المجلس العسكري وقوى التغيير.. تكتيكات الحاضر ومخاوف المُستقبل

الخرطوم: مريم أبشر

في خطوةٍ خلّفت عبرها قدراً من الإحباط العام على الشعب السوداني وجُموع المراقبين بالداخل والخارج، أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان – في وقت ارتفعت فيه سقوفات التطلُّع لوضعٍ رحيبٍ وأفضل -، تعليق جلسات التفاوُض بين المجلس وقوى إعلان الحُرية والتّغيير لـ(72) ساعة، تلك الجولة المَوصوفة بالحَاسمة، وكان   مُقرّراً لها في التّاسعة من مساء أمس الأول بالقَصر الجمهوري، ظَلّ الجَميع يترقّبها وينتظرها بشَغفٍ، وعَلى وجه الخُصُوص المُعتصمون أمام بوابات القيادة العامة، وكان ينتظر أن تكون أخيرة وحاسمة، غير أنّ التعليق زاد من مساحات انسداد الأُفق والإحباط العام للشعب المَغلوب على أمرهِ ويترقّب غداً أرحب.

رئيس المجلس العسكري رهن العودة لطاولة المُفاوضات، لحين رفع كُل المَتاريس التي وضعها المُعتصمون خارج مُحيط القيادة، فضلاً عن إفساح المجال أمام الكبارى والطرق والمسارات لتصريف حياة الناس، التي يرى المجلس أنّها تَعَطّلَت كثيراً بسبب الازدحام وتكدُّس العربات والمركبات، وأدت لتذمُّر شعبي واسع.. برّر البُرهان أيَضاً تعليق المُفاوضات مع قُوى التّغيير لتهيئة ما وصفه بالمناخ الملائم لإكمال الاتّفاق، ولفت إلى أنّ المجلس قرّر أيضاً إزالة جميع المتاريس خارج منطقة القيادة المقر المُعترف به للاعتصام، بجانب فتح السكة حديد لإمداد الولايات التي تضرّرت كثيراً وفق البيان بسبب شُح المواد التموينية، فضلاً عن وقف التصعيد الإعلامي وخلق مناخ يؤمن الشراكة الحَقيقيّة لاجتياز المَرحلة الحَرجة من تاريخ البِلاد، مع الأخذ في الاعتبار وقف عمليات الاستفزاز والتّصعيد ضد القوات النظامية “القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة والأمن”، التي تعمل على حماية الثورة والمُواطنين.

عدم الثقة

تعليق جولة التّفاوُض بين قُوى إعلان الحُرية والتّغيير والمجلس، الذي جاء هذه المَرّة من قِبل المجلس الانتقالي، في وقتٍ كَانَ قد شدّدت فيه قوى الحرية في الجولة التي سبقتها وأحرز الطرفان فيها تقدُّماً، على إمهال المجلس (72) ساعة لحسم الملفات، يُشير إلى أنّ حالات المد والجذب التي تسود بين طرفي التفاوُض قد تكون أكبر عائقٍ في ظل عدم الثقة وتبادُل الاتّهامات للخُرُوج من المرحلة الراهنة في تاريخ البلاد بعد سُقُوط نظام الإنقاذ ومُرور أكثر من شهرٍ، وتزال المُماحكات بين الأطراف سيدة الموقف.

في رأي البروفيسور حسن الساعوري، أنّ الجولة التي سَبَقَت جولة التّعليق، وأحدث الطرفان فيها تقدُّماً ملحوظاً وخرجا من القاعة يداً بيدٍ، لم تكن قد أسّست وأرست دعائم حقيقيّة للتعاون والعمل المُشترك، رغماً عن أنّها نَجَحَت في تَخَطِّي عَقبات كَبيرة في هياكل الحكم والإدارة للمرحلة الانتقاليّة، ويضيف الساعوري في حديثه لـ(الصيحة) قائلاً: يبدو أنّ هنالك حواجز وعدم ثقة واضح، وأن كل طرف يتّهم الطرف الآخر، لافتاً إلى أن الأجواء الموتورة دخلها عاملٌ جديدٌ هو إطلاق الرصاص الحي على المُعتصمين في مُحيط القيادة، أو في الشوارع التي تَمَدّدَ فيها المُعتصمون لا يعرف حتى الآن من أطلقه!! في وقتٍ أعلن فيه عن تشكيل لجنة للتقصي وكان يُفترض أن تجرى التّحريات والدراسات اللازمة لمَعرفة ماهية مَن أطلق الرصاص، ولكنّها لم تفعل ولم تُعلن عن الجهة التي أطلقت الرصاص، في ظِل اتّهامات من قِبل المُعتصمين لقوات الدعم السريع، تبرّأت قيادة الدعم السريع منه، واتّهمت من أسمتهم بالطرف الآخر والمُندس، فيما سمى المجلس العسكري انّ مندسين وراء إطلاق الرصاص لخلق الفتنه بينه وقُوى الحُرية والتغيير، وقال  الساعوري إنّ عدم كشف من تسبّب في إطلاق الرصاص يوم الاثنين الماضي على المُعتصمين في مُحيط القيادة، أسهم في تكرار العملية، وبالتالي دفع المعتصمين لزيادة رقعة اعتصامهم وإغلاق بعض الشوارع الرئيسية كرد فعلٍ .

تحذير

وحذّر مُراقبون، طرفي المشهد الراهن المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، من أنّ عدم التعاون والشراكة بينهما لحسم الأوضاع والخروج بالبلاد من هذه الوهدة قد يقود إلى ما لا يُحمد عقباه، واعتبر الساعوري إرساء دعائم التعاون والشراكة بين الطرفين ضَرورة في المَرحلة الحالية، في ظل اتّهامات هنا وهناك بأنّ أطرافاً أخرى بدأت تدخل في حلبة الصراع وتسعى لتعقيد المشهد، ويُشير الساعوري إلى أنّ هنالك اتّهامات لبعض منسوبي الحركات المُسلحة التي شاركت ووقّعت في نداء السودان وكانت جُزءاً من الحراك الثوري هي من أقدمت على تعكير الأجواء بإطلاق الرَّصاص، لجهة أنّ تِلك الحَرَكات وفقاً للسّاعوري لديها ثَأرٌ قَديمٌ على قائد وقوات الدعم السّريع الذي هزمها في الميدان، وأنّ وجوده حالياً في الخرطوم مع تولي قائدها منصب الرجل الثاني في المجلس العسكري ربما حرّك في أنفسهم مساحةً للانتقام .

المربع الأول

برؤية مُراقبين، يعتبر ما حدث أمس الأول من تعليق وشد جذب بين طرفي التفاوُض بعد خطواتٍ مُتقدِّمةٍ استبشر بها الناس، قد أرجع العملية برمتها الى المربع الأول، واعتبروا أن فُقدان التعاون وعدم الشراكة بين المجلس الانتقالي وقُوى إعلان الحُرية والتّغيير قد يدفع البلاد نحو حربٍ أهلية، خَاصّةً وأنّ هُنالك اتّهامات من قِبل بَعض القُوى السِّياسيَّة الأخرى بأنّ هناك نَهجاً مُتعمِّداً بالإقصاء تُمارسة قُوى التّغيير، وأشاروا إلى أنّ هنالك حركات مُسلّحة وقّعت اتفاقيات وعَادَت مُفضّلةً المُعارضة من الداخل بعد أن تَوصّلت لسلامٍ مشروطٍ، يرون أنّ كل ما قاموا به غير مُقدّر من قِبل قُوى التغيير، وأنّهم أصبحوا خارج الصُّورة، وقُوى حزبية أخرى ترى أنّها مَارَسَت المُعارضة من الداخل وأنّ ما قاموا به غير مُقدّرٍ، ولم يستبعد الساعوري أن يُواجه النظام الجديد بعد تشكيل هياكله مُعارضة شرسة وعريضة منذ ضربة البداية، ومن غير البعيد أن تلجأ تلك القوى لذات الأسلوب الذي اتبعه في الحشود والتّظاهرات والتوترات التي لا يُحمد عقباه وقد تجر البلاد إلى حرب أهلية .

تَوتُّر خلاق

على عكس من رأي أنّ في ما حدث ردة فعل وتراجعاً، اعتبر مُحلِّل سياسي ما جرى من تعليقٍ يبدو للمُواطن العادي توتراً بين المجلس وقوى التغيير، هو عبارة عن تَوتُّر خلاق سيدفع بالأطراف لمزيد من العمل لتجاوُز الحالة الراهنة التي ليس مسؤولين عنها، وإنما مسؤول عنها نظام كامل جَثَمَ على البلد لثلاثة عُقُودٍ، فضلاً عن تعقيدات إقليميّة ودوليّة.
ويعتقد المُحَلِّل السِّياسي عبد الله آدم خاطر أنّه لا تُوجد مُشكلة بين الطرفين، وأنّ كلاهما حريص على المُضي قُدُماً، مُعتبراً أنّ التوتُّر جاء نتيجة لوضع المتاريس المُتّفق أن تكون في حدود مُحيط القيادة، فَضلاً عن عدم استفزاز الأجهزة الرسمية النظامية، وأبدى ارتياحه لحالة الاستجابة التي أبداها المُعتصمون لقيادات قوى التغيير في إزالة المتاريس، وأضاف خاطر لـ (الصيحة) أنّ الشعب السُّوداني عظيمٌ يستحق أن يُضحِّي من أجل الحُرية والسَّلام والعَدَالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى