الجنائية.. تسليم البشير.. العرض مُستمرٌ
الخرطوم: آثار كامل
ما زالت المحكمة الجنائية الدولية تبحث عن تحقيق العدالة وتسليم المطلوبين السودانيين وفي مُقدِّمتهم الرئيس المعزول عمر البشير في ظل الوضع السياسي المُحتقن, ولا يزال عدد كبير من السودانيين ينشدون محاكمة المخلوع وأعوانه بلاهاي وتسليمهم للعدالة، فيما تواصل الجنائية عبر وفودها جمع الإدلة وحماية الشهود من مسارح الحوادث بدارفور من خلال زيارة المُدّعين للمحكمة الجنائية، آخرها زيارة المدعية السابقة فاتو بنسودا، وتُجرى الآن ترتيبات لزيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم اسد خان للسودان خلال الفترة القادمة، فيما لا تزال قياداتٌ بالحزب المحلول ترفض مسألة تسليم رأس الدولة السابق والآخرين وتُطالب قبل كل شئ بمعرفة مَن المُتسبِّب في الأحداث بإقليم دارفور.
حيث كانت حكومة الإنقاذ ترى أن القضية سياسية من الدرجة الأولى ولا تُوجد أي انتهاكات تمت في دارفور، ولكن جاء تسليم احد المتهمين وهو كوشيب نفسه الى لاهاي، ضربة موجعة للذين كانوا يظنون أن مطالبات الجنائية لن تستمر, وأنها ستسقط بسقوط النظام.
وتصاعدت الأحداث بعد الحديث الذي أدلى به أحمد هارون باستعداده للمُثول أمام الجنائية، وحديث بعض المَصادر بأن الحكومة الانتقالية ستعمل على تسليمه لها, ولقد ظهر ذلك جلياً في حديث مالك عقار عضو المجلس السيادي الانتقالي أمس, والذي اكد من خلاله التزام السودان بالاتفاقيات المرتبطة بالمحكمة الجنائية الدولية وتقديم التسهيلات اللازمة وفقاً للشروط والقوانين وحماية الشهود سابقاً، وينسجم تصريح عقار مع الخطوات التي قامت بها الحكومة الانتقالية المتمثلة في إجازة مجلس الوزراء لمشروع قانون نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية لتسجل الحكومة الانتقالية نقطة إيجابية في طريق العدل بعد أن سحب النظام البائد توقيعه عقب مُلاحقته ببلاغات بواسطة المحكمة الجنائية ورفضهم لتلك المحكمة المصادقة على المشروع، خاصّةً أنّ التُّهم الموجهة ضد المخلوع الرئيس السابق عمر أحمد البشير وأعوانه مرتبطة بالمواثيق الدولية التي يعتبر السودان جزءاً منها، وأنّها تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية باعتبار تلك الجرائم، وهي “الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية” مُهدِّدة للسلم والأمن الدوليين.
والثّابت أنه سبق وأعلنت الجنائية الدولية، استعدادها لمحاكمة المتورطين في الجرائم التي اُرتكبت في دارفور بمقرها في لاهاي أو الخرطوم من أجل تحقيق العدالة لضحايا الجرائم التي وُصفت بالفظيعة في الإقليم الذي شهد نزاعاً مسلحاً منذ العام 2003م.
فلاش باك
كانت المحكمة الجنائية الدولية, قد أصدرت أمرين باعتقال البشير عامي 2009 و2010، بتُهم تتعلّق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية بدارفور، بينما ظلّ الرئيس المخلوع ينفي صحة الاتّهامات، ويتّهم المحكمة بأنها مُسيّسة، وتتّهم المحكمة الجنائية أيضاً وزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، ووالي جنوب كردفان الأسبق، أحمد هارون، والزعيم القبلي، علي كوشيب، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
فتح منافذ
أكد رئيس منظمة إنهاء الإفلات من العقاب عثمان جامع في حديثه لـ(الصيحة) ان كل المدعين للمحكمة الجنائية الدولية بما في ذلك المدعي العام الجديد كريم اسد خان يحاولون لفتح منافذ مع الحكومة للتعاون، بجانب الالتقاء بالشهود وأسر الضحايا, وأضاف جامع بأن التعاون بين حكومة الفترة الانتقالية والمحكمة الجنائية الدولية يجب أن يتوّج بتسليم الأشخاص المطلوبين إلى الجنائية وذلك في إطار التواصل ما بين الحكومة والجنائية، مضيفاً بأنّ الجنائية تعمل بأقسامها المُختلفة, منها قسم حماية الشهود وقسم القضاة لتحقيق العدالة والدليل على ذلك جمع الأدلة الكافية في قضية كوشيب المتعلقة بخمس مناطق في دارفور وسوف تبدأ جلساته في أبريل المُقبل, وفتح التحقيق في قضايا اخرى، منها قضايا منطقة أبو طويلة وقضية الإقليم الذي استباح, مضيفاً بأن الإلحاح بتسليم المطلوبين للجنائية من ضمن مطالب ذوي الضحايا وتطبيقاً للعدالة لا تتم المُجاملة فيه، بعد أن تعرّضت حقوق كثير من المُتضرِّرين للضياع.
عدم جدية
قال المختص في القانون الدولي الإنساني والجنائي الأستاذ نصر الدين طه في حديثه لـ(الصيحة) ان الحكومة غير جادة في تسليم المطلوبين, ولكن الموقف الأساسي بأن الجنائية طالبت من الحكومة الالتزام لها، ولفت بأن تسليم المطلوبين للجنائية يظل ثابتا حتى ولو تغيّر المدعون، لأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادُم ستظل الجنائية هي الجهة الوحيدة المختصة بجانب رغبة الضحايا بتسليمهم, لافتاً الى ان المحاكم الجنائية طويلة وتحتاج لصبر وجمع أدلة كافية.
التحرِّي والمُراجعة
وقال المحلل السياسي محمد علي فزاري لـ(للصيحة)، انّ زيارة المدعي العام تعتبر روتينبة تأتي في إطار التحري والمراجعة فيما حدث بملف تسليم المطلوبين للجنائية في الفترة الماضية، ووضع المدعي العام كريم خان سقفاً زمنياً لتسليم هارون نهاية يوليو الماضي, ونوه بأنه ربما يريد أن يبحث مع الحكومة تأخير تسليم احمد هارون وعدد من المطلوبين والبحث عن آلية جديدة للتعاون ما بين المحكمة الجنائية والحكومة الانتقالية, وأضاف فزاري بأن التطورات الأخيرة التي حدثت في البلاد ربما أحدثت واقعاً جديداً يتطلب من المدعي الزيارة, وكان هنالك حديثٌ عن فتح مكتب بالخرطوم, ونوه بأائن تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية يُواجه الكثير من التحديات والتعقيدات خصوصاً بعد ما حدث في (25) أكتوبر.
حركات الكفاح
وأضاف فزاري بأن الواضح الآن ان حركات الكفاح المسلح تصر الآن على تسليم المطلوبين وكذلك القوى العسكرية ليس من انصار تسليمهم ربما هذا الأمر يحدث شرخاً في الشراكة الهشّة، ولكن المؤكد أن هنالك تعقيدات وتحديات لوجستية تَحُول دون تسليم المخلوع, فيما يرى المكون العسكري بأنه كان يمثل رمز السيادة وممثلاً للقيادة العسكرية التي يكن المكون العسكري الولاء لها, وهو الأمر الذي يعرقل التسليم, ولكن ربما هذا الأمر يجعل الحكومة الانتقالية تدفع الثمن غالياً, لأن التعاون ما بين كافة المنظمات رهينٌ بالتعاون مع الجنائية الدولية باعتبارها واحدةً من المنظمات, وهو الأمر الذي يتطلّب التعاون الأوسع في المجالات الاقتصادية والقانونيّة.