المُستقبل في كف عفريت تعطل التعليم في السودان.. أسباب كثيرة ونتائج كارثية!!
خبراء: تحديات كبيرة ماثلة ويجب الحلول
اليونسيف: 10 ملايين طالب وطالبة تأثّروا بسبب الإغلاق
أكاديمي: 4 مليارات دولار خسائر تحمّلتها السياحة والطيران لهذا السبب (…)
سياسي: نظام البشير سيّس الخدمة المدنية وهذه المحصلة
قضية تستعرضها: انتصار فضل الله 9ديسمبر2021م
عانى حقل التعليم المدرسي والجامعي منذ ديسمبر ٢٠١٨ حتى تاريخ اليوم من تعطيل وإيقافات متكررة للدراسة والدورة التعليمية في المدارس والجامعات السودانية.
ومجدداً وبعد استقرار جزئي للحقل, تعود جائحة كورونا في موجة مختلفة فارضةً سيطرتها على الوضع، فقد بدأت وزارة الصحة الاتحادية ومنذ مطلع سبتمبر 2021م في إطلاق التحذيرات والمخاطر المُتوقّع حدوثها جراء الموجة الرابعة للفيروس الذي نشط مؤخراً.
وتناقلت الأسافير أنباءً عن التوجه لإغلاق كامل للبلاد في ظل مخاوف من تعطيل الدراسة بالجامعات والمدارس, التي شهدت إغلاقاً سابقاً اقتضته الأوضاع السياسية لتُستأنف الدراسة في وضع اختلفت فيه التوجُّهات وتغيّرت الإدارات، وتبقى الفرضية المطروحة هل تتسبّب هذه الموجة في الإغلاق وما مدى تأثر المؤسسات التعليمية بالإيقافات المتكررة منذ 2018م, وما المُعالجات التي يُمكن إنزالها…؟
توقُّعات يفرضها الواقع
شهدت الأسابيع الماضية توقُّف الدراسة في بعض المدارس “أساس – ثانوي”, في أجزاء من الولايات إثر ظهور بعض حالات الإصابة, وبالأمس القريب قررت إدارة مدرسة في حي أم درماني بولاية الخرطوم توقُّف الدراسة لذات السبب.
ويتوقع خبراء تربويون وأكاديميون إعلان وزارتي التربية والتعليم الاتحادية والولائية, إغلاق المدارس حتى منتصف يناير 2022م، وقالوا ربما تتخذ الجامعات ذات الخطوة بالإشارة الى وجود جامعات ما زالت مغلقة لأسباب مختلفة.
معروفٌ إن الفيروس قد ظهر بشكله الحالي متنقلاً من الحيوان للإنسان في بلدة “ووهان الصينية”، ومنها انتشر لبقية العالم مع بدايات العام الماضي, وقد ظهرت له متحورات كثيرة, أشهرها دلتا والآن أوميكرون، ومعلوم الملايين الذين لقوا حتفهم بسبب هذا الفيروس وما زال العالم بعيداً عن مرحلة التعافي الكامل منه.
هجرة ضرورية
إحساس ضياع سنة جامعية من عمره لم يكن أمراً سهلاً بالنسبة للطالب عماد زكريا، الذي عانى كثيراً عندما توقّفت الدراسة خلال الفترة الممتدة من 2018 – 2019 وهو في ثالثة طب جامعة الخرطوم, وبعد طول انتظار آملاً تحسين الأوضاع دون فائدة, قرّرت أسرته إلحاقه بطب القاهرة لكن المأساة أنه بدا من أولى طب.
يقول لـ”الصيحة” إنه أضاع سنوات من عمره وهذه مسألة صعبة جداً لم يتمكن من تحمُّلها, عانى خلالها أوضاعاً نفسية سيئة جداً ولفترة ما شعر بالتبلد وصعوبة المواصلة, لذلك كان قرار الهجرة الأكاديمية أمراً ضرورياً.
عماد ليس وحده تأثر بالإغلاق, فقد تأثر أكثر من 20 مليون طالب جامعي وحوالي 24 ألف مدرسة أساس وثانوي كانت قد أغلقت تماماً, تأثر فيها اكثر من 10 ملايين طالب وطالبة يدرسون فيها, ويوجد اكثر من 4 ملايين طفل في سن التمدرس لكنهم خارج المدارس بطريقة غير مباشرة تأثروا بالإغلاق بحسب آخر معلومات صادرة عن منظمة اليونسيف.
تأثير ظاهر
كشف الخبراء التربويون والنفسانيون والاقتصاديون, عن تحديات كبيرة تعترض التعليم، وقالوا لـ”الصيحة”، يظهر التأثير الأكاديمي بصورة ملموسة في عدم تكملة الأيام الدراسية وتأهيل امتحانات شهادتي الأساس والثانوي, بالتالي زيادة حجم الفاقد الأكاديمي لتوالي المؤثرات، ويبقى التأثير النفسي ملاحظاً على الأسر والتلاميذ جراء الجلوس الكثير في البيوت والشارع.
مشيرين الى ان الأثر الكبير يقع على الطلاب الجالسين لشهادتي الثانوي والأساس, لأنهم أكملوا استعدادهم النفسي, وكذلك على طلاب الجامعات الذين عانوا بسبب الغياب عن قاعات الدراسة لعام ونصف، ومن الناحية الاقتصادية أشاروا إلى الصرف الكبير من الأسر دون منتوج أكاديمي وإهدار اقتصادي كبير على الدولة والأسر في التعليم بصورة عامة!
الاستفادة من البنية التحتية
يقول المحلل السياسي سعد محمد، هناك سببان وراء تعطيل التعليم هما كورونا التي استطاعت بعض الدول التغلُّب على تعطيل كورونا للتعليم, حيث استفادت من البنية التحتية المتوفرة لديها وإمكاناتها الاقتصادية من توفير مُعينات وآليات، ولوجستياً توفير إجراءات احترازية لديها للحفاظ على صحة وسلامة الطلاب وأعضاء المنظومة التعليمية ومن منصات التعليم الافتراضي والتعليم عن بُعد, مشيراً لافتقار السودان لهذه المنظومة.
ويضيف سعد أن السبب الآخر الذي قاد الى تعطيل الدراسة مراراً وتكراراً هو الحال السياسي الذي يعيشه السودان مع حالة التحول الانتقالي المتعثرة بعد ثورة ديسمبر المجيدة ويمثل الطلاب رأس الرمح في هذا الحراك الثوري, في وقت تعاني البلاد من سيولة سياسية بسبب الشد والجذب بين المكونين المدني والعسكري في سبيل التحول الديمقراطي، وتابع “يرجع ذلك الى تداخل الأمور السياسية في حقل الخدمة المدنية الموروث من النظام المخلوع الذي سيّس مؤسسات الخدمة المدنية بما فيها دور التعليم ليقطف المجتمع حصاد تعطيل للدراسة اليوم من رحم تلك السياسات”, مَا أسهم في خلق نوع من تراكم المراحل بعضها فوق بعض, وخلق خللا كبيرا في الخريطة الزمنية المقررة الذي يعتبر خصماً على حياة الطلاب والشباب تعليماً وتوظبفاً, بل قاد إلى تدني مستوى التعليم والاستيعاب, وأحدث خللاً في سوق العمل والتوظيف.
أزمات نفسية
وأردف المحلل السياسي: إن هذا الوضع تسبّب في أزمات نفسية لبعض الطلاب أدى بهم إلى قطع التعليم والاتجاه لسوق العمل دون تأهيلٍ, فضلاً عن أن بعض الأسر الميسورة الحال هاجرت لتعليم أبنائهم خارج البلاد وباعوا منازلهم ومُمتلكاتهم في السودان ليعيشوا خارج البلاد، حيث اتّجه أكثرهم لمصر، فيما سافر أبناء المغتربين الى الخارج لتكملة تعليمهم.
مؤكداً أنّ هذا يفقد البلاد موارد مالية من النقد الأجنبي, فضلاً عن كثير من الأزمات ستظهر مع مرور السنوات.
فيما يقول الخبير التربوي د. بشير محمد آدم: ركّزت معظم الدول على 3 خيارات للتعليم متمثلة في التعليم عن بُعد وهو الاستغلال الكامل لكل الوسائل الإلكترونية والإعلامية المسموعة والمرئية, بالإضافة للتعليم المنزلي وهذا يتطلب توافر شخص يستطيع تقديم ما يحتاجه طلاب المدارس, والخيار الثالث هو التعليم الذاتي وهو للأعمار الكبيرة من الطلاب ومتاحٌ في السودان فقط تحتاج لتعزيز, مشدداً على ضرورة استقرار الأجواء الأكاديمية.
أثر اقتصادي مدمر
يقول الأكاديمي د. عبد المؤمن إبراهيم أحمد كان لكورونا أثرٌ على مُجمل انشطة البشر خصوصاً الاقتصادية، مشيراً إلى أنه كلّف الاقتصاد العالمي خاصة السياحة والطيران أكثر من 4 مليارات دولار وقد تسبب في خفض قيمة برميل البترول لأقل من الصفر وهذه من غرائب الاقتصاد، ولم يقف الأمر على ذلك, بل حين تمت السيطرة على الوباء ارتفعت الأسعار بسرعة الصاروخ.
الوباء وأزمة العام الدراسي في السودان
يواصل أحمد حديثه لـ”الصيحة” قائلاً: واجه العام الدراسي السابق في السودان ثلاث أزمات حادة منذ نهايات العام 2019، هما اندلاع الثورة السودانية, ثم ظهور جائحة كورونا, ثم الفيضان العظيم للنيل في العام 2020.
عموماً, كان أثر الجائحة أخطر وأجل من كل أثر آخر وقد كان أثرها على جميع مراحل التعليم العام والعالي.
بسبب ضعف البنية الاقتصادية في السودان, فقد كان للجائحة أثر أعظم خصوصاً في مجال التعليم بسبب ضيق المواعين التعليمية وضيق ذات اليد لتوفير المزيد من فصول الدراسة والمزيد من المعلمين بغرض تطبيق مبدأ التباعُد بين الطلاب في مقاعد الدراسة أو تجزئة فصول الدراسة لفصلين أو تطبيق نظام الدوامين.
وكاد الطلاب أن يفقدوا عاماً دراسياً لولا القرار الشجاع الذي اُتّخذ بإجراء الامتحانات الأخيرة رغم صُعُوبة الظروف.
مخاطر وحلول
يتابع أحمد “لحُسن الحظ أن الفيروس يجد مقاومة طبيعية لدى صغار السن والشباب وكانت المخاطرة تكمن في أن ينقل صغار السن والشباب المرض للبيوت لآبائهم وأمهاتهم, ومعروف أنه قد تكون حاملاً للمرض دون أن تظهر عليك أعراضه وهذه واحدة من أخطار المطعمين أو الملقحين على غير المطعمين”.
واحدة من الحلول الفعّالة التي طرحها أحمد هي تطعيم أكبر عدد ممكن من المواطنين ومن كل الأعمار, بعد أن عرفت الجهات الصحية كيفية التعامل مع المرض, ويرى أن تطعيم أعداد مقدرة من الناس ربما واصل العام الدراسي من غير مشاكل, مشيراً إلى ان بعض الولايات أغلقت مدارسها لمدة أسبوعين بهدف كسر حدة الانتشار, منها النيل الأبيض وولاية أخرى.
وتوقّع أن تصير ممارسة الإغلاق لأسبوعين ممارسة عامة كلما انتشر الوباء في احدى الولايات, وأشار إلى انّ العالم قد تجاوز المرحلة الحرجة نحو الأحسن رغم تفشي متحورات جديدة، مَا يستدعي تشجيع المواطنين للتطعيم, وحال توفّرت الموارد يستحسن تطعيم طلاب الجامعات والثانويات وعدم الالتفات لما يُطلق من شائعات وأكاذيب عن خُطورة الفاكسين.