تقرير: نجدة بشارة 8ديسمبر2021م
في تقرير أعده معهد تنمية أفريقيا، جامعة (كونويل) سابقاً عن ثورة السودان, قال فيها الكاتب “سيمضي وقتٌ طويلٌ قبل أن تلتئم الجراح العميقة التي سببها النظام المباد، ولا يمكن لجراح السودان الناتجة عن مآسيها السابقة أن تلتئم طالما سُمح لأولئك الذين يُلحقون بها الظلم من المطلوبين جنائياً بالإمعان بظلمهم بدون عقاب، وطالما استمر المجتمع الدولي بإطلاق الوعود”…
ما ورد في التقرير ربما يمثل جزءاً من الواقع, إذ أن الصراعات القبلية في جميع أقاليم السودان والتي رجّح خبراء سابقاً بأنها صنيعة النظام البائد, ظلّت تتجدّد بين الفينة والأخرى، حتى بعد توقيع اتفاقية السلام اكتوبر 2020م بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح والتي أنهت عقدين من الصراع السياسي, لكن لماذا عاد الصراع وتجدد بعد عامين من توقيع اتفاق السلام، ولماذ اتخذ الصراع شكلاً مختلفاً.. حيث تحول الى اشتباكات قبلية بين القبائل هنا وهناك، هل هنالك اياد لها مصلحة في استمرار الأزمة بإقليم دارفور وولايات كردفان وبقية ولايات السودان؟ ام ان الصراع القبلي له دوافع اخرى تتمثل في الموارد من الكلأ والمرعى؟ ويتساءل متابعون عن الدوافع من تأجيج الصراع في دارفور وكردفان خلال الفترة الماضية؟ وهل هناك روابط ما بين جبل مون وكريدنق في غرب دارفور وزمزم في شمال دارفور والنهود في غرب كردفان؟.. وإلى أي مدىً قد تؤثر هذه الصراعات على استقرار الفترة الانتقالية، وعلى التجربة اللا مركزية؟!!
تجدُّد الصراع
ولعل في الوقت الذي نتحدث فيه عن السلام, نجد أن موجة الصراع عادت وتجددت في عدد من ولايات دارفور.. غرب وشمال دارفور لا سيما نزوح عدد من المواطنين من معسكر زمزم الى الفاشر بعد مقتل وجرح سبعة مواطنين من منطقة (كولقي) امس الثلاثاء في كمين قبالة معسكر زمزم للنازحين، وسابقاً تجددت الاشتباكات في مدينة (كرينك) ومن قبل منطقة (جبل مون), حيث شهدت المنطقتان احداثا دامية راح ضحيتها مئات الأبرياء وسالت شلالات الدماء.. كما شهدت محلية النهود أمس الاول صراعاً قبلياً أُودي بحياة 19 وتسبب في جرح العشرات ونزوح الآلاف، ولم تستطع الحكومة في المركز السيطرة على هذه الأحداث رغم اختلاف المسببات.
ولعل أزمة دارفور تشابكت جذورها التاريخية، من امد بعيد وتداخلت العوامل الطبيعية (الجغرافية والمناخية)؛ الاجتماعية، السياسية، هذا بالإضافة إلى العوامل الخارجية، وهنالك أبعادٌ شخصيةٌ وطموحاتٌ دوليةٌ, كلها ساهمت في إذكاء الفتنة وزادت من اشتعال فتيل الصراع.
وحسب مراقبين رأوا ان الصراع في دارفور يعتبر قديما متجددا, لكن السمة الغالبة عليه هو القبلي وانتشار القبلية والجهوية بين بعض القبائل كما حدث في احداث الجنينة التي بدأت بشجار صغير بين شخصين وفاقم الحدث بانهما من قبيلتين مختلفتين, اضافة الى الموارد وغيرها, تلك العوامل أسهمت بصورة سلبية في تأجيج الحرب بدارفور، فضلاً عن الجهل وضعف الوازع الديني للمجموعات المتفلتة وتراجع أدوار الحكومة المركزية في ضبط هذه الأحداث!!
أحداث كردفان
وبذات الوتيرة, تجددت الاشتباكات في ولاية غرب كردفان, حيث وقعت الاشتباكات القبلية في مدينة أبو جبيهة بولاية جنوب كردفان، مَا أدى لسقوط عشرات القتلى والجرحى وحرق عشرات المنازل في الأحياء الغربية بالمدينة, مَا أدى لنزوح المئات إلى وسط المدينة.
في السياق, قُتل وجرح العشرات في اشتباكات قبلية اندلعت بين مكونات قبيلة دار حمر بمحلية النهود يوم الأحد, واعلن والي غرب كردفان المكلف أحمد آدم أن لجنة الأمن اتخذت جملة من الترتيبات التي تمنع من تجدد النزاع بانتشار القوات لحفظ الامن والاستقرار في المنطقة, وقال الوالي المكلف إنّه استمع لتنوير مفصل حول مجمل الأحداث وتداعياتها, وكانت تقارير قادمة من غرب كردفان أشارت إلى أن الاشتباكات اندلعت جنوب مدينة النهود في قرى (نبلت، ام هبيلة، ام صباغة وعجاك) أدت الى وقوع 15 قتيلا وصلت منهم 9 الى مشرحة مستشفى النهود وعشرات الإصابات الخطيرة والمتوسطة.
مَن يشعل فتيل الأزمة؟
في بيان لحاكم اقليم دارفور مني أركو مناوي قال فيه “جميعكم تابعتم الأحداث الدموية المؤسفة التي بدأت في ولاية غرب دارفور، وراح ضحيتها عدد من الأفراد، كما أُصيب البعض بجروح متفاوتة”, وأضاف “لا شك أن هناك أيادٍ لا تريد لهذا الإقليم أن يستقر وينهض لأن ذلك يتضارب ومصالحهم”, وتابع “بعد ظهر يوم ٦ ديسمبر كذلك شهدت منطقة غرب معسكر زمزم حوالي١٠ كيلومترات من الفاشر، اعتداءً آثماً وقع على مواطنين عُزّل أبرياء، إذ تعرّضوا لإطلاق وابل من الرصاص أدى إلى وفاة عدد من الضحايا وجرح آخرين”.
وأكد مناوي أنه بصفته حاكماً لإقليم دارفور، قام بإجراء عدد من الاتصالات الهاتفية مع عدد من المسؤولين، من بينهم قيادة الفرقة السادسة مشاة وقوات الدعم السريع، للتدخل والتصدي لأية محاولة هجوم يقع على المواطنين، وضرورة أن يكون الرد حاسماً ورادعاً. كما أشار مناوي إلى تواصله مع والي ولاية شمال دارفور والقادة الأمنيين لمنع وقوع أي ردة فعل تجاه المواطنين الأبرياء العُزّل في معسكر زمزم أو أية منطقة من المناطق داخل الولاية.
ضبط النفس
وطالب مناوي, المواطنين بضرورة التحلي بالصبر والحكمة وضبط النفس حتى لا تتفاقم القضية ويسقط العشرات موتى أو مصابين. وشدد قائلاً: “يجب علينا أن نفوِّت الفُرصة لأعداء السلام والاستقرار الذين لا يعيشون إلا في الأجواء المكفهرة والدامية”.
فيما يشير مُراقبون إلى أن تحقيق العدالة ومُحاسبة الجناة الذين تسبّبوا في الحرب بدارفور عبر زرع الفتن والتحريض كفيلٌ ببعث رسائل الطمأنينة مجدداً في النفوس المتعبة للبدء مجدداً في فرد مساحات للتسامح والتصافي، بيد أن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد شرعت فعلياً في تسمية 31 تهمة تجاه المتهم بجرائم الحرب والإبادة في دارفور. واكد نائب رئيس المجلس السيادي الفريق حمدان دقلو (حميدتي) على تسليم الرئيس المعزول البشير للجنائية.
رواسب النظام البائد
يقول المحلل السياسي والمراقب للعملية السلمية في دارفور عبد الله آدم خاطر لـ(الصيحة), إن التغييرات التي أوجدها التوافق السياسي انعكس إيجاباً على إرخاء القبضة المركزية، عبر نظام الحكم الإقليمي لدارفور، موضحاً بأن رواسب الحكم المركزي والرواسب صنيعة النظام البائد مازالت تؤثر على المشهد في دارفور رغم انتفاء الأسباب السياسية للصراعات, وأرجع ما يحدث في إقليم دارفور وكردفان إلى أنه مجرد رواسب (وحمى) لبقايا النظام المباد, والذرائع والمخططات التي ظل النظام السابق يبثها لزرع الفتن وسط مواطني الإقليم, ويرى خاطر أن ما يحدث يحتاج لمسألة وقت فقط حتى تستطيع حكومة الإقليم أن تبسط هيبتها وتطبق نظامها الفدرالي الجديد, وزاد “بالتأكيد هنالك تكلفة للتغيير ولا بد ان تدفع، وأردف ونوصي بسعى الحكومة للإسراع في فرض هيبتها على هذه الأقاليم، والمضي في الفدرالية الديمقراطية”.
تنشيط دور الإدارات الأهلية
يقول المحلل السياسي والمراقب للعملية السلمية بروفيسور عبد البنات آدم، لـ(الصيحة) إنه في ذروة الأزمة والصراعات, عَمَدَت الإنقاذ إلى تصفية الإدارات الأهلية وكانت الحكومة تعلم أهمية دور هذه الإدارات ومكانتها بين المواطنين وقُدرتها على تهدئة الخصوم وتسوية النزاعات، لذلك سعت إلى تصفيتها بحجة التأهيل والتدريب، لكن لاحقاً أدركت هذه الإدارات ما حدث وأن المقصود من التصفية كان بهدف هيمنة الحكومة المركزية واستجلاب مُوالين لها.. هذه الخطوة ساهمت في خلق نوعٍ جديدٍ من النزاع، وظهر مستويان من الإدارات، المستوى الأول مُوالٍ لنظام الإنقاذ ويُكرِّس لسلطته، فيما يعمل ضد قرارات الشق الآخر من هذه الإدارات التي تظهر ولاءها للحركات وللأحزاب الطائفية الأخرى، وفي المُقابل سعت الحكومة في المركز على تأليب المُستوى الأول على الثاني بتهميشه ومُحاولة التخلص منه، وبالتالي خرجت المجموعة الثانية من طوع الدولة وظهر صراعٌ جديدٌ أدّى لفقدان إنسان دارفور ثقته في هذه الإدارات حتى ضعف دورها.
وطالب في ذات الوقت بأهمية انتباه الحكومة الانتقالية لإعادة وتمكين الإدارات الأهلية في الأقاليم, لا سيما الأقاليم التي تعاني من الحرب مثل دارفور وكردفان, موضحاً أن الخطوة مُهمّة لوضع حدٍّ وإنهاء الصراعات القبليّة.