الخرطوم: آثار كامل
حالةٌ من الجدل بين مُؤيِّدٍ ومُعارضٍ، أثارها حديث رئيس الوزراء حول عزمه تقديم استقالته من منصبه وسط إصرار على اتخاذ هذه الخطوة التي ساق أسبابها حسب ما ورد في وسائل الإعلام بأنها جاءت نتاج عدم توافق القوى السياسية الثورية في مرحلة ينظر اليها رئيس الوزراء بأنها تجهيز للانتخابات، ومن الأولويات أن يتم فيها دعم العملية السياسية سيكون عصياً، بل ربما مستحيلاً في حال عدم التوافق.
شخصياتٌ قوميّةٌ اجتمعت مع رئيس الوزراء بعد أن أبلغها بقراره وردت عليه بالعدول عن رغبته, فالجميع يتفق على أن الخلاف بين الاطراف السياسية اصبح شائكاً ومعقداً، بجانب تعارض وتناقض بعض الأطراف في مواقفها، مَا صعّب طرق الحل رغم ازدحام الخرطوم سابقاً بسيل وفود الوساطات الدولية والإقليمية لحل الأزمة التي تكاد تكون وصلت نقطة اللا عودة بسبب الوضع السياسي المُحتقن بالاستقطاب والاستقطاب المُضاد من قِبل السِّياسيين والعسكريين والنشطاء, ما أنتج حالة من الغضب أصابت الشارع السوداني بالدعوات المتكررة للتصعيد رفضاً لما تم في (25) أكتوبر المنصرم.
نقطة اللا عودة
في ظل المشهد المُحتقن بالوصول لنقطة اللا عودة التي برزت من خلال تشنج الاطراف السياسية وتمسُّك كل منها بمواقفه في وضع يراه مراقبون كارثياً، إلا أن هناك بعض الأمل بإمكانية التغيير في حال توافق كل الأطراف على الجلوس في طاولة التفاوض وإبراز كل المكونات لرغباتها واحتياجها للآخر والعودة إلى طاولة الحوار ومُناقشة جميع القضايا بعقل مفتوح دون شروط مسبقة, على أن يكون هَمّ الجميع الآن هو كيفية مُعالجة الوضع ومُحاولة منع انهيار الدولة السودانية.
نتاج الانقلاب
قال وزير شؤون مجلس الوزراء السابق خالد عمر، إن الأزمة الحالية في البلاد هي نتاج مباشر للانقلاب العسكري، وشدد خالد في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الأربعاء على أن تكرار الحديث عن عدم توافق القوى السياسية هو في الأصل تماهٍ مع خطاب الانقلابيين وتبرير لما اقترفوه من جرم في حق البلاد, وأوضح خالد ان الواجب الآن هو التوافق على جبهة شعبية موحدة لهزيمة الانقلاب وتأسيس سلطة مدنية ديمقراطية حقيقية تستكمل مهام ثورة ديسمبر المجيدة، وتبني على ما تحقق من تقدم في العامين الماضيين وتتجاوز العثرات التي واجهت قوى الثورة وأوجه قصورها العَديدة.
دعم القوى السياسية
قال عضو المجلس المركزي عبد المطلب عطية لـ(للصيحة), انه لا حل لاسترداد المسار الديمقراطي غير الطريق الذي يسير عليه رئيس الوزراء, لافتاً إلى أنه يحتاج لدعم القوى السياسية الحريصة على الانتقال وفق الموازنة التي تحقق العودة الى استرداد التحول الديمقراطي وصولاً للانتخابات, وأضاف بأن رئيس الوزراء عقب عودته اتخذ مجموعة من القرارات التي أعادت التوازن التام وسيطرة قوى الثورة على قيادة مؤسسات الدولة وتعيين ولاة مكلفين ووكلاء واعادة مؤسسات مهمة, بعد أن تم عزل القائمين على امرها عقب الخامس والعشرين من أكتوبر, مضيفاً أنه ورغم كل ذلك تُوجد خُطة تكثيف الصورة السالبة لرئيس الوزراء مُستمرة لدى القوى الثورية.
إرباك المشهد
قال د. خالد قنديل محمد المحلل السياسي, إن استقالة د. عبد الله حمدوك في الوقت الحالي ستربك المشهد السياسي أكثر مما هو عليه الآن، لجهة أن الأوضاع السياسية وقبلها الاقتصادية تمضي الى طريق الانهيار ووجود حمدوك في المعادلة السياسية يضمن على الأقل استقرارا وانفتاحا على المجتمع الدولي، وأضاف في حديثه لـ(الصيحة) في جانب المعادلة السياسية، فإن مغادرة حمدوك ستدفع البلاد لعواقب غير معروفة النتائج، خاصة أن حالة الاحتقان والانقسام بين القوى السياسية في تزايد مستمر، مع ضغط الشارع الرافض أصلاً للاعلان السياسي وانقلاب البرهان، ومع ذلك نجد عدداً مقدراً من الشارع مازال مؤمناً بحمدوك بانه سيعبر بالبلاد الى بر الأمان, وخطورة الخطوة حال غادر حمدوك منصبه في ظل وجود البعثة السياسية للأمم المتحدة برئاسة فولكر, فإن المخرج بحسب رؤيتها الاتجاه الى انتخابات مبكرة ما يؤدي الى إنتاج ذات المعادلة القديمة وعودة الحرس القديم عبر بوابة الشرعية الانتخابية وقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي الحقيقي الذي ينشده الشعب السوداني.
حُمى التشاكُس
وقال أستاذ العلوم السياسية د. عبد العزيز عبد الحفيظ لـ(الصيحة) إن الشارع لا يزال يصر على مواصلة ما بدأ فيه من رفض لجميع الإجراءات التي تم اتخاذها في 25 أكتوبر, منوهاً إلى ان الشراكة بين الأطراف ما زالت تعاني من حُمى التشاكُس، ولفت إلى وجود صراع مكتوم بين التيارات السياسية، فيما ازداد المشهد تعقيداً بعد أن فقدت القوى السياسية ثقة الشارع، لافتاً إلى أنه في حال تقديم د. رئيس الوزراء استقالته سيعقد المشهد أكثر ممّا هو عليه، بيد أن على القوى السياسية الالتفاف الى ما آلت اليه الأوضاع الآن تجنباً للوصول الى طرق يصعب الخروج منه, منوهاً إلى أن الموقف الآن في حالة تحجر لا بد من اختراقة تصلب التيارات المتشددة من القوى الثورية وتمسكها بموقفها الرافض لمشاركة العسكريين في السلطة الانتقالية.
إرباكٌ للمشهد
وربما مثلت الاستقالة التي لوّح بها رئيس الوزراء والتي أكدت مصادر مطلعة أنه عازمٌ بالفعل على تقديمها، مُفاجأة للجميع خاصة القوى السياسية المُقرّبة منه، ففي الوقت الذي أفاد فيه المصدر (الصيحة) بأن امر الاستقالة لم يكن غير حديث خاص لحمدوك مع بعض قيادات القوى السياسية، إلّا أنّه أكّد أنّ حمدوك ربما استفاد كثيراً من الزخم الذي أحدثه تسريب خبر نية الاستقالة, ما جعله يفكر جاداً في تقديمها.
لكن المحل السياسي محمد أحمد علي أكد في حديث لـ(الصيحة) ان استقالة حمدوك حال تقديمها ستكون القشة التي تقصم ظهر تماسُك الحكومة الحالية، ما يضع المشهد السياسي كله أمام خيارين يتمثل أحدهما في قيام ثورة جديدة بمطالب جديدة وتفضي لشرعية جديدة، وبين حكم عسكري مُتكامل يُواجه الشارع الغاضب, لافتاً إلى أن كل الخيارين سيضعان السودان على شفير الانهيار الاقتصادي وربما الأمني أيضاً، غير أنه استدرك أن حمدوك يعي كل تلك الاحتمالات, خاصةً وأنّه أكّد أنّ قبوله العودة لمنصبه بعد 25 اكتوبر كان لحقن دماء الشباب السوداني، ما يؤكد بجلاء أن حمدوك سيفكر ألف مرة قبل إقدامه على خطوة من شأنها أن تهد كل ما تم بناؤه عقب نجاح ثورة ديسمبر في إزاحة العهد البائد.
رفضٌ وقبولٌ
وعلى الرغم من رفض العديد من المكونات السياسية والاجتماعية لتلويح حمدوك بالاستقالة, الا ان كثيراً من قيادات الثوار ولجان المقاومة أبدوا ترحيباً بالفكرة، من واقع أنهم يرفعون شعارات تطالب بذهاب حمدوك والبرهان معاً، كونهم يرون أنه تماهى مع اجراءات أكتوبر التي ازاحت قوى الحرية والتغيير من المشهد السياسي.
حجر في بركة
ما بين الرفض والقبول, تأكد أن تلويح حمدوك بالاستقالة كان حجراً كبيراً حرّك بركة السياسة، وجعل كل القوى السياسية تتحسّس موضع قدمها وربما كانت مثل الضربة التي أدت ليفيق كثير من القوى من نومها للبحث عن مخرج للأزمة التي أصبحت تتطاول دون أمل في الوصول إلى نهايتها.