حتى لا نبكي على وطنٍ
باتت الأوضاع لا تُطاق، أُغلقت الشوارع والطرق الرئيسية، فالعقلية التي لا تستطيع ممارسة العمل السياسي النظيف إلا عن طريق الحرائق والتحريض وصنع المتاريس والهتاف ضد القوات النظامية، والتشجيع على الفوضى، لا يمكنها التقدُّم للأمام بالعملية السياسية كشريك مع المجلس العسكري الانتقالي، الذي يسعى لتسوية وتطبيع الحياة العامة، بينما يعمل شركاؤه في الطرف الآخر على تعقيد الأوضاع وجر البلاد إلى مُستنقع الخراب والدمار والاختلاف، ما يجري في الشارع العام هو عين ما حذّرنا منه ومن مغبة التساهُل في فرض هيبة الدولة، وبسط سلطانها بالكامل ومن بعده يكون التفاوُض مع القوى السياسية لترتيبات الوضع الانتقالي.. لا صوت يعلو الآن فوق صوت العقل الداعي للاستقرار وتحقيق السلام وصناعة السلم الاجتماعي وعدم انفراط الأمن.
لا يُعقَل أن تتجرأ مجموعات ممن يدّعون الثورية ويطلبون الحرية والسلام والعدالة، على القوات المسلحة رمز وحدة البلاد وكرامتها، وتُهان في وضح النهار عند قارعة الطريق، ولا يُعقل أن تُهان قوات الدعم السريع وقائدها على رؤوس الأشهاد، ويوصَفون بأقذع الألفاظ ويتم في محيط القيادة بالاعتداء المباشر على القوات بالشتم والبذاءات، ويُحصَبون بقِطع من الحديد والحجارة..! ولا يمكن أن يتم الاعتداء على قوات الشرطة والأمن وتُهاجَم مقراتها في بعض مدن السودان وولاياته، ويُسخَّر الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي لقيادة حملة إعلامية رخيصة وسمجة ضد القوات المسلحة والدعم السريع ..!
أليس هذا هو الهدم المُمنهج للدولة ومؤسساتها..؟ هل كان يمكن لهؤلاء النافخين على نار الفتنة والراقصين على حبال الوهم، أن يتجرأوا على ذلك، لولا وقوف القوات المسلحة والدعم السريع والأمن والشرطة وانحيازها للجماهير واستجابتها لمطلب التدخّل لاستلام السلطة..؟ هل كان مُمكناً لهؤلاء الأدعياء وخاصة القادمين من الخارج، بعد زوال النظام السابق أن يجدوا هذه الفُرص لولا وِقفة القوات النظامية مع الجماهير وانتصارها لها..؟ نحن نُشاهد فصلاً مُرِيعاً من مسرح اللامعقول، فأهل السياسة خاصة الأحزاب اليسارية، وهم يعملون على إشاعة الفوضى والتخريب، يُريدون تحطيم مؤسسات الدولة الحقيقية، ومنها القوات النظامية بإهانتها وتلطيخ سُمعتها وتحدّيها، وهم يعلمون أن هذه القوات قادرة على ردعهم والضرب على يد كل معتدٍ أثيم.
وما يزيد من الخشية والخوف.. أن هناك سيناريو مرسوماً تقوده هذه الأحزاب والتجمّعات اللاهثة خلف سراب السلطة، لإشعال النار في كل البلاد، وإدخالنا في ذات النفق الذي دخلت فيه بلدان أخرى مثل ليبيا واليمن وسوريا، فالحرب من مُستصغَر الشرر، والحرب أولها كلام. ما يجري هو التمهيد لانتشار رقعة النار والحريق، وفتح الباب لفوّهات البنادق وحلول لعنة الحرب..! هذا السيناريو يجري بسرعة البرق، والحاقدون من اليسار يسعون في اتجاهه، وعلينا أن نعلم أن كل المُفكّرين المُتعمّقين والعارفين بالنظرية الماركسية وتجارب الأحزاب الشيوعية في العالم، توصّلوا إلى نتيجة مُفادها أن اعتناق الفكر الشيوعي يحوّل صاحبه إلى مخلوق مُشوّه بلا انتماء لوطن أو عقيدة أو أخلاق أو أي فضيلة من الفضائِل الإنسانية السمحاء، فالشيوعيون لا يهمهم ضياع الوطن أو التهام النيران لقلبه وأحشائه، تُهمّهم فقط مصالحهم وأهدافهم التي يخدمونها، فليس غريباً ما نُشاهده من كوادرهم ومن المستغفلين معهم في نشر الأخلاق والعقائد والأفكار الفاسدة والساقطة، هُم وكل مفسدة صنوان لا يفترقان.. وما يدعون له لمحاربة الدين والأخلاق والسلوك القويم، هو خير دليل على صدق ما يُوصَمون به..
ينبغى على عامة المجتمع والمجلس العسكري الانتقالي وكل سلطات الدولة القائمة، أن تأخذ حِذرها وتجتهد في بسط الأمن ومنع التفلّت وإنهاء وجوده، وتهيئة الظروف لمناخ أفضل، إذا عمّت الفوضى فلا مُمسِك لها ولا عاصم من شرورها إلا الله، احسموا هذه المظاهر المُقلِقة وأعيدوا الأمور إلى نصابها، فقد بدأت معالم الانهيار تظهر، إذا ذهب تماسُك الدولة وزالت هيبتُها، فلن يبقى هناك وطن، ولا أمن ولا سلام، ولا مجتمع ولا أمان… ادركوا البلاد قبل أن نبكي على وطنٍ لم نُحافِظ عليه كالرجال…!