رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق إبراهيم الشيخ لـ(الصيحة) ــ (2ــ 2)
حوار: هويدا حمزة
تصوير: محمد نور محكر
*الرؤية ضبابية حول مستقبل العملية السياسية وهناك مطالب بأن يتخذ المتفاوضون مع المجلس العسكري موقفًا وسطاً لتعبر البلاد من المنعطف الخطير الذي تهوي إليه بسبب الفراغ الإداري الحاصل الآن؟
– الناس صبروا على أسوأ نظام حكم لمدة 30 سنة، صحيح البطء غير مطلوب والعجلة الشديدة أيضاً غير مطلوبة، فإذا قفزنا على هذا الواقع واستجبنا لـ(شفقة الناس) فهذا سيفرز واقعاً يرتد بالناس لـ30 عاماً بكل سوءاتها، الواقع الآن يحتاج لحوار عميق للوصول للمطالب التي خرجنا لأجلها، ولكن إذا أردنا (كلفتة) الأمر فيمكننا أن نأتي بأي حكومة ونقبل أن يكون المجلس العسكري هو السيد والسائد في المشهد كله، ويتحكم في الصورة كلها، ورموز النظام يظلون متحكمين في الدولة، وذات السياسات يعاد إنتاجها بشكل جديد، وليس هذا هو المطلوب، المطلوب عمل تغيير شامل كامل وتفكيك الدولة العميقة للحزب (صامولة صامولة) و(مسمار مسمار)، ويعود الوطن المختطف إلى أهله وشعبه ولجميع أهل السودان، ولكن أي عجلة أعتقد أنها ضارة بالثورة وخيانة لها، ولأشواق الناس الذين يقاتلون منذ خمسة شهور من أجل تحرير واستعادة وطن منهوب ومأكول ومختطف .
*ولكن المواطن البسيط سئم من تعطيل مصالحه وأثارت المتاريس الموضوعة في الطرقات حنقه على الثوار، فالمتاريس وضعت أمامه هو رغم أنه اكتوى من النظام السابق ليس من المنطق أن يعيش حياته كلها معاناة؟
– هذه ليست مسؤولية الحرية والتغيير بل المجلس العسكري هو الذي يماطل في تسليم السلطة، ويسعى لكسب صلاحيات واسعة جداً ليدير بها الدولة، ويستطيع عبرها إعادة إنتاج النظام القديم، فالحرية والتغيير ليس بيدها شيء، فهي تفاوض، أما مصالح الناس فلا أعتقد أن أحدهم أضر ضرراً بليغاً، ونحن حريصون على ألا يضار أحد، فنحن لا يعجبنا أن تدار الأمور بالمنهج الذي يستقوي به المجلس العسكري، ولكننا ما زلنا نفاوض ونحاول أن نفتح ثغرة في هذا الجدار الصلب حتى تتحقق كل المطالب، والانتقال من ميراث 30 عاماً هي عمر الدولة العميقة، وأي فترة انتقالية في أي مكان من الدنيا دائماً يشوبها الشد والجذب، والناس لابد أن تستوعب ذلك، والشعب السوداني واعٍ ولا يرغب في (الكلفتة)، لأنها يمكن أن تأتي بمولود “ني” و(الني للنار) كم يقولون، وبدلاً من أن نعيد “الني” للنار دعونا (ننجض حاجاتنا) ونستشرف أفقاً جديداً .
*لكن هذه الاستطالة قد تأتي بثورة مضادة أو أنقلاب؟
-الثورة المضادة الآن تعمل و(ما كتّفت يديها) أو وقفت على الرصيف تتفرج، وكل المظاهر السالبة آنفة الذكر من إنتاج الثورة المضادة، أزمة الوقود والدقيق، زحمة المرور، تعقيدات التفاوض، إغراق المشهد السياسي بأحزاب الحوار الوطني التي تخاصمت بالأمس القريب وضرب بعضها البعض في قاعة الصداقة، وهنالك من يقومون بتغذية الثورة المضادة سواء في المجلس العسكري أو غيره من رموز النظام السابق للتقدم أكثر وتحتل مساحات أكبر، ولكن لا أظن أنهم يستطيعون أن ينقلبوا على شعب اختار طريقه بشكل واضح ورسم ملامح السودان الجديد الذي يتطلع إليه .
* لماذا الإصرار على عدم إشراك القوى السياسية غير قوى الحرية في إدارة الفترة الانتقالية؟
– القوى السياسية تعتبر نفسها شريكة في الثورة، ويريدون امتطاء ظهر الثورة أو سرقتها رغم أن جلها كان شريكاً في حكم النظام السابق بشكل أو بآخر، ورغم ذلك هم مقبولون من قبل المعتصمين ولا نستطيع أن نقول أن الأحزاب تريد أن تسرق الثورة لأنها تصارع النظام منذ 30 عاماً، وحتى تكتمل الثورة سيكون موجوداً ذلك الفعل التراكمي اليومي بمعنى أن الصراع اليومي يراكم للثورة حتى تتفجر، النظام استهدف الأحزاب وقسمها، أما التي شاركت معه فهي أحزاب الحوار، ونحن لسنا معنيين بها، أما الموجودة الآن في قوى الحرية والتغيير فلم تشارك سواء نداء السودان أو الاتحاديين أو منظمات المجتمع المدني أو المهنيين فلم يشاركوا، الثورة (ما في جيب زول عشان يسرقوها منو)، وكما ترين، فالملايين شاركوا فيها ومن ضمنهم الأحزاب شاركت في الثورة بشكل آو بآخر أو كانوا في المعتقلات، وبالتالي ليس هناك من يريد امتطاء ظهر الثورة أو اختطافها، ولكن في النهاية الثورة المضادة لديها مساعٍ حثيثة لتعمل قطيعة بين الشباب والأحزاب، وهذه القطيعة بكلام مكرور كل يوم، ولكن وعي الشباب فوّت عليها هذه الفرصة، ومن أول يوم قوى الحرية والتغيير هي مجموعة أحزاب إضافة للمجتمع المدني وتجمع المهنيين هو الذي قاد المشهد كله، وقاد الاعتصام وهو الذي دعا الناس للتظاهر في ساحة القيادة العامة، هنالك ظلم كبير عندما تقولين إنها تريد أن تختطف الثورة، من يريدون اختطافها معلومون وهم الذين قادوا الانقلاب في 30 يونيو89 وشاركوا في العشرية الأولى في النظام، ثم عادوا وشاركوا مع النظام في السنة الأخيرة في الوزارات المختلفة، وهي المجموعة التي في النظام حتى 2013 ثم خرجت في 2013 ثم عادت لبرلمان النظام مرة أخرى، المجموعات التي انسلخت من الحركات الأم رغم أنه لم يتحقق أي سلام، هذه هي المجموعات التي تريد أن تختطف الثورة وكان من الأفضل لها لو نأت بنفسها بعيداً لحين قيام الانتخابات .
* صحيح أن الشباب حركوا الثورة ولكن البعض يقول إنهم شباب صغار السن وعزل ولا علاقة لهم بالسياسة وخرجوا من أجل مطالب، ولكن لولا الجيش قرر أن تسقط حكومة الإنقاذ لما سقطت؟
– هذه مثل جدلية (البيضة والجدادة) أيهما جاء أولا، الجيش أجبر أجباراً للانحياز للثورة، بمعنى صارت مصالح النظام كلها مهددة المجلس العسكري، الحركة الإسلامية، الرموز التاريخية وبالتالي لم يكن لديها خيار، لأن القصر والقيادة العامة نفسها صارت قاب قوسين أو أدنى من دخول الناس إليها، أصلاً ليس هناك من يحكم شعباً كاملاً بالبندقية، صحيح أنهم أفلحوا في حكم الناس 30 عاماً بالبندقية والنار، ولكن لم يكن واردًا أن يستمروا عاماً آخر، هذا هو قدر النظام أن الشعب السوداني يخرج عليه في هذه الثورة التي اقتلعته، والجيش كفصيل أيضاً ــ ولا نستطيع أن ننكر ذلك ــ به وطنيون كثر يعانون ويكتوون بنار النظام، وحتماً هم ضغطوا على قيادات الجيش الكبيرة وأجبروهم على عمل انقلاب لصالح الثورة .
*المجلس يبدي زهداً في السلطة، ويطالب بسنتين للفترة الانتقالية ومجموعاتكم تطالب بأربع سنوات مما يعكس شرهاً للسلطة، ويحرك ذلك الشره مسألة الإقصاء داخل المجموعات نفسها؟
– عمر الفترة الانتقالية سنتان أو أربع أيضاً هو جدل موجود الآن والحرية والتغيير والمعارضة كلها طالبت منذ البداية بأربع سنوات تأسيساً على ما كان (أكتوبر 64) و(أبريل 85)، الفترة الانتقالية قصيرة جداً وفشلت في حل الاشكالات والملفات الموجودة وفشلت في نقل البلد من عهد لعهد، لأن المشاكل كانت كثيرة والمشاكل الكثيرة دائمًا تغرق فترة الديموقراطية وتؤزمها، وتنقل لها ميراث حكم العسكر الطويل، ونحن لدينا ملفات كثيرة “تعليم وصحة ونازحون ولاجئون ومشروعات ضخمة” … الخ وحتى نتجنب ذلك الفشل وننجز تلك الملفات وننتقل للديموقراطية بشكل مريح، فالسنتان غير مناسبتين مثلما أن السنة غير مناسبة، وربما سمعت أن المجلس العسكري قال في المؤتمر الصحفي الأخير أنهم بحاجة لأكثر من 10 سنوات وهذا اعتراف ضمني بأن السنتين أو الأربع سنوات غير كافية للخروج من نفق الدولة العميقة .
*ولكن كون المجلس حدد سنتين فهذا يعني أنه زاهد في السلطة؟
– إذا كان المجلس العسكري زاهد فعلاً في السلطة فعليه الرجوع لثكناته وتسليم السلطة للمدنيين وإذا كان متشبثاً، نحن لم نقل الآن إن العساكر يعودون لثكناتهم، ولكن هم شركاء بقدر محدود، ويمثلون في مجلس السيادة في مجلس الوزراء عبر وزارتي الدفاع والداخلية، والمجلس التشريعي، وهكذا وصوتهم مسموع، وهم في النهاية فصيل وطني وليست هناك رغبة في إقصاء الجيش أو القوات الأمنية الأخرى، ولكن الأمر المرفوض أن تكون لهم اليد الطولى ولديهم حق الفيتو.
*ولكن المدنية الآن غير جاهزة حتى قيادات الثورة ليسوا على قلب رجل واحد؟
– ماذا تعني الجاهزية؟ رجال ونساء ناضجون يعني الموارد البشرية متوفرة، البرنامج السياسي والإسعافي متوفر، السياسات البديلة جاهزة، ليست هناك مشكلة، نعم الثلاثون عاماً جعلت الخراب كبيراً، المجموعات الظاهرة في الصورة معظمها كان موالياً للنظام، والآخرون هاجروا، لذلك نبحث عن الكفاءات، وهم متوفرون في السودان، لذلك الناس قادرة على قيادة فترة الانتقال وما بعده .
* الوثيقة التي قدمتها قوى الحرية والتغيير كانت محل سخرية وأوحت بأن واضعيها ليست لهم دراية سياسية وربما استغلها بعضهم لهذا الغرض؟
– الوثيقة شابتها عجلة فأصابتها بعض الأخطاء، ولكن هذا ليس سبباً لـ”المسبة” ولا يعني أنهم ليسوا ناضجين سياسياً، هم فيهم قانونيون وقضاة وخبرات قانونية وقامات سياسية تستطيع أن تقدم أفضل الوثائق، ولكن كما قلت لك الوثيقة كانت قاصرة على هياكل الحكم (مجلس الوزراء، مجلس السيادة والمجلس التشريعي) وتوصيف لأي واحد وصلاحياته ليس أكثر، بمعنى أنها لم تكن دستورًا حتى نتحدث عن غياب مصادر التشريع أو اللغة العربية هي الرسمية للدولة، وأساساً هذه بديهيات موجودة في كل الدساتير وليست خلافًا جوهرياً، طبيعة الحكم وأن يكون المصدر التشريعي له الشريعة الإسلامية كل ذلك مُرجأ للمؤتمر القومي الدستوري الذي ينعقد في نهاية الفترة الانتقالية، وهو الذي يحدد هوية البلد وطبيعة الحكم فيها، المؤتمر تشارك فيه كل الأطراف دون عزل .
* وما ضر الوثيقة لو حوت ما أشرنا إليه؟ أصبحت لديكم فوبيا الإسلاموية وأصبحتم تربطون كلمة الإسلام بـ(الكيزان).
– ليس لدينا حساسية من الإسلام، نحن مسلمون أكثر منهم ولا نعتقد أن الصراع صراع دين، الذين يريدون أن ينحرفوا بالصراع من مقاصده الكلية واتجاهاته يريدون تحويله لصراع ديني، وهذا مطب لا نريد الوقوع فيه، هذه ليست معركتنا ـ معركتنا الآن معركة حريات، معركة دواء وطعام وكهرباء ومياه…. هذه أساسيات الناس، كيف نوفر لهم ما يحفظ كرامتهم الإنسانية، لا يمكن أن تحدثوا الناس عن الدين، وهم جائعون ويعيشون في ذل ولا تجد لمبة كهرباء في (كركور) في جبال النوبة وأنتم مستأثرين بالسلطة وثرواتكم ضخمة وكروشكم ضخمة دون وعي أو إحساس بالناس تنهب ثروات البلد بالتمكين .
*هل كنت تتوقع أن يكون المؤتمر الوطني خارج اللعبة السياسية يوماً؟
– طبعاً كنت واثقاً تماماً.
*وماهو مصدر ثقتك هذه؟
– دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، والإنقاذ كانت دولة باطل مارست الظلم والفساد وليست هناك دولة فساد عمرت ومن ثم لمثل هذا اليوم كنا نعمل.
*في الإنتخابات لا تستطيعون إقصاءهم؟
– في الانتخابات مكفول لهم أن يمارسوا حقوقهم الدستورية ولكن في الفترة الانتقالية لا يمكن.
* قلتم إنكم لا تريدون تدخلاً خارجياً ولكن بعض قياداتكم سافرت للخارج والتقت دولاً، بل وطلبت من السفارة السعودية توجيه الدعم للثوار بدلاً عن المجلس العسكري لأن (رمضان على الأبواب) حسبما نُشر؟
– هذه ورقة مدسوسة من (الجداد الإلكتروني) والثورة المضادة، لم يطلب أحد دعماً من السفارة السعودية، نحن كمؤتمر سوداني التقينا عبر عمر الدقير بالسفير السعودي في لقاء مشهود وتحدثنا عن المطلوب لنجاح الثورة والانتقال من حكم استبداد لتحول ديموقراطي، وأن السعودية هي جزء من محيطنا الإقليمي ونحرص على علاقات طيبة مع الإمارات، لن نسير في سياسة العزلة، لن نقبل توجيه مسار الحكم أو التنازل عن سيادتنا، المجموعة التي سافرت الإمارات هي مجموعة من نداء السودان وحركات مسلحة، وكانت هناك دعوة من الإمارات كمبادرة للسلام وتريد الاستماع لوجهات النظر المختلفة، وهذا اللقاء شابته اتهامات كثيرة وقيل إنهم اشتروهم، أؤكد لك أنه ليس هناك طرف طارح القضية للبيع أو المزايدات. هذا الحديث مقصود به إحداث ربكة في المشهد السياسي.
– في اعتقادك إلى أين يتجه الراهن السياسي برأيك؟
– المؤتمر الصحفي الأخير للمجلس أربك المشهد كله، وطرح نوايا جديدة مستبطنة له، ووضح من خلال التعديلات التي أجراها المجلس على الوثيقة رغبة في (المكاوشة) على السلطة وهذا أحدث ردود أفعال في الشارع، ولدى الحرية والتغيير مضادة للمجلس العسكري، أتمنى أن يجلس الطرفان مع بعضهما ويضعان التعديلات جميعها ويتواصيان على وثيقة كاملة تقدم لهيئة قانونية من دستوريين وقانونيين وكفاءات لصياغتها بشكل جديد لتصبح هي الدستور الضامن للفترة الانتقالية والمحدد لصلاحيات هياكل الحكم الثلاثة، واعتقد أنه بروح الشراكة يمكن التوصل لحل للتعقيدات الراهنة وتجسير الثقة المفقودة، المطلوب من المجلس أن يصحح ما ران في النفوس، ويقول بوضوح إنه ليس طامعاً في إعاقة أداء الفترة الانتقالية، ومطالب الشارع وأنه لديه استعداد كامل للتخلص من رموز وسياسات النظام البائد ولديه استعداد للتعاون مع قوى الحرية والتغيير طوال الفترة الانتقالية لمصلحة البلاد.