اقترب المجلس العسكري وشريكه السياسي من تحالف قوى الحرية والتغيير من التوصل لاتفاق سياسي بتكوين هياكل الحكومة الانتقالية المدنية بمستوياتها الثلاثة السيادي الشرفي والبرلماني ومجلس الوزراء المدني، وهي خطوة مهمة جداً نحو الاستقرار الأمني والسياسي وعودة الدولة لأداء وظيفتها، ومن ثم انصراف المعتصمين عن ميادين القيادة العامة وفتح الجامعات، وبالتالي تعود الحياة لطبيعتها، وتلك أمنية تراود كل وطني حادب على الاستقرار في وطنه.
ولكن بعد كل ذلك، يقفز السؤال، إلى أين يتجه قادة المجلس العسكري الحالي بعد إنجازهم مهمة الانتقال السلمي الديمقراطي ؟
هل ينخرط بعضهم في الأحزاب السياسية في الساحة مثلما فعل قادة المجلس العسكري الانتقالي بعد انتفاضة رجب أبريل ١٩٨٥حينما أصبح اللواء فضل الله برمة ناصر فاعلاً في حزب الأمة، والمشير عبد الرحمن سوار الذهب قريباً من الجبهة الإسلامية القومية، وكذلك الفريق تاج الدين عبد الله فضل، واقترب اللواء حمادة عبد العظيم حمادة من الحزب الاتحادي الديمقراطي، وذهب بقية أعضاء المجلس إلى الظل بعيداً عن الأضواء وعراك الأحزاب السياسية.
واليوم تغيرت ملامح الساحة وتبدلت جغرافيا الوطن نفسه، وتباينت مراكز القوى السياسية في الساحة، ولم يعد حزب الأمة مثلاً بذاك البريق القديم، ولا يعلق أحد آمالاً على الصادق المهدي لإنقاذ البلاد، وتمزق الاتحادي الديمقراطي بين الميرغني والدقير وعلي محمود حسنين، وفقد الإسلاميون ملهمهم وقدرتهم على المبادرة السياسية ويدفعون اليوم ثمن أخطاء ثلاثين عاماً ولا يحصدون حساناتها وبات التبرّؤ من الإسلاميين أكثر من الفخر والاعتداد بتجربتهم، وفي وقت صعد فيه اليسار مرة أخرى، وعاد للحزب الشيوعي بريقه، وولد يسار جديد تخلّق في حزب المؤتمر السوداني.
فهل يختار قادة المجلس العسكري التفرق بين الأحزاب وبعثرة صفهم وذهاب وحدتهم وهم عصبة جمعتهم المصائب، فهل تفرقهم المغانم ؟ وبعد أن اصبح الفريق البرهان هو ثامن رئيس جمهورية في السودان والفريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي هو ثالث عشر نائب أول لرئيس السودان، يمكنهم العودة مرة أخرى بصناديق الانتخابات وبإرادة الشعب بعد صعودهما إلى مراتبهما الحالية بقوة السلاح وشجاعة القرار بخلع الرئيس السابق من موقعه في ليلة غروب شمس الإنقاذ الشهيرة.
وهل يمكن أن تستثمر الأحزاب في نجومية البرهان وشعبية حميدتي التي طغت على بقية أعضاء المجلس وتقديمه مرشحاً لانتخابات الرئاسة القادمة؟
وما مصير بقية أعضاء المجلس هل يذهب مثلاً صلاح عبد الخالق وينضم لحزب الموتمر السوداني، ويذهب الفريق عمر زين العابدين للمؤتمر الشعبي، ويرشحه الحزب ؟ ويذهب آخرون لأحزاب الاتحادي والأمة القومي ؟
أم يحافظ المجلس العسكري على تماسكه ويدخل الساحة السياسية ولجة الانتخابات القادمة موحدين لاكتشاف شعبيتهم وسط جماهير الشعب السوداني الذي يحفظ للعسكريين قدرهم.
بطبيعة الحال، لن يعود الفريق البرهان بعد انقضاء الفترة الانتقالية المرجح الاتفاق علي عمرها بثلاث سنوات مرة أخرى للقيادة العامة، وتولي رئاسة الأركان أو حتى وزارة الدفاع.
ولن يصبح بعد الفترة الانتقالية الفريق حميدتي قائداً لقوات الدعم السريع، ولن يبقى شمس الدين كباشي في القيادة يوماً واحداً بعد انقضاء الفترة الانتقالية، وجميع هؤلاء من الشباب والمستقبل أمامهم مفتوح، والدرب أخضر، ولكن القرار الصعب ينتظرهم بعد تسليم الحكومة الانتقالية التي يشكلون هم ركناً منها إلى الحكومة المدنية المنتخبة بعد عامين أو ثلاثة أو أربعة، وهي مدة قصيرة في تاريخ الأمم والشعوب وطويلة في عمر الأفراد.