منذ أن بدأت الجماعات المصنفة ضمن تيارات الإسلام السياسي.. ترفع صوتها.. وتُطلِق دعواتها وشعاراتها.. بل وترسل تهديداتها وتحذيراتها.. زاعمة دوراً لها في مؤسسات الحكم الانتقالي.. ذهب في المقابل آخرون للترويج لثقل هذه الجماعات ولعِظم تأثيرها على المشهد السياسي.. وبلغ الترويج حد الزعم أن المجلس العسكري الانتقالي قد تراجع عن اتفاقه السابق مع قوى إعلان الحرية والتغيير.. فيما يتعلق بسلطات وصلاحيات المجلس السيادي.. والتأمين على حق إعلان الحرية والتغيير في تشكيل حكومة الثورة.. وأخيراً حسم الاتفاق على تخصيص سبعة وستين في المائة من مقاعد المجلس التشريعي الانتقالي لقوى إعلان الحرية والتغيير..!
قال المُحتَفون بالحراك المحدود لتلك المجموعات أن المجلس العسكري لن يتراجع عن البنود المُتفق عليها فحسب.. بل إنه لن يعود إلى مائدة التفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير بشكل منفرد.. وأن التفاوض لن يستمر ثنائياً بعد اليوم..! ومسألة الثنائية هذه ربما تقود المُراقِب مباشرة لطرح سؤال محوري.. لا عن ماهية قوى إعلان الحرية والتغيير.. لا لجهة دورها فى الثورة.. وفي مناهضة النظام السابق.. بل من حيث من هي.. ومن تمثل.. وما حجمها..؟
ولعلّ كل مشتغلٍ بالسياسة يذكر أن أول كيان مناهِض لنظام الإنقاذ تشكّل في السودان.. كان هو التجمّع الديمقراطي.. وشهد هذا الكيان متغيرات كثيرة.. من حيث الحجم ومن حيث الادوار .. ومن حيث العضوية.. وكان يضم تقريبًا كل القوى والكيانات والتنظيمات والمنظمات السياسية والمدنية التي تعارض النظام .. وكان من أكبر القوى السياسية التي غادَرت التجمع حزب الأمة القومي بقيادة الإمام الصادق المهدي.. ولاحقاً الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة الميرغني.. وكان جلياً أن خروج هذه الأحزاب.. وخاصة حزب الأمة قد ترك شرخاً في كيان التجمع.. الذي انتهى في نهاية المطاف لاسم قوى الإجماع الوطني .. الذي يُشكل الآن ضلعاً رئيساً في قوى إعلان الحرية والتغيير.. وإن كُنا قد تحدّثنا عن تأثير خروج الأمة على التجمّع بهيكله السابق.. فالمُفارَقة أن حزب الأمة نفسه يصطف الآن في فسطاط واحد مع قوى الإجماع.. التجمع سابقاً.. أي أن التجمّع .. قد استردّ.. نظرياً.. قوته التي فقدها في وقت سابق.. ولكن الأهم من ذلك.. وعملياً.. أن حزب الأمة حين عاد.. لم يعُد منفردا كما خرج.. بل عاد بثقل سياسي لا يقل أهمية وثقلاً وتأثيراً .. عن قوى الإجماع.. ونعني هنا.. نداء السودان الذي يضم هو الآخر مجموعات سياسية ذات ثقل بائن.. تشمل بجانب حزب الأمة بالطبع.. المؤتمر السوداني وغيرها من المنظومات المدنية.. ثم حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، وأخيراً الحركة الشعبية شمال.. ولن تفوت على فطنة القارئ ثقل هذه الحركات.. التي تكاد تمثل أصل ومصدر ومرجعية كل الحركات التي نراها اليوم..!
إذن.. إذا كانت قوى إعلان الحرية والتغيير تضم هذين الكيانين اللذين يمثلان المعارضة السياسية للنظام السابق دون منازع.. فالمُدهش أن يكون هذا الكيان الذي يضم أيضاً.. تجمّع المهنيين .. الذي.. وبشهادة خصومه قبل مُناصريه .. قد جعل كل هذا ممكناً.. ما زال هنالك من يشكّك أنه هو الممثل الشرعي للشعب السوداني..!
أليس غريباً بعد ذلك.. أن ينتظر البعض من المجلس العسكري .. أن يدير ظهره لهذا الثقل السياسي والجماهيري.. ليفاوض من يمثلون فصائل مبعثرة ما كان لأحد أن يسمع لها صوتًا لولا سقوط المؤتمر الوطني.. الحاضنة الكبرى لجماعات الإسلام السياسي .. والمُفرّخة لها أيضاً..؟!