نقر الأصابع
سراج الدين مصطفى
محمد الأمين .. فنان الثورات!!
من المؤكد أن الله سبحانه وتعالى وهب لكل إنسان وسيلة للتعبير عن مشاعره ومكنوناته .. مما جعله تختلف من إنسان لآخر .. كحال الحياة عموماً تقوم على فكرة الاختلاف .. فأحياناً تتطابق وفي أحايين كثيرة تختلف .. فهناك من وهبه الله موهبة (الرسم) كأداة للتعبير وهناك من يكتب ويلحن ويكتب الشعر ومن يغني حتى .. فكلها طرائق للتعبير ليست بالضرورة أن نجبر الآخرين ليكونوا بذات طريقتنا في توصيل مشاعرنا.
ذكرت ذلك وفي ذهني حادثة معينة حدثت أيام الاعتصام القيادة حينما رفض بعض الشباب أن يتغنى الفنان الكبير محمد الأمين في أرض الاعتصام وكان مبرّرهم وقتها أنّ محمد الأمين لم يخرج مع المتظاهرين في الشارع ضد نظام عمر البشير.
على المستوى الشخصي، رفضت ذلك النهج والسلوك من قِبل بعض الشباب ليس لحبي لمحمد الأمين, وأبديت رأيي صراحة في ذلك الموقف، وقلت لهم إن المتاريس التي في الشوارع كان استلهامها الأول من أغنية محمد الأمين (المتاريس) التي كتبها الشاعر دكتور مبارك حسن خليفة ولحّنها الموسيقار الراحل مكي سيد أحمد .. والرجل اُعتقل مرات كثيرة وفي عهود كل الأنظمة الحاكمة حتى نظام البشير لم يسلم منه وظل بعيداً في القاهرة بسبب المُضايقات التي تعرّض لها .. كما ذكرت لهم أن الثورة لن تكسب شيئاً اذا خسرت فنانا بقامة محمد الأمين .. ولعل الرجل وهو في هذه السن المتقدمة ليس من العقل في شئ أن نطلب منه أن يخرج للشارع مثل الشباب.
وبتقديري أن محمد الأمين يستطيع التعبير عن مشاعره نحو الثورة بالغناء وليس الخروج للشارع .. وهنا يتجلى المعنى الحقيقي لاختلاف طرائق التعبير .. وإيمان محمد الأمين بالمبادئ والوطن ظهر باكراً في مشروعه الغنائي .. وثورة اكتوبر والتي انفجرت العام 1964م كانت هي انطلاقة للشعب السوداني وانطلاقة لمحمد الأمين ، ففي الاحتفال الكبير الذي اُقيم بمدني بمناسبة ثورة اكتوبر وحضره عدد كبير من المسؤولين واذاعة ام درمان وعدد كبير من المطربين من بينهم الفنان محمد وردي، هذا الحفل والمناسبة الوطنية أوضحت جانبا مهما للغاية في مسيرة محمد الأمين الإبداعية وبينت بأنه مبدع يربط فنه ويستلهمه من تفاعله وارتباطه بمجتمعه وما يدور فيه، فقدم (نشيد أكتوبر 21) الذي صاغ كلماته فضل الله محمد وهو طالبٌ بجامعة الخرطوم، كما صاحب الفنان محمد وردي بالعزف على العود في نشيد اصبح الصبح.
وبمناسبة الذكرى الثانية لثورة اكتوبر قدم محمد الأمين نشيد (الانطلاقة) من كلمات الشاعر فضل الله محمد، وفي عام 1966 – 1967م أكد محمد الامين بوطنيته وانتمائه الى شعبه الذي استلهم منه الكثير في تكوين شخصيته الإبداعية وهذا واضحٌ من خلال لحن قصة ثورة أو (الملحمة) والتي قام بكتابة الكلمات الشاعر هاشم صديق.
واصل محمد الامين في إبداعه وارتباطه بوطنه وتفاعله معه بإحساس المبدع الأصيل فظهرت بعد ذلك اناشيد وطنية متعددة ومرتبطة بمناسبات ونضالات قومية مما قاد لاعتقاله هو وزميله الفنان محمد وردي في العام 1971م، ومن هذه الأناشيد (المبادئ) فضل الله محمد، (السودان الوطن الواحد) محجوب شريف، (المتاريس، أداء مبارك حسن خليفة), (تحية اكتوبر) محجوب شريف، (مساجينك) محجوب شريف، (لقاء العاملين) و(ابل الرحيل) عبد الباسط سبدرات.
وهكذا ومن خلال تلك التجارب الوطنية أصبح محمد الأمين في داخل كل سوداني حمل هموم وطنه ومعاناة شعبه، وزاد الناس معرفة بالفنان محمد الأمين من خلال ما قدّمه من أغنيات وطنية.
من المؤكد أنّ هنالك علامات في مسيرة الغناء والموسيقى في السودان منذ كرومة وسرور ثم الكاشف بعد ذلك كلهم اجتهدوا بلا شك وأسهموا وأضافوا, ولكن أنا شخصياً أقولها بملء فمي إن الانقلاب الحقيقي في الموسيقى والغناء بعد الكاشف تم على يديَ محمد الأمين.