الحكمة.. الحكمة
الظرف الحرج الذي تمر به البلاد، يتطلب ضمن كثير، أعلى درجات الحكمة واستشعار المسؤولية، وأن يتحرى أي مواطن بصفته الخاصة أو الرسمية أعلى مقامات الوعي من حيث يقف؛ فدور المواطن في الشارع أو الصحفي في زاويته، والسياسي في منبره والضابط في ثكنته، أو ارتكازه كلهم شركاء بمهام توفير انتقال سلس بالأحوال من وضع التشنج والارتباك إلى وضعية الأفق المفتوح للنظر السليم، ذلك إن تعثر أي طرف يقود حتماً وقطعاً إلى تعقّد خطوة مسير الطرف الذي يليه. وظني أن التغيير السياسي الذي تمّ، فرضته أسباب موضوعية وظروف مُلحّة، الهدف منها حفظ البلاد والعبور بها إلى مقام مستقر دائم يقيها شرور التشرذم والفوضى.
الآن يجب أن توزن كل كلمة بميزان الذهب؛ فلا يجب أن تمس كلمة حادة خاطر التماسك أو يتسلل بين أيحاء تعبير أو ظن غاضب ما يمزق اللحمة الوطنية؛ فالذين في الشارع أخرجتهم مطالب مشروعة من حقهم الوصول بها إلى غايات التحقّق، ومن حقهم حراسة شمعة نضالهم بما يرون معه أنهم لم يبذلوا أرواحهم لصالح نصر منقوص؛ وتبعاً لها، فمأمول كذلك أن تكون كل القوات النظامية والمنظومة الأمنية محل الثقة المطلقة في كونها الجسر الذي عبر عليه الوطن لهذه المرحلة، ولو أن تلك المنظومة بعد أن فعلت الصعب كانت ترغب في الانفراد بالحكم والسلطان لحازت الأمر دون الحاجة لمد المفاتيح والمشاعل للآخرين، وهذا يجب أن يكون إشارة توضع في الاعتبار.
ظروف الانتقال بين المراحل للأوطان والشعوب تبرز دوماً بينها الفراغات المخيفة؛ والناس أعداء ما جهلوا، ومنطقي في ظروف مماثلة ألا تستقر الأنفس، وتكثر الظنون، وهو ما يستلزم الصبر ممن يليهم أمر ومسؤولية إدارة الشأن العام، وهما هنا المجلس العسكري الانتقالي وقوى التغيير والحرية، وكل الكيانات الموصولة بشواغل الحوار والتفاهمات، إذ أن على الجميع النظر إلى الغايات الكلية، وتجنّب الانتصارات المرحلية، وهدر الوقت في تسجيل النقاط، لأن الغاية الأهم للجميع الآن الوصول إلى تسويات نهائية تفتح الطريق للعبور الآمن بالوطن قبل الأشخاص.
كلما خلصت النوايا وصدقت، سهل السير، وكلما غامت الظنون أظلمت الخيارات؛ وظني أن المراحل المقبلة هي الأصعب، فالمشكلة التي تُعاني منها البلاد قد لا تنفرج بتغيير قمصان اللاعبين، إذ أن هناك مطلوبات وتحديات في نواحي الاقتصاد والتنمية ورفع البلاد من وهدتها، وهذا مبحث شاق وباهظ التكاليف ومحفوف بمُتربّصين خطتهم الأساسية أن يظل السودان (مكسوراً)، وفي آخر الصفوف، وهؤلاء أعداء بأسهم شديد، ويدهم طويلة فعلوا فعلتهم في العراق واليمن والصومال وليبيا، فلا تساعدوهم بضم بلادكم إلى قائمة الدمار والضياع.