الخرطوم: الصيحة
أصدر المجلس العسكري، قراراً مساء الأحد الماضي بإعفاء عددٍ من قادة الشرطة في أكبر كشف إعفاءات تشهده تلك المؤسسة الأمنية، طال مديرها العام الفريق أول بابكر أحمد الحسين ونائبه الفريق شرطة د. أسامة إبراهيم أحمد المفتش العام للشرطة، بجانب إعفاء كل هيئة قيادة الشرطة برتبة الفريق وإعفاء (49) من رتبة اللواء و(14) من رتبة العميد ومقدمين اثنين و(255) ملازم أول و(143) من رتبة الملازم، وقد كان القرار مُفاجئاً، ويبدو أنه صنيعة المجلس العسكري، الذي أراد أن يضع حَدّاً أمام تقاعُس الشرطة من واجبها ومُشاركتها في الإضراب عن العمل، نفّذته أواخر أبريل الماضي لـ(24) ساعة، أوقفت فيه تعامُلات السجل المدني والجوازات وخدمات المُرور، مما استدعى عقد لقاءٍ مع نائب رئيس المجلس الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي استمع للإشكالات التي تُعاني منها الشرطة ودفعها للرجوع خطوة الى الخلف أمام الاحتجاجات التي شَهدتها البلاد منذ ديسمبر الماضي، وقام (حميدتي) بمُعَالجات فورية فيما يلي مُطالباتهم المالية، بيد أن جُزءاً من غضب عناصر الشرطة كان حول عدم العدالة في المُخصّصات المالية بين الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى.
فتور الشرطة
كان واضحاً الفتور الذي تعاملت به الشرطة في فَضّ التّظاهرات التي شَهدتها العاصمة، وضعف مُشاركتها وسط القوات الأمنية المُشتركة لفض التظاهرات والتي غَلَبَ عليها منسوبو هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وتسرّب حديث آنذاك عن رفض قيادة الشرطة، استخدام أجهزة أمنية ومليشيات حكومية للزي الرسمي للشرطة إبان مشاركتها في فض التظاهرات، وقد ظهرت في أول يوم للتظاهرات تم إعلانه من قبل تجمُّع المهنيين في التّاسع عشر من ديسمبر الماضي، مجموعات ترتدي زيّاً غير مُكتملٍ للشرطة، يقوم عناصرها بفض التظاهرات بموقف جاكسون وأبو جنزير، ومنع وصول المُتظاهرين الى القصر الجمهوري، فَقَد كَانَ يرى بعض قادة الشُّرطة ومنسوبيها، أنّ ذلك يُؤثِّر على المُؤسّسة بأكملها وستتحمّل الأخطاء التي تَرتكبها تلك المَجموعات، ومضى وضع الشرطة ضبابياً إبان الأحداث، إلى أن أصدر الناطق الرسمي للشرطة آنذاك اللواء د. هاشم علي عبد الرحيم بياناً قبيل استلام الجيش للسلطة، أعلن فيه انحياز الشرطة للمُواطنين في ثورتهم ضد نظام الإنقاذ، وأعلن فيه بأنهم سيُؤمِّنون الاعتصامات والمَواكب ولن يتدخّلوا، اذا لم يصل الأمر لمرحلة التخريب وتهديد الأمن والاستقرار.
مشكلة عناصر
وَيَرَى مصطفى فضل الله قيادي سابق بمنسقية التأمين الذاتي بوزارة الداخلية أنّ أفراد الشرطة من رُتب مدخل الخدمة وهي رتب النقيب والملازم أول والملازم، لم يكونوا بعيدين عن الحراك الذي تشهده البلاد، وقد ظهروا للعلن بعد سُقُوط النظام بإعلانهم الإضراب عن العمل لـ(24) ساعة، كان أضراباً ناجحاً، بجانب ظُهُورهم في تجمُّعات تُردِّد شعارات الثورة وتمّ تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، فيبقى أن الشرطة كمُؤسّسة كانت مُلتزمة، ولكن انضمام عَناصر من منسوبيها لقُوى الحُرية والتغيير أثّر في أدائها وظهرت شبه مُضربة عن العمل، لأن الرتب التي تُؤيِّد الثورة من النقيب فما دون هي التي تُدير أشغال الشرطة العملية، ويرى مصطفى بأن التعديلات كانت مُتوقّعة لتنفيذ مَطالب الشّارع السوداني، ومطالب عناصر الشرطة بقُوى الحُرية والتّغيير، التي طالبت (حميدتي) بكنس الكيزان من الشرطة، بيد أنّها ستُؤثِّر على أداء الشرطة.
أيادٍ تعبث
اللواء معاش الطيب عبد الجليل يتّفق مع ذلك الرأي، ويرى أن هناك أيادٍ خفية تعبث بمُؤسّسات الدولة وعلى رأسها الشرطة، مُوضِّحاً أنّ الإجراءات التي تمّت منذ الحراك وإعفاء قيادة الشرطة لأكثر من مرة، آخرها ما تم أمس الأول بإعفاء ما يزيد عن الـ(400) ضابط بدءاً من المدير العام، ستعيد الشرطة لما قبل الإنقاذ، مُعتبراً أنّ الاتهامات لعناصرها بأنهم من (الكيزان) مُجرّد افتراء، وقال عبد الجليل إنّ الشرطي يُنظر إليه كفردٍ منتجٍ ولا يهم انتماؤه السياسي، وإن الإعفاءات التي تمت لضباط الشرطة مُؤخّراً غير قانونية ويُمكنهم اللجوء إلى محكمة الطعون الإدارية، ولم تراعِ أنها أحدثت فراغاً بين قيادات الشرطة، مُنبِّهاً للهزّات التي تَعرّضت لها الشرطة في الأشهر الأربعة الماضية، حيث أفقدتها القيادة على المُستوى قيادات العليا أو الوسيطة، مُشيراً إلى أنّ الشرطة السُّودانية قد فقدت قيادات تاريخية وأصبحت تحتاج لقيادات وكفاءات، مُنبِّهاً إلى أنّ الشرطة تختلف عن الأمن والجيش، ففيها مصالح الناس، ويرى عبد الجليل أنّ المجلس العسكري يَنساق وراء مُطالبات الشارع بخلخلة المُؤسّسات بدعاوى تصفية الإسلاميين، بيد أنّه يَهدم في مُؤسّسات الدولة وقال لمصلحة مَن؟!
أسباب وراء القرار
وتبارى قادة الشرطة السابقون في البحث عن مُعالجة الإشكالات التي تُعاني منها الشرطة.. وقال لواء بالمعاش فضّل حجب اسمه إنّ واحدة من الأسباب التي قادت المجلس العسكري لتلك الخطوة، أن الشرطة غابت عن المشهد الأمني وترتّب على غيابها مخاطر ومُهدِّدات في أطراف الخرطوم وبعض الولايات ونُشُوب خلافاتٍ قبليةٍ دمويةٍ أكّدت أنّ الوضع الأمني مهزوزٌ، وقال إنّ صغار الضباط شكّلوا تنظيما أو رابطة أشبه بالنقابة المدنية أسمت نفسها رابطة النقيب فما دون، والتي أعلنت قبل فترة إضرابها الشهير الذي سبّب شللاً كاملاً في الحياة وهذا المشهد حمّل قيادة الشرطة المسؤولية فيما يُعرف بـ(عدم الانضباط)، وأظهر حسب قول الخبير فراغاً تربوياً بين القيادة والقاعدة، وقال إن هذه الأسباب مُجتمعة قد تكون قادت المجلس الانتقالي لاتّخاذ القرار والإطاحة بالفريق أول بابكر أحمد الحسين بعد شهرٍ من استلامه أعباء الشرطة، واتّفق خُبراء على أنّ وضع الشرطة يَحتاج لقائدٍ يُعيد الانضباط، الأمر الذي رجّح كفة الفريق أول عادل بشائر والذي تدرّج في وظائف الشرطة الخدمية والجنائية والأمنية بقيادة الاحتياطي المركزي.