25 أكتوبر.. تبعد السُّودان عن “قمة الديمقراطية”
تقرير: فرح أمبدة 10ديسمبر2021م
تَسَبّبَت الإجراءات التي اتّخذها الجيش نهاية أكتوبر الماضي، في إبعاد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، السودان، من “قمة الديمقراطية” التي دعا لها، وبدأت أعمالها أمس الخميس افتراضياً عن بعد بسبب وباء كوفيد-19، وتنتهي اليوم الجمعة، وتم توجيه الدعوة لحوالي 100 دولة، صنفت بأنها دول تعتمد النظام الديمقراطي وتلتزم معايير حقوق الإنسان، ويعتقد البيت الأبيض، أنّ العالم يشهد درجات متفاوتة من التراجع الديمقراطي، وأن القمة تهدف الى الكشف عن ما أسماه “الصراع بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية”.
وكانت العلاقة بين إدارة الرئيس بايدن والخرطوم قد تراجعت في أعقاب ما أسمته “الاستيلاء على السلطة” من قبل العسكريين في الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، ولم يشفع اتفاق “البرهان – حمدوك” والذي وجد قبولاً ودعماً من الولايات المتحدة، ودول أخرى العالم، لأن يكون السودان ضمن المُشاركين في قمة الديمقراطية، برغم الزخم والمكانة الرفيعة التي وضعته فيها ثورة ديسمبر، كواحدة من الديمقراطيات الواعدة في العالم.
تونس والسودان
ومثل السودان، أُبعدت تونس، التي شهدت أحداثاً مماثلة عندما أعلن الرئيس قيس سعيّد، حل الحكومة والبرلمان، فيما وجهت الدعوة للعراق التي جرت فيها انتخابات قبل أسابيع، وهي الدولة العربية الوحيدة المُشاركة في القمة، وترى إدارة بايدن، أنها تستحق أن تكون على طاولة القمة، وبهذا فإن الشرط اللازم الذي وضعته الولايات المتحدة، لحضور القمة، بنظر المراقبين، أن الأطراف المشاركة كلها “ديمقراطية”، والأطراف التي لم تتم دعوتها كلها “غير ديمقراطية”، وهذا ما أثار انتقاد دول مثل الصين وروسيا.
وحسب إدارة بايدن، فإن عقد القمة في هذا الوقت، استحقاق كانت قد وعدت به إبان الحملة الانتخابية التي حملته الى البيت الأبيض، وفي هذا الخصوص، قالت، أوزرا زيا، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الأمن والديمقراطية وحقوق الإنسان “نحن في لحظة الحقيقة من أجل الديمقراطية، بدون شك”، وأضافت أن الديمقراطيات في العالم تُواجه تحديات مُتزايدة مصدرها التهديدات الجديدة وأنّ العالم يشهد درجات مُتفاوتة من التراجع الديمقراطي.
صُورةٌ مُشوّهةٌ
وعشية القمة، قال الكاتب الصحفي ماكس بوت في مقال له بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية “إن دعم الديمقراطية أصبح رديفاً للتدخلات العسكرية الأمريكية الفاشلة في كل من أفغانستان والعراق، وإن ممارسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، شوّهت صورة الديمقراطية الأمريكية في الداخل، ورأى الكاتب أن مشكلة الولايات المتحدة لا تقتصر على تراجع الديمقراطية فحسب، بل إن أمريكا باتت تفتقر للكفاءة مؤخراً، الأمر الذي يجعل ديمقراطيتها تبدو غير فعّالةٍ.
ووصف الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية ساشا غلايزر، رؤية الرئيس بايدن للسياسة الخارجية على أنّها مُنافسة بين “ديمقراطيات العالم” بقيادة أمريكا وبين “الأنظمة الاستبدادية” بزعامة الصين وروسيا بأنه “تأطيرٌ ساذجٌ وخطيرٌ للعلاقات الدولية”.
وكتب السفيران الروسي أناتولي أنتونوف والصيني تشين جانغ القمة مقالا مشتركا نددا فيها بالقمة واستبعاد دولتهما منها، وقالا بانها “نتاج واضح لعقلية الحرب الباردة”، و”ستثير مواجهة إيديولوجية وانقساماً في العالم.
وتساءلت مجلة “فورين بوليسي”: هل من المفترض أن تسفر القمة عن نتائج ملموسة والتزامات جديدة ؟ أم هل هي عبارة عن حلقة نقاش يصدر عنها تصريحات براقة، وقليل من النتائج؟”.
انزلاقٌ دوليٌّ
وفي تزامن مع القمة، كشف تقرير نشره، المعهد الدولي للديمقراطية والمُساعدة الانتخابية، وهو منظمة دولية تتّخذ من ستوكهولم مقراً لها وتُعنى بالديمقراطية في العالم، أن عدد الدول التي تنزلق نحو الاستبداد يتزايد، في حين ارتفع عدد الديمقراطيات الراسخة المُهدّدة إلى مُستوى لم يبلغه من قبل، وقال المعهد في دراسته لعام 2021 عن حالة الديمقراطية في العالم إنّ “دولاً تعاني أكثر من ذي قبل من التآكل الديمقراطي، وإنّ عدد الدول التي تُعاني من تراجع ديمقراطي لم يكن بهذا الارتفاع قط”، في إشارة إلى الانحدار في مجالات، من بينها الضوابط المفروضة على الحكومة واستقلال القضاء، إضافةً إلى حرية الإعلام وحقوق الإنسان.
ولم يتطرّق التقرير الذي اطلعت عليه “الصيحة” الى السودان، وذلك لنشره قبل القرارات التي اُتّخذت في الخامس والعشرين من أكتوبر، والتي صنفت داخلياً وخارجياً بأنها تراجُع في المسار الديمقراطي، لكنه ذكر أن 70% من سكان العالم يعيشون حالياً إما تحت أنظمة غير ديمقراطية أو في دول تشهد تراجعاً في الديمقراطية”.
مَن يمثل السودان؟
سودانياً، يقول القانوني والناشط السياسي، أحمد عبد الحميد مني، إن ما حدث في السودان مؤخراً من حل للحكومة المدنية، وإعلان حالة الطوارئ، واعتقال القادة السياسيين، رجع بالسودان خطوات للوراء فيما يتلق بقضايا الحريات والحكم المدني، وقضايا التحول الديمقراطي، ومعلومٌ أنّ السودان كان قد أخذ مكانة عالية عالمياً، بعد نجاح شعبه في إنهاء حكم ديكتاتوري استمر 30 عاماً، وقد تابع العالم يوماً بيوم الثورة السودانية، وانبهر بها، لذلك عندما جاءت النكسة الأخيرة، حدث تراجعٌ كبير، وكان هذا سبباً كافياً لإدارة الرئيس بوش بعدم دعوته لحضور القمة، وتساءل مني: اذا ما دعي السودان مَن الذي سيمثل السودان رئيساً، هل هو رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان، أم رئيس الوزراء د عبد الله حمدوك، ومعلوم القمة هي للرؤساء، ويشير مني الى مسألة أخرى وهي أن الرأي العام الأمريكي الذي كان قد انبهر بالثورة السودانية وأيّدها، معبأ حالياً بأن ما حدث في السودان، انقلابٌ عسكريٌّ جديدٌ وليس حركة تصحيحية كما قيل هنا، وقد بدا ذلك واضحاً من تغطية وسائل الإعلام الأمريكية منذ التغيير الذي حدث في 25 أكتوبر وحتى الآن، وربما هذا كان سبباً إضافياً لإبعاد السودان من القمة.
لكن مني، يشير من طرف الى أن الإدارة الأمريكية غير صادقة في دعوتها ودعمها للديمقراطية في العالم، وهي من أكبر حلفاء الديكتاتوريات في مناطق عديدة من العالم، حتى في السودان كان موقفها غير واضح وبه “غباش” هي من جهة تعلن منذ 25 أكتوبر، أن ما تم استيلاء عسكري على السلطة، ومن جهة أخرى تبحث عن حل يقف إلى جانب العسكريين، وحتى الاتفاق الأخير الولايات المتحدة من أكبر المُساهمين فيه ومن المُسهِّلين الأساسيين للوصول إليه، وحالياً تُشكِّل ضغطاً على الأطراف للقبول به.