منى أبو زيد تكتب :وقع الحافر على الحافر ..!
22ديسمبر2021م
“الأدب هو موهبة أن نحكي حكايتنا الخاصة كما لو كانت تخص آخرين، وأن نحكي حكايات الآخرين كما لو كانت حكايتنا الخاصة”.. أورهان باموق..!
لاحظتُ افتتان “ماركيز” الواضح برواية “بيت الجميلات النائمات” للكاتب الياباني “ياسوناري كاواباتا” في أحد مقالاته المضمنة في كتابه “كيف تكتب الرواية”، وكيف أنها قد خلبت به وصفعت روحه. ثم لاحظتُ ذلك في مقال “طائرة الحسناء النائمة” الذي حدثنا فيه عن شابة جميلة جلست في المقعد المجاور لمقعده في أثناء رحلة جوية طويلة، كانت الحسناء خلالها نائمة بعمق، منذ لحظة الإقلاع وحتى هبوط الطائرة. وكيف كان هو يتأمل في نومتها تلك – طوال ثماني ساعات – متذكراً رواية “بيت الجميلات النائمات”..!
بعد قراءة “ذاكرة غانياتي الحزينات” لماركيز، لاحظتُ – أيضاً – ذلك الشبه الغريب بينها والرواية اليابانية، فبيت الجميلات النائمات لكاواباتا تدور أحداثها في بيت غريب بإحدى ضواحي طوكيو يأتي إليه الرجال البرجوازيون الطاعنون في السن ويدفعون مبالغ باهظة من المال ليشبعوا عيونهم بتأمل أجمل فتيات المدينة وهُنَّ نائمات. يتأملون في تلك الأجساد النائمة طوال الليل، ثم ينصرفون..!
و”ذاكرة غانياتي الحزينات” لماركيز بطلها رجل طاعن في السن، يكتب مقالات أسبوعية لصحيفة محلية، يحتفل ببلوغه التسعين من العمر بطريقة غريبة، حيث يقضي ليلة عيد ميلاده في تأمل فتاة جميلة نائمة، ومنذ تلك الليلة يصبح عاشقاً لتلك الفتاة وتتحول مواضيع عموده الأسبوعي إلى رسائل عاطفية فيقبل عليها قراء الصحيفة بنهم كبير..!
لاحظتُ ثم قلتُ في نفسي لعل ماركيز قد وقع أسيراً لسحر الرواية اليابانية فسيطرت عليه وملأت روحه تماماً حتى فاضت بعض ملامحها على أوراقه الخاصة، ويبدو أن قراء كثرا قد فعلوا، ومن ذلك ما قرأته – في إحدى الإصدارات الأدبية – لكاتب سوري يقارن بين الروايتين، ويتحدث عن سوء نية مبيَّت من قبل ماركيز لتضليل القراء وصرف أنظارهم عن انتحاله الأدبي لرواية كاواباتا، ويسمِّي ذلك أطول مؤامرة في التاريخ..!
فماركيز – بحسب رأي كاتب المقال – كان يتحدث في كل مناسبة “مقالات.. حوارات.. مذكرات” عن علاقته برواية “بيت الجميلات النائمات”، ليضلل القارئ ويبعد الشبهة عن نفسه بالمزيد من الاقتراب. ويستدل الكاتب برواية “أهالي أوبابا” للكاتب الإسباني “برناردو أتشاغا” التي أفرد فيها فصلاً خاصاً لتعليم السرقة الأدبية “أفضل طريقة لانتحال أي عمل أدبي هي أن تسرق في وضح النهار، أن تُضمِّن نصك تحية للمعلم الذي تنتحل منه، أو أن تختار مقطعاً من نصه ليتصدر نصك. عندها سيتعامل الجميع معك كتلميذ وفيّ، معجب بأستاذه وليس لصاً منتحلاً”..!
بينما – في الحقيقة – لا يوجد كاتبٌ في التاريخ لم يتأثر بعمل أو منهج أدبي لكاتب عاصره أو سبقه. ثم أن وقع الحافر على الحافر أمر يحدث كثيراً في مناخات الفن والأدب، بدليل توارد الأفكار بيننا وكاتب ذلك المقال بشأن تكرار ماركيز للحديث عن رواية كاواباتا، ثم تطابقها – أيضاً – بشأن أوجه الشبه بين الروايتين. وإن بقيت رؤانا مُتباعدة بشأن المبررات الموضوعية لوقع الحَافِرَيْن..!