تقرير: صلاح مختار
عَدَدٌ مِنَ القَادَة السِّياسيينَ أجمَعُوا على أنّ الشّارع السُّوداني يعيش أزمة انقسام حادّة جراء تبايُن وجهات النظر وتعقيد المشهد بشأن مُستقبل المرحلة الانتقالية، ولأن البحث عن مخرج كان وجه الشبه في الخلاف بين القوى السياسية والشارع العام، فإن آثاره كانت واضحة في فشل الحكومة الأولى وعدم إعلان الثانية حتى الآن، وهو ما انعكس على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي يجد نفسه منازعاً بين الاستماع لصوت الشارع وبين الخلافات القائمة بين قطبي قوى الحرية والتغيير.. إذن ماذا سيكون عليه المشهد السياسي ما قبل الاحتفال بذكرى الثورة في (19) ديسمبر المقبل وبعده, هنالك ضبابية في الرؤية والطرح أين يكمن المخرج..؟
لاءات ثلاثة
من الواضح أنّ أطراف المشهد السياسي كل متمسك بموقفه، وأن الصراع هو القاسم المشترك بينها والمُهمين على الدولة الذي أثّر حتى على أدائها، ورغم ان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عزا في تغريدة، تأخير إعلان حكومته الى المشاورات التي تجريها القوى السياسية فيما بينها، إلا أنّ الشاهد أيضاً أن خلافات طاحنة بدت عقب الحديث عن إعلان سياسي جديد، بجانب العمل الذي يقوم به حمدوك لتوسيع مبادرته لجمع اكبر قوى سياسية حول الميثاق الجديد.
في مقابل ذلك، ترفض قوى اخرى بشدة ذلك الميثاق أو الاتفاق الذي وُقِّع بين البرهان رئيس المجلس السيادي وحمدوك، وبدأت اللاءات الثلاثة “لا تفاوض ولا مشاركة ولا اتفاق”، مَا يزيد المشهد السياسي ضبابية بالوقوف خلف الأطروحات الصفرية.
تعقيد المشهد
ويتمحور خلاف شقي الحرية والتغيير حول هيكلة الائتلاف، مع اعتقاد بعض الجماعات المُوقّعة على اتفاق السلام, حركات دارفور المسلحة ومساري الوسط والشمال بهيمنة قوى محددة على مراكز صناعة القرار بما يستوجب إعادة الهيكلة وتوسيع المشاركة في أجهزة الحكم الانتقالي لتشمل القوى الـ79 التي مهرت وثيقة الحرية والتغيير الأولى من دون إغفال أجسام أخرى لم تُوقِّع لكنها أسهمت في النضال والثورة على النظام السابق. كلها قضايا تمثل جوهر المشهد والخلاف الذي يدور حوله.
ويرى المحلل السياسي د. أبو بكر آدم أن الشعارات التي يرفعها البعض في ذلك تزيد من تأزيم المشهد، بجانب رفض بعض القوى لكل أطروحات الحكومة وإعداد الشارع لكل الاحتمالات ووضع جدولة للحراك الثوري, كلها مشاهد تُعبِّر عن الحالة التي يتراجع فيها الوعي السياسي بالأزمة السودانية. وقال لـ(الصيحة) ان انقسام القوى السياسية وخاصّةً قوى الحرية والتغيير حول الأهداف والبرامج المطروحة من دون طرح أي مشروع في الأُفق يزيد من ضبابية المشهد السياسي الداخلي، ورأي أن الأخطر من ذلك دفع الشباب أمام أطروحات لا نهائية دون سقوفات امرٌ خطيرٌ، ودعا الى قيادة حكيمة للشارع وليس الدفع به الى متاهات غير محسوبة.
وفي المقابل، يرى البعض أن قادة المجلس المركزي للحرية والتغيير على استعداد لإجراء مُراجعات على المسائل التنظيمية في التحالف التي تُوِّجت أخيراً بإعادة الهيكلة وتوقيع ميثاق سياسي في سبتمبر الماضي بعد عودة حزب الأمة القومي إلى المنظومة، ولكن البعض يرى أن هنالك تسابقاً من بعض القوى المُشكّلة للحرية والتغيير نحو المشاركة بطريقةٍ أو بأخرى، وإن المبادرات المطروحة حتى الآن كشفت حجم الخلاف بين مكوناتها.
اعتصامٌ ورفضٌ
البعض يَتّهم الحزب الشيوعي بأنه يقف خلف التباس المشهد السياسي الداخلي بإدارته للحراك الجماهيري وتحريض الشارع على الاعتصام ورفض كل أشكال التسوية والحوار الوطني.
ويرى القيادي بالحزب الشيوعي، كمال كرار أن المشهد الحالي بالبلاد سيتغيّر تلقائياً لصالح الثورة، وستغلب الحركة الجماهيرية، وسينحاز لها شرفاء القوات المسلحة، كما حدث في ثورات أكتوبر وأبريل وديسمبر، عندما انحاز النقيب حامد وزملاؤه، وأكّد كرار أن استكمال مهام الثورة لن يتم إلا بتسيير المواكب والمتاريس والعصيان المدني الشامل وكل الطرق السلمية الأخرى. وتابع: “القِوى المُضادة للثورة من العسكريين والمُتحالفين معهم ليست لديهم قاعدة جماهيرية، ويستندون على القوة فقط في مُواجهة الجماهير”.
الخلاف الكبير
ويبدو أن رئيس المجلس السيادي الفريق اول عبد الفتاح البرهان اراد من خلال مخاطبته تخريج ضباط بأكاديمية نميري, أراد إرسال رسالة محددة قبل إعلان الحراك الجماهيري يوم (19) ديسمبر المقبل, وقال البرهان لا تراجع عن إجراءات 25 أكتوبر, وهي النقطة التي يتمحور فيها المشهد الداخلي والخلاف الكبير بين القوى السياسية سواء كانت داخل قوى الحرية والتغيير او خارجه.
ويقول مصدرٌ أمنيٌّ لـ(الصيحة) فضّل عدم ذكر اسمه، إن القضية ليست في الخلاف بين القوى السياسية، ولكن في عدم وجود طرح مقبول، وإن كل المبادرات والاتفاقات التي يعتزم الدفع بها لكسر جمود الحوار غير مقبولة لدى البعض الآخر، وأضاف: هنالك قوى تُريد إنتاج الأزمة، وثانية تُريد الحوار على علاته، وأخرى لا مع هذا أو ذاك في ظل ذلك, فإن الطرف الآخر يستعد بحشد أركانه وأطرافه لمليونية يوم الأحد المقبل في مقابل تأكيد من الحكومة والبرهان بالمضي قدماً دُون التراجُع وهو ما يُعقِّد المشهد الداخلي ولا يُمكن لأي أحد التكهن بالمخرج أو ما تؤول عليه الأحداث.
حقيقة المشهد
ويعكس الحديث الذي أدلى به القيادي بمجموعة الميثاق الوطني التوم هجو الذي وصف فيه الأوضاع الحالية بأنها أكثر من ضبابية يعكس حقيقة المشهد السوداني، ولفت هجو إلى أن هذا أمرٌ ليس بالجديد، فهو امتدادٌ لعامين من الضبابية، الأمر الذي انعكس ذلك على المواطن وأثّر في قطاعات الإنتاج بالبلاد.
وأشار هجو في حديثه لـ(السوداني) إلى أنهم أتوا لتصحيح المسار، بيد أنّهم وجدوا ذات المُماطلة، قاطعاً بأنه ستتم انتخابات مبكرة حال فشلت الحلول, وأضاف: آن الأوان للشعب السودان أن ينتبه، سيما الأغلبية الصامتة، وأن يستشعروا هذا الحال الخطير، لأنّ البلاد تتّجه الآن نحو الهاوية، وأشار هجو إلى أنّهم أتوا لتصحيح المسار، بيد أنّهم وجدوا ذات المُماطلة.