا، رغم أن الحلو يرفع علم الحركة ولم يستقبله بعلم السودان، وكل الاختطاف للمناصب الذي تم في الفترة الماضية كان برضاء وقبول منه, وغيره من الشواهد التي تؤكد أن حمدوك رجل جرئ ويعرف ما يريد وينفذه، خاصة تأييده لمجموعة “4 طويلة” في الإقصاء، فهو غير حريص على التوافق كما يظهر بدليل أن توقيعه على الميثاق كان القشة التي قصمت ظهر الحرية والتغيير.