*السيناريو الذي أُدير مساء أمس الأول في ميدان الاعتصام قبالة القيادة العامة، لم يكن مُستغرباً، بل لم يكُن مفاجئاً، وكان مُتوقَّعاً أن تُصاحب اختراقات المفاوضات، خروقات في الميدان، ذلك أن اقتراب أوان التوافق والاتفاق، حرك مواجد أهل القديم، ممن لا يزال يراودهم الحنين إلى عودتهم إلى السلطة وتربّعهم على عرشها.
*ومن ثم كان السيناريو، إن لم يكن بالإمكان هدم المعبد على رؤوس الثائرين، ووقف التغيير وفرملته، أن تتم الوقيعة بين العسكريين والثائرين وهز الثقة بينهم، وجعل الاتفاق غير ممكن، والمضي أكثر لإيغار الصدور، وتشتيت الكُرة في كل الاتجاهات، حتى تقع بلبلة من أين تأتي القاذفات.
*الطرف الثالث ليس جديداً في عالم الثورات، فلقد عايشت أحداثه مصر القريبة منا على عهد ربيعها العربي، وفي كل مرة كانت تقع إصابات بين المتظاهرين، يأتي الرد من تلقاء الأجهزة الأمنية أن طرفاً ثالثاً يعبث بأمننا، ويريد الوقيعة بيننا وبين ثُوّارنا.
*الآن وقد دفعنا الثمن باهظاً، وقد ضُرّجت بالدماء ثورتنا من بعد نجاحها، ومن بعد أن حان أوان قطافها، وكأن الأقدار أرادت أن تضمخ دماء العسكريين والثائرين أرض ميدان انعتاقنا وانبعاث ثورتنا، هذا مما يؤكد أن الشراكة لن تنفك بيننا، وأن عُراها تكتسب قوّة بوافر تضحياتنا، وبموكب شهدائنا، ممن عرجوا إلى ربهم يطلبون حقاً، ما تردّدوا في طلبه، ولا توانوا في تقديم الروح في سبيله.
*ربما كلماتنا ما كان سيكون لها زخمها، وما كان لها أن تكتسب معناها، ولا أن يتصوّر أحد قيمتها، لولا أن رأينا رأي العين، كيف أن الثورة المُضادة تفعل فعلها وتعبث بمكتسبات شعبنا، وتريد أن تهدر غالي تضحياتنا، ومن ثم من بعد أن رأينا هذا عملياً، فإن هذا يوجب تراص صفنا وتماسُك بنياننا، واقتراب من صنعوا ثورتنا من بعضهم البعض، بما يؤمّن عظيم مكتسباتنا، ويفوّت الفرصة على الشامتين بنا.
*الذي حدث أمس الأول يوجب علينا أن نُعجل من أمر اتفاقنا، وأن نتجاوز كل ما يمكن أن يُعطّل مسيرتنا، فالدماء التي سُكبت تُثبت أننا في خندق واحد، وأننا بتنا مطلوبين ممن يتهدّدنا، ويُريد للخطر أن يحدق بنا، ومن ثم فالمسؤولية الوطنية والأخلاقية توجِب على المتفاوِضين أن يقدّروا معاناة بني وطنهم ورهقهم، ومجيد فعلهم وإنجازهم لثورتهم، وأنهم يستحقون أن يُكافَأوا باتفاق يُطمئنهم على يومهم وغدهم ومستقبلهم.
*وإذا كان الله يُنعم بالبلوى وإن عظمت، فالواجب من بعد شهداء أمس الأول الذين عرجوا إلى ربهم، أن تنهض السلطات بمسؤوليتها، ولن يعفيها أن تنفي الحادثة عن قواتها، ذلك أن واجبها أن تحمي المعتصمين وأن ترد عنهم غائلة المعتدين، وأن عليها أن تُجري على وجه السرعة تحقيقاتها، وأن تُعجّل كذلك في تقصِّي الحقائق وتوجيه الاتهام لمن أجرموا وتسبّبوا في مقتل 90 شهيداً مضوا إلى ربهم منذ اندلاع ثورتنا في 19 ديسمبر من العام 2018، ولأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، ولأن لنا في القصاص حياة، علينا أن نفتح ملف شهداء سبتمبر من العام 2013، وكل الشهداء الذين قضوا نحبهم منذ العام 1989 وإلى رحيل النظام وغروب شمسه في أبريل من العام 2019.