التصعيد في ظل التفاوض.. سياسة الحرب وقت السلم
تقرير: النذير دفع الله
خلافات وتباين في وجهات النظر والأفكار ضربت جانبي التفاوض بين المجلس العسكري الذي أكد أن لا رغبة له في الانفراد بالسلطة، ولكنه يحاول إيجاد مخرج تتجمع حوله كل القوى السياسية الاخرى وبين قوى إعلان الحرية والتغيير التي ظلت تتمسك بمبادئها وطرحها منذ بداية التفاوض وهي سلطة مدنية كاملة الدسم بقليل من التمثيل العسكري، وهو ما فتح الباب لدخول بعض الأجسام الغريبة التكوين في محاولة لتوسيع دائرة الخلاف بين الجانبين، حتى تجد لنفسها موطئ قدم في قطار المرحلة الانتقالية، فضلاً عن أولئك الانتهازيين من سماسرة السياسة وأصحاب المواقف الرمادية، ولكن المجلس الذي يبدو أن لديه مرجعية لم يكشف عنها هي التي تمده بالأفكار والآراء التي ظلت في غالب الأوقات مشابهة لتفكير وعقلية النظام السابق، وهو ما تتخوف منه قوى إعلان الحرية والتغيير والمعتصمون، بينما تتلخص النقاط الخلافية بين الطرفين في مهام الفترة الانتقالية التي تقود للصلاحيات والمساعدة في تحديد مدة الفترة الانتقالية المختلف عليها، والمحددة بعامين من قبل المجلس العسكري وأربعة أعوام من جانب قوى الحرية والتغيير
إلى جانب الاتفاق على مناقشة نوع الحكم هل سيكون برلمانياً أم رئاسياً أو مختلطاً فضلاً عن السلطات والمهام في مستويات الحكم المختلفة، بالإضافة للمجلس السيادي الذي أصبح هو أس الخلاف.
وما بين تمسك المجلس وعناد قوى الحرية والتغيير تغيرت لغة التفاوض من التحاور إلى التصعيد الميداني بين الجانين مما أدى في نهاية الأمر لإغلاق مزيد من الطرق الرئيسة من وإلى العاصمة الخرطوم مما خلق مزيدا من التوتر والازدحام في حركة المرور منذ أمس الأول، وهو ما يفتح الباب لمزيد من المناوشات دون التوصل إلى حلول تفضي لفك حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي الذي تعيشه الدولة السودانية والخوف من المجهول بل واستخدام سياسة الحرب وقت السلم.
تصعيد خاطئ
عضو اللجنة التسييرية لتحالف الشباب الثوري دكتور خطاب إبراهيم قال (للصيحة) إن الدعوة للتفاوض هي الأمر الأصلح حتى يصل الجميع لاتفاق على القرارات، مضيفا أنه لا مبررات لما يحدث من إجراءات، وأن القضية في مجملها لا تتعلق بقفل الشوارع وغيرها من أدوات التصعيد خاصة وأن الأجندة لا تعتبر في ملكية قوى الحرية أو المجلس العسكري، وإنما هي أجندة حاضرة في طاولة التفاوض مهما كانت الإجراءات والتصعيد حولها، فإنه لابد من حسم هذه الأجندة، مشددًا على ضرورة وقف التصعيد بين الجانبين، إذ لا أثر أو قيمة أو معنى لهذا التصعيد في هذا التوقيت لتحقيق التفاوض، داعياً للجلوس لتفاوض مستمر واتفاق مع كل القوى، وقلل خطاب من التأخير عن إقامة جلسات التحاور من أجل الوصول لرؤى مشتركة بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، داعياً لحصر وتحديد كل نقاط التفاوض من أجل عدم تبديد مزيد من الوقت والوصول لحلول بين الجانبين، وقال خطاب إن عملية التصعيد بين الجانبين أمر لا طائل ولا فائدة منه، بل أصبح خصماً على المواطن في شل حركة المرور وقفل الطرق البعيدة عن الاعتصام وغيرها، وهو ما ولد مزيدا من الغبن لدى البعض، مبيناً أن التصعيد يزيد من تعقيد المشهد، وتأخير الحلول التي يجب أن تكون حاضرة، سيما وأن المواطنين في قمة التضجر وأن الحياة لم تتطبع بصورة جيدة حتى تسير الأوضاع بصورة سلسة إلى مرحلة الانتقال، وأن الحركة العامة في البلد ظهرت أيادٍ كثيرة متسببة في الأزمات وحتى يتم قفل الطريق أمام أولئك المتشاكسين أو المتسببين في الأزمات، منادياً بالإسراع في الوصول لحلول حقيقية.
وأوضح خطاب أن الجميع ليسوا في ساحة معركة حتى تظهر عمليات التصعيد، وإظهار كلّ لقوته على حساب الآخر، مضيفاً أن المجلس العسكري استفاد من الرؤى التي تقدم له من جهات أخرى استشارية بينما المطلوب من قوى إعلان الحرية والتغيير أن يقف الجميع حول رؤى مشتركة من أجل مصلحة الوطن، منادياً أن يتم التفاوض بعيدًا عن المواقف أو تسجيل النقاط أو الأهداف التي لن تزيد الموقف إلا مزيداً من التصعيد.
وكشف خطاب أن الشعب السوداني أنجز ثورته ولكنه الآن في انتظار نتائج ما بعد الثورة، وقال: من المؤسف أن نظل في محطة واحدة في كل يوم تظهر الكثير من المشاهد والأحداث التي لا نعرف معها كيفية تحقيق الأهداف التي من أجلها كانت الثورة .
تصفية حسابات
الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء (م) يونس محمود أوضح (للصيحة) أن أسلوب التصعيد هو أسلوب قديم متجدد، يتم استخدامه دائماً عند عملية التفاوض أو الجلوس مع الخصماء لأي تفاوض من أجل محاولة تسخين الأرض من كل طرف تجاه الآخر لاستخلاص أكبر مقدار من التنازلات، مشيراً أنه الوسيلة التي استخدمتها قوى إعلان الحرية والتغيير للتأثير على المجلس العسكري نفسياً بأنه في حالة عدم تنفيذ الاتفاق ستكون العواقب أكثر مما هي عليه، وأشار يونس أن المجلس العسكري لديه خبرة بكل التفاصيل المتعلقة بالتصعيد، وأنه أسلوب من الأساليب فقط، معللاً أن المجلس لن يمنح قوى إعلان الحرية والتغيير ما يريدون إلا من خلال ما هو مُقدّر لأمن وسلامة الوطن وحركة القوى السياسية الأخرى حتى تمر المرحلة الانتقالية بسلام عندها لكل حادث حديث، مقراً بضياع المواطن السوداني في كل الحالتين من خلال استخدامه حاجزاً يتم استغلاله للمصلحة فقط، وأكد يونس عدم حرص جميع الأطراف على حقوق المواطن، بل يتم التعامل بين كل الأطراف لتحقيق المصالح لا أكثر واستخدام المواطن كتغطية، مشدداً بأنه ليس من الحكمة استخدام أساليب غير كريمة ضد المواطن تتعلق بمعاشه وحياته من قطع الكهرباء والمياه، كاشفاً أن الدولة السودانية الآن بلا قانون، وهيبة وسلطة وسيطرة، ولكن من هم في الواجهة الآن لديهم سلطة بل وبدأت نواياهم تظهر لما يخططون له من تصفية الحسابات منبهاً من عملية استقطاب إقليمي كبيرة للمحافظة على مصالحها أو إنشاء مصالح ممكنة، مؤكداَ أنه في حالة استمرار هشاشة الوضع القائم، فإن المزيد من التدخل سيكون حاضراً من أجل المصلحة، كما أن البيئة الآن بها استقطاب محلي ودولي وإقليمي والسودان أصبح مفتوحاً على كل الاحتمالات.