فضل الله رابح يكتب : التاريخ يعيد نفسه.. هل من مُعتبر؟!
من مخازي البلد أنّ الحاكم العام (فولكر) كما يسميه السودانيون يستعد لتقديم التقرير الذي أعدّه بعلم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حول الأوضاع في السودان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.. في النهاية أن التقرير يكشف حقيقة واحدة أن رئيس الوزراء يشتكي حال وطنه للأمم المتحدة ويطلب المدد.. يحكي التأريخ الموثق أن الأزمة الدستورية التي شهدها السودان نهاية الستينيات سببها الحزبان (الأمة والاتحادي).. بحسب روايات سياسيين أن الأنصار قرروا وقتها أن يتسلّحوا من إثيوبيا, والاتحادي اتفق مع مصر على خطة تسليح واستلام سلاح وكادت البلاد تدخل في حرب أهلية ـ محمد أحمد المحجوب استعجلهم وقطع الطريق أمام الجميع حتى لا يتدمّر الوطن حين ذهب الى جمال عبد الناصر وسلّمه وثائق تاريخية تثبت تورُّط زعيم طائفي كبير مع المخابرات البريطانية ـ وحرّض المحجوب عبد الناصر للتحرك وقطع الطريق أمام الأحزاب الطائفية حتى لا تحرق السودان وحينها لن تسلم مصر .
تقول الرواية إنّ المحجوب ذكر لعبد الناصر بالنص: إذا لم تتحرّكوا فإنّ الأحزاب الطائفية سوف تشعل لكم حرباً أهلية في السودان, فتحرّك عبد الناصر ودعم تحالف الشيوعيين والضباط الأحرار والبعثيين الذين كانوا يقفون خلف انقلاب نميري في 25 مايو 1969، حيث استولى الضباط الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم متوحدين اسم (حركة الضباط الأحرار), على السُّلطة في السودان وبدأ عهد جعفر النميري بكل سوءاته وخيباته وإيجابياته.. كان في قلب المُؤامرة التي نّفذت الانقلاب تسعة ضباط بقيادة العقيد جعفر النميري، المتورطين في مُؤامرات ضد نظام إبراهيم عبود.. استبق انقلاب النميري مُؤامرات الجماعات الأخرى، وهي كانت مُتفرِّقة وغير متوحدة وكانت تضم في معظمها فصائل الجيش المدعومة من الحزب الشيوعي السوداني، أو القوميين العرب، أو الجماعات الدينية المحافظة.. كل الذي فعلته مصر أنّها وحّدت البعثيين والشيوعيين والضباط الأحرار في تحالفٍ واحدٍ نفّذ الانقلاب الذي بُرِّرَ على أساس أنّ السياسيين المدنيين شلوا عملية صنع القرار، وفشلوا في التعامل مع مشاكل البلاد الاقتصادية والإقليمية، وتركوا السودان دون دستورٍ دائمٍ وكانوا مُحقين في ذلك.. ولأنّ الانقلاب جمع مُتناقضات سياسية وفكرية لا رابط يوحدها ولا يهمّهم مصلحة الوطن بقدر ما تهمّهم مصالح تياراتهم السياسية والفكرية, فسرعان ما نفض الشيوعي يده وبدأ يتآمر سراً على التحالف والسعي لفرتقته بكل السُّبل, وتآمروا على نميري بعددٍ من الانقلابات, أبرزها انقلاب هاشم العطا وبسببه قضى النميري على الشيوعيون وسحلهم.
إذن جذور الأزمة السودانية تكمن في الشخصية السودانية وطريقة تعاطيها مع قضايا الوطن, وإنّ الأحزاب السياسية هي التي تستدعي الأجنبي للتدخل والجيش إلى الاستيلاء على السلطة بدواعٍ ومُبرّرات مختلفة.