زيادة الإنتاج.. مَخرج الاقتصاد المنسِي
الخرطوم: جمعة عبد الله 22ديمير2021م
قال أكاديميون وباحثون في الاقتصاد, إن المخرج للأزمة الاقتصادية في السودان يكمن في زيادة الإنتاج، مضيفين بأن الإنتاج يتطلب تمويلاً واستثمارات وسياسات اقتصادية دولية جاذبة للإنتاج، إلى جانب مُساعدات كبيرة وعاجلة من العالم الخارجي، موضحين بأن أولويات الحكومة السودانية تختلف عن المواطن، مُبيِّنين أنّها تركز على قضايا السلام والتوافق السياسي، وأكّدوا أنّ الصرف على هذه البنود أعلى من الصرف على الخدمات، وطالبوا الحكومة بضرورة مُراقبة الأسواق وضبط الأسعار.
انتعاش الاقتصاد
يقول الباحث الاقتصادي الدكتور، هيثم محمد فتحي، إن الاقتصاد السوداني تعرض لفقدان الكثير من مصادر الدخل منذ ديسمبر 2018، بما في ذلك معظم الإيرادات النفطية، وإيرادات التصدير وكذلك تحويلات العاملين بالخارج، بجانب إيرادات قطاعي السياحة والاستثمار الأجنبي، مضيفاً أنه ما وضع الحكومة الانتقالية أمام معضلة كبيرة، وقلّص من الخيارات المتاحة أمامها لمواجهة ذلك الواقع المعقد، ويتوقع أن ينتعش الاقتصاد بعد أن يستغرق بعض الوقت، وقال إنه يتمثل في تردي مناخ الاستثمار بالبلاد نتيجة الفساد والتعقيدات الإدارية، وعدم الاستقرار السياسي، مؤكداً أنه أدى إلى وصول السودان لمرتبة متأخرة في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، بشكل سيدفع بعض المستثمرين الوطنيين والأجانب إلى تبني مواقف حذرة إزاء الدخول للسوق السوداني.
الحاجة لمُساعدات
ويشير د. هيثم إلى أنّ الأزمات الاقتصادية تسبّبت في التراجع المستمر الذي انتاب المؤشرات الاقتصادية في تراجع مستمر لمستويات المعيشة في السودان، موضحاً أن بيانات منظمة الأمم المتحدة تشير إلى أن نحو 46.5% من السكان يعيشون دون خط الفقر الوطني، وأن نحو 52.4% منهم يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، وأقر بأن الحكومة الانتقالية في حاجة لمساعدات كبيرة وعاجلة من العالم الخارجي، سواء من منظمات اقتصادية دولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين، أو من الدول الأخرى، مُستبعداً أن تتمكّن من إنجاز مهامها الثقيلة من دون ذلك.
أولويات الحكومة
ويؤكد د. هيثم أن أزمة الحكومة الانتقالية تكمن في سُوء التخطيط والإدارة وعدم القدرة على ابتداع حلول وانعدام الخبرة، والتشاكس السياسي، إلى جانب عدم الاستقرار الإداري لدولاب الدولة، فنشهد تعديلات وتغييرات للمناصب الحكومية بصورة مُلفتة للنظر، مبيناً أن أولويات الحكومة تختلف عن المواطن، وقال إنها تركز جهدها على قضايا السلام والأمن والحركات المسلحة، والرضاء السياسي ويتم الصرف على هذه البنود بشكل أعلى من الصرف على الخدمات.
هروب مُستثمرين
يرى الباحث والخبير الاقتصادي د. الفاتح عثمان، أن مخرج الأزمات الاقتصادية في السودان يكمن في زيادة الإنتاج، وقال لــ”الصيحة”, إن هذا الإنتاج يتطلب تمويلاً دولياً واستثمارات دولية وسياسات اقتصادية جاذبة للإنتاج، مُبدياً تشاؤمه قائلاً لا يبدو إلى الآن وجود ضوء في آخر النفق بخصوص الاستثمارات الدولية، وأضاف الملاحظ بأن هناك هروباً كبيراً للمستثمرين الأجانب بسبب الركود التضخُّمي الذي تعاني منه البلاد.
عوائق الاقتصاد
ويشير استاذ الاقتصاد بجامعة النيلين، مزمل الضي إلى أن البلاد اقتصادياً وسياسياً أصبحت في تردٍ شديد وعدم وجود الرؤية في ذلك، وقال لــ”الصيحة” إن ذلك كله بسبب عدم الاستقرار السياسي والذي أدى إلى مشاكل الاقتصاد وانخفاض مُعدّل دخل الأفراد، مضيفاً أنه ناتج عن السياسات الأخيرة التي اُتّبعت ضمن سياسات الإصلاح عبر البنك الدولي والمنظمات الدولية، بتحرير السلع والخدمات “الوقود، الخُبز والكهرباء”, ويضيف بأنهم يعتبرونها سياسات إصلاح التشوُّهات الاقتصادية في السودان، ويرى العباس أن أثرها كان سلبياً وهو ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم والذي نتج عن شح النقد الأجنبي، قاطعاً أنه ادى إلى ارتفاع الأسعار والعُملات الصعبة، وبدوره أدى إلى مشاكل ارتفاع تكاليف الإعاشة والتي تمثلت في عبء الإعالة، وأوضح أن من كان يعول من 5 إلى 6 أفراد من الأسرة في الوقت الراهن لا يستطيع بدخله الموجود أن يكفي الأسرة.
خلل تحرير الاقتصاد
ويقول العباس, إن ارتفاع تكاليف المعيشة أدى إلى انفلات الأمن، وبرّر ذلك لأن أي نوع من البطالة وانخفاض الدخل لبعض ضعاف النفوس يبحثون عن مَخرج لهذه الأزمة, وبالتالي يخلق نوعاً من عدم الاستقرار الأمني ومن ثَمّ السياسي, ومن ثم الاقتصادي، ويضيف بأن من أسباب الأزمة الاقتصادية جشع التجار وهو ناتجٌ عن فهمهم الخاطئ لعملية التحرير الاقتصادي أو حرية السوق، وأوضح أن حرية السوق في دول الغرب تعمل بحسب العرض والطلب, وفي السودان تجار (جملة وتجزئة) يعتقدون أنها تعني البيع كما يشاء بالسعر الذي يُحدِّده ويطلبه، ويزيد العباس أن الشجع أيضاً ناتج عن الوسطاء “الطفيليين” في الوسط أو ما يسمى باقتصاد الظل، قائلاً إن هنالك وسيطاً بين تاجر صاحب المصنع وتاجر الجملة وتاجر التجزئة، مشيراً إلى أن الوسيط يرفع من الأسعار لمصلحته وتؤثر تأثيرا سلبيا على المواطن.
ضبط الأسعار
ويلفت مزمل إلى أن كل هذه النقاط التي ذكرها تُشير إلى الراهن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، سيما التفكك الأسري وارتفاع نسب الطلاق والتشرُّد والبطالة، مؤكداً أن كل هذه النقاط ناتجة عن التشوُّهات الهيكلية للاقتصاد، ويرى أن حلول ذلك كثيرة, ضمنها أنه يجب على الدولة أن تعمل على ضبط الأسعار، موضحاً أن عليها أن تعمل بحرية السوق, لكن بضبط الأسعار عن طريق المنتج، مبيناً أن أي سلعة خارجة من المنتج أو أي جهة يجب وضع سعر المنتج وربح التاجر، وطالب بضرورة توحيد الأسعار في كل الولايات، وقال لا يُعقل أن يكون سعر سلعة في إحدى الولايات بــ400 وأخرى بــ500 والأخرى بــ600 جنيه، ويزيد بأن توحيد الأسعار ربما يؤثر في بعض المشاكل في النقل من ولاية لأخرى في النقل والخدمات, لجهة أن السودان لا يستخدم السكك الحديدية كبقية الدول، وطالب بتقريب الأسعار بين ولاية وأخرى، مُضيفاً أن المشاكل تُحل بالدعم الحكومي ومُراقبة الأسواق.
جوهر القضايا
وقطع المهتم بالشؤون الاقتصادية وعضو لجان اقتصادية سابق، علي الشيخ لـ”الصيحة” أن قضايا الاقتصاد وأزمات البلاد هي تداعيات للواقع السياسي, خاصةً عند الفشل في مخاطبة جوهر القضايا، إضافة إلى الابتعاد عن مقاصد الحفاظ على استراتيجية الأمن القومي، وقال إن الاقتصاد من ركائز الدولة الأساسية، مضيفاً بأن علة الممارسة السياسية في بلادنا هي النخب، وزاد بالقول: كان لا بد من اعتلال واختلال موازين التنمية ومواردها، وبرر ذلك لأنها تأتي عندهم في ذيل الاهتمامات.
تعقيدات سياسية
وأقرّ الشيخ بأن السودان لا يعاني من مشكل اقتصادي، وتتوفر فيه كل موارد ومصادر تقويته وارتفاع شأنه، وقال إننا عاجزون عن تفسير معنى الوطنية خاصة في عمق العقول التي تهتم بالسلطة لتحقيق أهدافها الخاصة ويغلب عليها طابع الاستجداء للغريب بالتقوى بمصادر الدولة على القريب في معركة “موهومة” بحسب قوله، وتابع في ظل التقاطعات وتطورات الصراع تناست تلك النخب بأن هذا الوطن ثريٌّ إلى حد جعل إحساسهم بالمعاناة معزولاً عن الواقع.
ضُغُوط المعيشة
ويرى أن المقارنة تنعدم في معيشة الإنسان بين أمسه القريب ويومه الحالي، مؤكداً بأنه أفرز الزخم واللا مبالاة في الشارع العام، لافتاً إلى أن هذا الشارع أصبح غير معني بما يدور لأنه منشغل بحاجته اليومية، ونفى أن يكون قطار التعليم متوقف بأسباب سياسية، قاطعاً بأن أسبابه تتعلق بضغوط الأسر المعيشية وتلبية متطلبات التعليم.
موارد ضائعة
وأبدى تشاؤمه لوجود السودان في منطقة التقاطع المصلحي للغير والغير، موضحاً بأن هنالك دولاً تتحرّك بالعبث بإرادة وقرار ومصالح السودان وتسيطر على كل مفاصله، وبرر ذلك لعدم وجود من يحث على الإنتاج بالرغم من توافر الموارد والطاقات، مبدياً أسفه قائلاً إن مواردنا تُسرق وتُباع في أسواق العالم، وطالب في ختام حديثه بالبحث عن مصلحة السودان, لجهة أن المصلحة تصنع الكثير من الأشياء.