هناك أمران يجب أن يتعامَل معهما المجلس العسكري الانتقالي بصورة واضحة جداً، ويُحدّد موقفه منهما؟ أولاً… إذا كانت قوى الحرية والتغيير بكل مكوّناتها التي اعتبرها المجلس شريكاً له في الفترة الانتقالية، هي مَن تقود التصعيد في الشارع مما أدى للعنف وتوسيع دائرة الاعتصام، وتسعى رغم الاتفاق مع المجلس العسكري للتنصّل من اتفاقها وتنفيذ خططها لإسقاط المجلس العسكري، فمعنى ذلك أن هذا الشريك غير جاد وغير مسؤول، وغير جدير بالثقة، فهو يتفاوَض بوجهٍ ويسعى لتفجير الأوضاع بوجهٍ آخر، وما دخوله للتفاوض إلا تحضيراً لعمل أكثر خطورة خاصة أن ما يجري على الأرض خاصة في وسط الخرطوم، وفِي محيط القيادة العامة وامتدادات الطرق المختلفة الشاملة كل منطقة الخرطوم شرق، هو تجهيز لميدان معركة وساحة قتال كما يقول خبراء عسكريون يعرفون حرب المدن والشوارع .
ثانياً، إذا كانت قوى الحرية والتغيير مغلوبة على أمرها ولا تأتمر ساحة الاعتصام ولا المحتجون الموجودون الآن في الشوارع بأمرها، وليس للحرية والتغيير أي سيطرة فعلية على جموع المعتصمين، ولا تستطيع كبح جِماحهم، فما الذي يُريده المجلس العسكري من هذا الشريك إذا كان بلا حول ولا قوة ولا تأثير على الشارع؟
يجب أن يكون المجلس العسكري واعياً بما يكفي في التعامُل مع هذا الشريك، فَلَو كان مخادِعاً يلعب علي حِبال الوقت، ويُمارس لُعبة سياسية قذِرة على المجلس، فليكشف قادة المجلس للرأي العام كل ما لديهم من معلومات وتفاهُمات تمت خيانتها، أما إن كان شريكاً ضعيفاً ليس بمقدوره أن يفعل شيئاً ولا يسمع له أحد ولا يُطاعُ له أمر، على المجلس أن يتجاوز هذا الكيان السياسي غير الفاعِل ولينفتح على القوى السياسية كلها، ويشمل حكومة الكفاءات المستقلة من مدنيين لتُدير معه الفترة الانتقالية ويُغلق ويطوي ملف الحرية والتغيير للأسباب المذكورة أعلاه ..
ليس في شؤون السياسة والحُكم مجاملات أو مساومات، ما يجري على الأرض تصعيدٌ خطير، ليس من المقبول إطلاقاً تساهُل المجلس العسكري حِياله، فالفوضى العارِمة وانعدام الأمن لو استمرت أكثر من هذا ستنهار الدولة تماماً ويفقد المواطن ثقته في أجهزتها ومؤسساتها، ويغيب القانون ويختلِط الحابل بالنابل، وتقع الكارثة وتحلّ بالبلاد الصاخة .
من الضروري في هذه اللحظات المُعقّدة التي تمُر بها البلاد، أن يتحلّى الجميع بروح وطنية عالية وفاعلة وحاسمة في ذات الوقت، لا مجال للتفريط والإفراط في الوطن، وليس مطلوباً هذا النوع من المرونة التي يتم التعامُل بها مع الفوضى التي نراها الآن، فالأمور كحقائقها واضحة من دلق ليلة أول من أمس، فالعناصر التي تسلّلت ودخلت وسط المُعتصمين وأطلقت الرصاص وقتلت الشهداء من القوات المسلحة والمواطنين، معروفة، وأصابع الاتهام مُوجّهة للحركات المسلحة التي دخلت عناصرُها الخرطوم ونشطت خلاياها النائمة، وتنتهز الآن الفرص التي ما كان يمكن أن تتوفّر لها قط لو بقيت مائة عام، فهي تُحاصر القيادة العامة للجيش وتوزّعت عناصرُها في أرض الاعتصام ومباني جامعة الخرطوم وكل المقرّات والدور والمؤسسات حول مكان الاعتصام، وتعد الحركات ميداناً عملياتياً لتنفيذ مُخططها، وهي من يُحرّك خيوط المؤامرة الآن.. هذه الحقيقة إن كانت غائبة فهي اليوم واضحة وضوح الشمس في رائعة نهارها …