13 ديسمبر 2021م
الصومال بين الصوفية والإسلام السياسي (2)
صوفية الصومال وظاهرة الانشقاقات والانقسامات
مثلها مثل غيرها من الجماعات والطوائف والتيارات الإسلامية المعاصرة، فقد عرفت صوفية الصومال ظاهرة الانشطارات والانقسامات الداخلية، فقد انقسمت على نفسها عشرات المرات تماشيا مع الحكمة الصوفية القائلة: (الطرق إلى الله على عدد أنفاس البشر).
هكذا سلكت الصوفية في الصومال طرقا متعددة أكثر من انحصارها سابقا في طائفتين رئيستين هما “القادرية”، و”الأحمدية” لكن إذا نظرنا إلى هذه الانشقاقات بشيء من الحياد نجدها في صالح الفكر الصوفي لأن هذا التنوع قد ساهم بالفعل في اثراء تجربتهم المعرفية والروحانية والسياسية لاحقا.
صوفية الصومال والعمل العسكري
قد اغرى العمل المسلح صوفية الصومال فانخرطت فيه إلى جانب رصيفاتها في الحركة السلفية الجهادية.
بدأ هذا التطور في المفاهيم والأفكار الصوفية في الظهور في أواخر سنة 2008م عندما ظهرت على سطح المشهد الصومالي المسلح حركة صوفية مسلحة عُرفت باسم “أهل السنة والجماعة” في مناطق الصومال الوسطى عندما نبشت حركة الشباب ومعها الحزب الاسلامي مقابر بعض أقطاب علماء الصوفية وهدم مزارتهم وقبابهم وحظر مناسباتهم الدينية.
بمرور الوقت أثبتت حركة “أهل السنة والجماعة” أنها ليست حركة وقتية لجماعة من بسطاء الصوفية، وإنما جماعة مسلحة ومنظمة استطاعت في وقت وجيز تغيير التركيبة المسلحة في الصومال وذلك بفضل التمويل ومصادر التسليح المتعددة التي تتمتع بها.
فقد انتقمت هذه الحركة لحرمة مشايخها وباتت واجهة عسكرية لا يُستهان بها استطاعت كما “نرى” لاحقا أن تحرز تقدما وتفوقا عسكريا على حساب خصومها الجهاديين، الأمر الذي مكنها من السيطرة على عدة مدن في وسط وجنوب الصومال في وقت قصير نسبيا.
في ذهني سؤال مهم هو: كيف استطاع دراويش الصوفية المسلحين حديثا من التغلب على الحزب الإسلامي و حركة الشباب باعتبارهما قوة صاحبة تاريخ طويل في العمل العسكري المسلح؟ بل كيف استطاعت الصوفية في الصومال أن تخلع عباءة “الاعتدال” و”الوسطية” وترتدي بدلا عنها عباءة “العنف” و”التطرف” في فترة وجيزة؟
في يقيني هنالك مجموعة من العوامل الذاتية والداخلية والخارجية التي تضافرت مع بعضها لتُنتج لنا هذا التحول السريع في الفكر الصوفي حتى استطاع العبور من محطة التسامح إلى محطة الإرهاب.
من تلك العوامل انتشار السلاح في جميع مناطق ومدن وقرى الصومال بسبب الحروبات الأهلية المتكررة، ومنها تنامي نفوذ الحركات الجهادية التي طالت نيران تطرفها الجميع.
مستقبل الحركة الصوفية في الصومال
من المعلوم أن الفكر الصوفي ظل طوال تاريخه الطويل في الصومال يتمتع بمكانة ثقافية ودينية واجتماعية كبيرة بين طبقات الشعب الصومالي المختلفة، تمكنه من حجز مقعده في مستقبل الدولة الصومالية التي يحلم بها الجميع إن أحسن التفكير والتدبير والتخطيط، وآمن بمشروع التحول السياسي والديمقراطي الذي يُحظى بالتفاف جماهيري كبير رغم سطوة النفوذ الإخواني والسلفي المتطرف والمتحجر.
فالفكر الصوفي رغم تراجعه في كثير من القضايا، وتلويث سماحته وبساطته بالعمل المسلح سوف يظل طوق النجاة والقاسم المشترك في نهضة الصومال المنتظرة إن تسلح بسلاح النقد الذاتي وتجاوز حالة الانكفائية والعزلة التي استهلكت طاقاته وأقعدته عن ركب النهوض والتخلف عن مشروع الحداثة.