تقرير: فرح أمبدة
لا يزال الوضع الأمني العام في دارفور وجنوب كردفان وغرب كردفان مُتوتِّراً ومُتقلِّباً في مُجمله، ولأكثر من شهر ونصف، برغم الجهود التي ظلّت تبذلها السلطات المحلية والجهود الأهلية، فقد تحوّلت مناطق أبو جبيهة في جنوب كردفان، والنهود في غرب كردفان، والجنينة والفاشر في غرب وشمال دارفور، وبلدات وقرى أخرى إلى “موائل” تعج بالفارين والنازحين، ومنهم من عبر الحدود إلى تشاد، تزامنت هذه النزاعات مع مواسم الحصاد في مناطق تميزت بإنتاج الحبوب، ما قد يلقي بتأثيراته على الوضع الغذائي في عمومياته.
خلّف النزاع في الولايات الأربع ما يقارب الـ350 قتيلاً وأكثر من نصف مليون نازح ولاجئ، وكشف عن خلل أمني كبير، خاصةً في المناطق البينية والفلاء، بل وصل الأمر أن طال حواضر الولايات، مثلما حدث في الفاشر والجنينة.
قبل أيام، أعلنت لجنة أطباء السودان، عن أن حصيلة جديدة للاقتتال القبلي في ولايات “غرب وجنوب ووسط إقليم دارفور”, حيث بلغت 199 قتيلاً منذ أكتوبر الماضي، مشيرةً إلى أن هذه الأرقام للضحايا الذين أحضروا للمرافق الصحية بالإقليم، وأن الظروف الأمنية حَالَت وتحُول دُون وصول أعداد أخرى من المُتأثِّرين إلى المستشفيات والمرافق الصحية.
علاج متأخر
مؤخراً، أُعلن عن تكوين قوى أمنية مشتركة من 3500 عنصر، تضم الجيش والدعم السريع ومُمثلين للحركات المسلحة، نُص عليها في اتفاق جوبا للسلام، وينتظر أن يتم نشرها في دارفور بولاياته الخمس, مع التركيز على المناطق التي شهدت وتشهد هشاشة أمنية، في غضون أسابيع.
بنظر مراقبين، يُعد نشر قوات بهذا الحجم في دارفور قد يؤدي إلى لجم الأوضاع الأمنية، ورغم كون القرار جاء متأخراً، إلا أنه يُشكِّل رادعاً لمزيد من الصراعات. أما فيما يخص ولايات كردفان، فقد ترك أمرها للسطات المحلية ولحكمة رجالات الإدارة الأهلية.
صراع موارد
العنف الذي تشهده الولايات التي يتزاوج اقتصادها بين الرعي والزراعة، عادةً ما يكون بسبب التكالب على الموارد، يقول الباحث الإنثربولجي، حافظ حمدان لـ”الصيحة”، النزاعات القبلية في دارفور وفي كردفان ومناطق أخرى من السودان مثل النيل الأزرق والشرق، يرجع أساسها الى الموارد، إذ أن الثروات الحيوانية تضاعفت خلال العقود الأخيرة، وتمدّدت في المقابل المساحات الزراعية، وتحوّلت الأرض الى مسرح للقتال بين الرُّحّل مالكي الثروة الحيوانية والمُزارعين، وتتكدّس المدن والبلدات الآمنة بالنازحين.
يقول بيان لمنظمة الهجرة الدولية تلقّته “الصيحة”: هناك زيادة في العنف بولايات الغرب في دارفور وكردفان، نتيجةً للصراع بين المجتمعات المحلية على الموارد الطبيعية, بما في ذلك الصراع بين البدو والمُزارعين، خَاصّةً مناطق في غرب وشمال دارفور ومنطقة أبو جبيهة في جنوب كردفان والنهود في غرب كردفان. ووفق البيان، نزح أكثر من 83000 شخص بسبب الصراع بين القبائل في وسط وشمال وغرب دارفور ونزح الآلاف في جنوب وغرب كردفان منذ أكتوبر الماضي.
وسط دارفور
في وسط دارفور، وفي أعقاب القتال بين جيش تحرير السودان “فصيل عبد الواحد” وجيش تحرير السودان “فصيل مبارك الدوك”، منتصف نوفمبر، نزح حوالي 2500 شخص إلى مواقع تجمع النازحين في صبنجا وتوجا بجبل مرة، كما فر أكثر من 3600 شخص في محلية أزوم في 9 ديسمبر، عقب النزاع القبلي بين الرُّحّل والمزارعين، كما نزح حوالي 2500 شخص من الصراع في محلية وادي صالح، حيث انتقل الفارون إلى أربع وجهات مختلفة، المجموعة الأولى عبرت الحدود باتجاه تشاد، والثانية انتقلت إلى أم جوكوتي بوادي صالح، والثالثة انتقلت إلى جوكوما، أما المجموعة الرابعة ففرّت إلى فور بارنقا بولاية غرب دارفور.
شمال دارفور
في ولاية شمال دارفور، نزح نحو 840 شخصاً إلى مخيم رواندا للنازحين جرّاء الهجوم على قرية وارة فتة بمحلية طويلة في 6 ديسمبر، ووفقًا لتقرير من المنظمة الدولية للهجرة، تصاعد التوتر بعد مقُتل شخص واحد حوالي معسكر زمزم التابع لمحلية الفاشر، وحدث اشتباكٌ في قرية الهشابة (على بُعد حوالي 20 كلم جنوب غرب مدينة الفاشر) من قِبل مجموعة مسلحة مجهولة، ممّا أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة ثلاثة بجروح، وقام مُناصرون للضحايا بحرق سبع قُرى في منطقة جلاب بمحلية طويلة انتقاماً من عمليات القتل.
غرب دارفور
في ولاية غرب دارفور، نزح حوالي 700 شخص بسبب الصراع في محلية سربا في 10 ديسمبر، حيث قُتل رجل ينتمي لإحدى قبائل المنطقة، ورداً على ذلك تجمّع مسلحون قرب القرية وهدّدوا بحرقها, ونتيجة لذلك نزح سكانها البالغ عددهم 700 الى قرية هرارا تيمان وراجاغا في محلية سربا.
وحسب مفوضية العون الإنساني الحكومية (HAC) في سربا، إنّ حوالي 465 عائلة في قرية بيرداج و600 عائلة في قرية كوندوبي لم تتمكن من حصد محاصيلهم, لأنّ مزارعهم دُمِّرت بسبب الماشية التي يمتلكها البدو.
وقبل أسابيع نزح أكثر من 9100 شخص بسبب الصراع بين القبائل في جبل مون خاصة حوالي خزان كجوك، وفرّ سكان المنطقة الى كل من هجيليجا وسيليا في محلية جبل مون، ويريويري في محلية كولبوس، ووروف بمحلية سربا ومنطقة سرف عمرة بشمال دارفور، لكن الأوضاع آخذة في التهدئة بعد توقيع اتفاق بين قادة قبيلة المسيرية جبل والقبائل العربية مؤخرًا، تضمن الاتفاق على وقف الأعمال العدائية، وتم فتح الطرق المؤدية إلى سربا وجبل مون، وبدأت الشاحنات التجارية تتنقل من آغ جينينا إلى جبل مون.
أما في محلية كيرينيك، فقد تضرّر ما يصل إلى 58000 شخص، ونزح الآلاف إلى مواقع مختلفة حول بلدة كيرينيك، في أعقاب الاشتباكات القبلية في عدة مناطق، ووفقًا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، قُتل في هذا النزاع ما لا يقل عن 47 شخصًا وأُصيب 45 شخصًا بجروح خلال هذه النزاعات.
جنوب كردفان
أدى الصراع في ولاية جنوب كردفان إلى نزوح ما يقرب من 15000 شخص في منطقة أبو جبيهة في 30 نوفمبر، حيث أدى مقتل اثنين من رجال قبيلة كنانة على يد مجموعة يُشتبه في أنّها من قبيلة الحوازمة إلى أعمال انتقامية بين القبيلتين، وانتهى النزاع إلى مقتل ستة أشخاص على الأقل وجُرح 14 ونزح حوالي 15000 شخص (3000 أسرة)، لكن السلطات المحلية فرضت حظر التجوال في البلدة ونشرت قوات الدعم السريع، وبرغم ذلك، أفادت تقارير إلى وجود حشد من رجال القبائل لمزيد من الصراع.
وفي منطقة كالوجي بمحلية أبو جبيهة، اندلع صراع آخر على ملكية أرض بين مجموعة من القبائل (نوبة لوجنان، كنانة وكواحلة) ضد قبيلة الحوازمة في 5 يونيو، تسبّب في نزوح أكثر من 10 آلاف و700 شخص من منطقة كالوجي إلى محليات الليري والرشاد والعباسية، ووفقًا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، قُتل في هذا النزاع حوالي 41 شخصًا وأصيب 24 آخرون.
غرب كردفان
في 5 ديسمبر، اندلعت اشتباكات بين قبائل المناصرة وقبائل الحَمر بسبب سرقة ممتلكات في قرية بياض بمحلية النهود. وأشارت التقارير إلى مقتل ما لا يقل عن 9 أشخاص وإصابة 16 آخرين وأُحرقت عدة قرى خلال النزاع، وتقدّر المنظمة الدولية للهجرة أن ما يصل إلى 1550 شخصًا (ما بين 50 الى 250 أسرة) قد نزحوا إلى بلدة النهود, وأن 18 شخصًا على الأقل قُتلوا وأُصيب 11.